أعود لأصلح ما تخرّب في علاقتي بالمسرح في الثالثة والسبعين والممثلة النجمة جين فوندا لا تخفي سنها وتفخر بما هي عليه اليوم من نشاط وجمال وحيوية تترجمها في اشتراكها بفيلم فرنسي يصدر قريباً وفي كتابة مؤلف جديد بعنوان «كيف نشيخ جيداً؟» وبإصدار «دي.في.دي» عن برنامجها الرياضي المعتاد والمتجدد حول العالم. تعيش جين فوندا اليوم في لوس انجلس مع صديقها المنتج الموسيقي وهي لا زالت على حماستها لمناصرة القضايا السياسية والاجتماعية عبر العالم وقد تحدثت الى مجلة «الاكسبرس» الفرنسية في عددها الأخير حول مجمل القضايا التي تشغلها اليوم. * عودتكِ الى المسرح بعد انقطاع عن الخشبة دام 46 عاماً كانت مدوية في نيويورك ثم عرضتها في لوس انجلوس حول شخصية امرأة عجوز ومريضة تستعيد حياتها عبر فعل التذكّر؟ هل انت دائماً بحاجة الى انطلاقات جديدة للتجدد؟ - نعم! وأحب التحدي. فأنا وبعد ان درست في «الاكتورز ستديو» مررت بتجارب سيئة في المسرح تركت لدي انطباعات سلبية. لذا وعندما عرض عليّ هذا العمل «تحولات 33» لمويزي كوفمان، قلت في نفسي إن الوقت حان لأعود وأصلّح ما تخرّب في علاقتي بالمسرح ولأفهم سبب الشغف الذي أصاب والدي الممثل هنري (فوندا) بالخشبة قبل ان ينتقل الى الشاشة الصغيرة والسينما. وفي تجربتي هذه، ثمة تصالح أيضاً مع والدي فأنا من النساء اللواتي يمكن ان نطلق عليهن تسمية «بنات آبائهن». فوالدي كان من الصنف البارد الذي لا يعبر عن مشاعره وطوال حياتي كنت بصدد التقرب منه لأكسب مودته واعجابه. وهذه التجربة المسرحية تجعلني أعيد اكتشاف مشاعره من جديد وبحق أقول بأنه طوال فترة العروض كنت أشعر بأنه بقربي... كيف نشيخ؟ * كتابك الجديد «كيف نشيخ جيداً؟» سيصدر قريباً في شتنبر المقبل. فهل انت تكتبين تجربتك في هذا الموضوع؟ وهل بدأت تشعرين بالتقدم في السن؟ - أكيد! فأنا اليوم امتلك ركبة ووركاً اصطناعيين، كما ان نظري يضعف، وبدأت اتحرك بمزيد من الصعوبة... فأنا اشيخ مثل كل الناس. ولكن لدي احساس عميق بأنني اتميز بأمور كثيرة. وليس فقط بأنني امتلك جينات جيدة بل كان لي الحظ بأن خضعت لعلاجات نافعة ولعمليات تجميلية ناجحة أيضاً... * طوال حياتك، بحثت عن الكمال لنيل اعجاب والدك أولاً كما اشرت ثم الرجال الذين احببت. هل وصلت الى نتيجة معينة أو هل لا زلت مقتنعة بأن الأمر كان ضرورياً الى هذا الحد؟ - منذ ثلاثة أعوام، قرأت ترجمة جديدة ل»التوراة» قام به الفيلسوف ويليام بريدجز. واكتشفت أمراً جيداً وهو انه في ترجمات أخرى وتقليدية كان يُقال بأننا يجب أن نصل الى «الكمال» في صورتنا التي هي ستكون بذلك قريبة في صورة الله الخالق. أما ترجمة بريدجز فقد جاء فيها «بأننا يجب ان نكون «ممتلئين بالكمال الداخلي» والأمر مختلف هنا. فالامتلاء الداخلي ليس الكمال بمعنى الصورة الخارجية. وهذه الكلمة جعلتني أعيد التفكير بأمور كثيرة في حياتي. واكتشفت بأنني منذ صغري كنت أعاني من النقص العاطفي لذا لم أكن أحب نفسي ورحت أبحث عن الكمال في شكلي الخارجي. اليوم، أنظر الى آخرين «ممتلئين» عاطفياً في الداخل وهم لا يأبهون كثيراً لشكلهم الخارجي. للبعض الحظ بأن يُحاطوا عاطفياً فيفهمون ذلك منذ الصغر، أنا وعلى عكس ذلك، استلزم الأمر سنوات عمري كله لأفهم الموضوع ولأتأكد بأنني لست إنساناً سيئاً». حيوان داخلنا * لماذا تقولين دائماً بأنه «ثمة حيواناً وحشياً داخلنا شديد الخطورة» لماذا؟ - لدى كل الذين يتولون السلطات عندنا طلاق دائم بين رأسهم وقلبهم. الأمر ليس كذلك لدى أوباما. فهذا الرئيس أجد ان رأسه وقلبه يعملان في تواصل دائم. وهو مناصر للمرأة أيضاً. وليس ضرورياً ان نكون من جنس النساء لنعمل لحساب النساء. فمناصرة المرأة هي قضية إنسانية بالمطلق وليست قضية نسائية على الاطلاق. أعتقد أن أوباما يتمتع بشخصية إنسانية، على عكس غيره... الأحداث العربية * هل تتابعين الأحداث الحالية في الدول العربية؟ - أكيد! وما يحصل في هذه المنطقة من العالم أمر رائع لا يصدق. مع التحفظ على معايير معينة، أستطيع القول ان ذلك يذكرني بما حصل في أيار 1968. وهل هي مصادفة ان يتزامن ذلك مع ما يحصل أيضاً في ويسكونسان، حيث يتظاهر الآلاف من العمال ضد مشاريع الحاكم الجمهوري الذي يتطلع الى تقليص دور النقابات؟ كذلك الأمر يشبه ما يحصل في أوهايو! ثمة أمر كبير يحصل حالياً، ويمكن القول ان حركة جديدة في صدد الظهور والتبلور وركيزتها الطبقة العاملة. * أليس من أثر للفرنسيين على نظريتكِ تلك وبشكل خاص سيمون سينيوريه التي أعطتك هذا الدفع الحماسي للسياسة؟ - كان لسيمون سينيوريه الأثر الكبير في نفسي. كانت مثالاً، كنتُ قد وصلت للتو الى باريس في نهاية الستينات وكنت التقي في المطاعم والمقاهي سيمون وإيف مونتان والمخرج كوستا غافراس وكانوا كلهم يتحدثون في شؤون السياسة. ومعهم اكتشفت ان هناك حزباً يدعى «الحزب الشيوعي». كما ان سيمون وأيضاً روجيه فاديم جعلاني أتأثر بما يحدث في حرب الفيتنام. وأظن بأنني لما كنتُ المناضلة التي صرت لولا انني أصبحت حبلى بالأفكار - فالأفكار تدخل الرأس كما ترطب المياه الاسفنجة - وكان ذلك في العام 1968، في فرنسا. هذه الأحداث ربما لم تغير شيئاً في سياسات العالم ولم تتمكن من تغيير السلطات في بعض الدول إلا أنها أحدثت تغييرات جذرية في النفوس وهذا ما حصل معي.