«نموت نموت وتحيا فلسطين»، «بالروح وبالدم نفديك ياغزة»، «ارفعوا الحصار عن غزة»، « تحية مغربية لفلسطين الأبية»، «مناضلون مناضلون لفلسطين مساندون»... وشعارات أخرى رددها المشاركون في المسيرة الشعبية، ورددتها أسوار وجدران العمارات والبنايات الإدارية. كان يوم أمس يوما تاريخيا بامتياز، حيث خرج الآلاف من المغاربة في مسيرة حاشدة بمدينة الرباط شعارها «مسيرة الحرية ضد الإرهاب الصهيوني» للتضامن مع شهداء قافلة أسطول الحرية والتنديد بالهجوم الإسرائيلي عليها الذي أودى بحياة تسعة أشخاص، والإعلان عن تضامن الشعب المغربي مع شقيقه الفلسطيني في محنته ومواجهته الاحتلال الإسرائيلي. ورفرفت الأعلام المغربية والفلسطينية، في صورة على امتداد شوارع الحسن الثاني ومحمد الخامس ومولاي يوسف، وصدحت الحناجر بالشعارات والهتافات المنددة بالمجزرة التي راح ضحيتها 9 نشطاء مدنيين. أمواج بشرية وحشود كثيفة هبت للمشاركة في هذه التظاهرة الرمزية التي يؤكد من خلالها الشعب المغربي، بكل فئاته وهيئاته ومنظماته، إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد، وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته، وتأييده اللامشروط لنضالاته المشروعة. ومنذ الساعات المبكرة من صباح أمس الأحد بدأت قوافل المشاركين القادمين من مدن مختلفة تتقاطر تباعا على مكان انطلاق المسيرة، الذي حددته الجهات المنظمة في ملتقى شارعي محمد الخامس والحسن الثاني. وقبل موعد انطلاقها، وبينما كانت مقدمة المسيرة تمشي أولى خطواتها على شارع محمد الخامس، كان جموع المشاركين قد ملأت الطرقات والأزقة المجاورة. وامتدت إلى باب الحد، فشارع مصر، وشارع المغرب العربي. وقبل ذلك تمركزت القوات العمومية، من رجال الأمن والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، ورجال السلطة بكل فئاتهم، في جميع المنافذ والساحات التي ستمر منها المسيرة درءا لكل ما يمكن أن يعكر أجواءها التضامنية. ووفرت السلطات المحلية كل الوسائل الضرورية لمصاحبة المسيرة، من مسعفين وشاحنات صهريجية لتوفير الماء الشروب، وسيارات الإسعاف لنقل مصابين محتملين. وباستثناء بعض مظاهر انعدام التنظيم، وسوء الانضباط من بضع مشاركين الظاهر من خلال التدافع والتسابق نحو احتلال مقدمة المسيرة، فكل شيء كان عاديا جدا، ولم تسجل أي مناوشات أو مشاجرات تذكر. وشيئا فشيئا بدأ الصراع حول من سيتبوأ مقدمة المسيرة، وهو ما خلق نوعا من الارتباك لدى المنظمين، وقوات الأمن المكلفة بالسير العادي للمسيرة، وفي كل مرة تخرج زمرة من المشاركين من إحدى الأزقة للتقدم إلى الأمام. زعماء الأحزاب السياسية ووزراء في الحكومة، وبرلمانيون وممثلو النقابات والجمعيات والتنظيمات الشبابية، وشخصيات عمومية معروفة، وفنانون ومبدعون، أبوا إلا أن يشاركوا في هذا الحدث المتميز الذي يجسد تلاحم الشعب المغربي بكل فئاته وانتماءاته السياسية، وتنديده بالجريمة الشنعاء التي ارتكبتها الآلة الحربية الإسرائيلية ضد مواطنين عزل، استجابوا لنداء الضمير الإنساني، واصطفافهم إلى جانب الفلسطينيين في غزة وكل فلسطين المحاصرين من طرف الدولة الإسرائيلية، في تحد سافر للقانون الدولي والشرعية الدولية. وعلى امتداد البصر من ساحة محطة القطار إلى آخر شارع محمد الخامس، تتناهى إلى الأسماع ترديد النشيد الوطني، وشعارات التأييد لفلسطين، وتراءت الأعلام المختلفة، المغربية والفلسطينية وحتى التركية، واللافتات التي تحمل عبارات الدعم والمساندة والتنديد بالهجمة الشرسة، وصور بعض ضحايا قافلة أسطول الحرية، وضحايا المقاومة الفلسطينية، في صورة معبرة عن حالة الاحتقان التي عرفها الشارع المغربي منذ يوم الإثنين الماضي، والشعور بالظلم والغبن لما يواجهه سكان غزة الواقفين في صمود وإباء ضد التجويع والحصار والتهديد والقتال، وهم يواجهون الآلة القمعية للكيان الإسرائيلي المغتصب. وكانت الشعارات التي رددها المتظاهرون أسمى تجليات رد الفعل الشعبي المغربي، حين صدحت حناجرهم بالتنديد بسياسة التقتيل الوحشية التي تنهجها إسرائيل، كدولة لا يعرف قاموسها معنى كلمة «السلام»، والدعوة إلى ضرورة التحرك الدولي للتحقيق في الجريمة التي اقترفها جيش الكيان الصهيوني في حق مدنيين عزل، كأنه دولة فوق القانون. وناشد الآلاف من المغاربة بمعاقبة إسرائيل، معتبرين أن ما أقدمت عليه من هجوم على أسطول الحرية عمل عدواني لا يمكن تصنيفه إلا في خانة إرهاب الدولة، وانتهاكا جسيما لمبادئ القانون الدولي وإهانة للمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة.مواطنون من مختلف الأعمار، أطفال وشباب وشيوخ وكهول، نساء ورجالا امتلأت بهم الطرقات والأرصفة، لم تمنعهم أشعة الشمس الحارقة من إبداء تضامنهم المطلق مع القضية الفلسطينية، وإعلان تنديدهم بالجريمة البشعة لقوات الجيش الإسرائيلي. وكان الشعب المغربي مرة أخرى في الموعد، في مسيرة وإن اختلفت تقديرات عدد المشاركين فيها، وجه فيه رسالة إلى العالم وإلى محبي وأنصار السلام، مفادها أن المغاربة يقفون دائما إلى صف نصرة القضية الفلسطينية على مدى عقود من الزمن وسيظلون كذلك، باعتبار القضية الفلسطينية قضية جوهرية لا تحتمل المزايدات، قضية تجري فيهم مجرى الدم في العروق. وتأتي هذه المسيرة، التي دعت إليها الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل الوطنية لدعم العراق وفلسطين، ردا على الجريمة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أسبوع، في حق نشطاء مدنيين يمثلون مختلف الجنسيات والديانات والثقافات كانوا متوجهين إلى غزة في قافلة إنسانية أطلقوا عليها «أسطول الحرية».