من “بوكاتشيو” إلى “مور وبيكون” و”ديفو” ، قص علينا نخبة من الأدباء العديد من الحكايات والتنبؤات حول الوباء والطاعون ومعاناة الناس والفقر والحصار قبل أن يجتاح فيروس كورونا العالم ويضرب في كل الاتجاهات من دون أن يوقفه شيء. الانكشاف: يفر في رواية ديكاميرون لجيوفاني بوكاتشيو نساء و3 رجال من الوباء إلى منزل ريفي قرب فلورانس. ولكي يقطعوا الوقت ويكسروا الملل، يقرر الفارون أن يختار كل منهم في كل ليلة موضوعاً ويؤلفون حوله حكاية. ومع توالي الحكايات والموضوعات ما بين الكوميدي والمأساة، العنف والدهاء، ينكشف عالم كل منهم. جزيرة معزولة: تدور رواية يوتوبيا لتوماس مور، في أجواء خيالية فلسفية وسياسية كتبها الفيلسوف والمفكر البريطاني توماس مور ونشرت باللغة اللاتينية عام 1516، وتصور التقاليد السياسية والأعراف الدينية والاجتماعية لجزيرة معزولة وغير معروفة. ويكتشف بحار مجتمعاً مثالياً: يتمثل في المساواة بين السكان المحليين، الديمقراطية، الملكية الجماعية وأشياء أخرى تناقض كل ماهو معروف عن بريطانيا في ذلك الوقت. الأكثر من هذا أنه ليس هناك وباء مثل المنتشر في بلده التي كانت تعاني من انتشار أكثر من مرض قاتل. كانت الرواية أشبه بالهروب من واقع مأساوي إلى جنة بعيدة لم تتلوث بسلوكيات البشر، ويرجع الفضل لتوماس مور في ابتكار مصطلح يوتوبيا الذي يطلق على مكان لا وجود له، وعلى حضور غائب. هذه الصورة المتناقضة جسدها راقصو أوبرا «يوتوبيا» في عرض موسيقي رائع مقتبس من رواية مور. أتلانتس الجديدة: في رواية أتلانتس الجديدة لفرانسيس بيكون، يتخيل المؤلف جزيرة مثالية خيالية أسماها بنسالم تؤوي سكان مدينة أتلانتس المفقودة. وهم مواطنون متقدمون يهتمون بالعلم والدراسة والبحث، ويخترعون غواصات ومحركات تسير بقوة الرياح، وسماعات متطورة. وعندما ينتشر الوباء في الجزر المجاورة يلجأ سكان أتلانتس إلى فرض الحجر الصحي على البحارة الأجانب لحماية الجزر من الأمراض المحتملة. الرواية تحمل رؤية الروائي والفيلسوف الشهير في الانتصار للعقل والمنطق، وتحمل روح التحدي والثورة والتمرد وتبشر بالنهضة الأوروبية الحديثة وتدعو للتجريب بعيداً عن النظريات القديمة المتوارثة. مدينة تواجه الطوارئ: تسرد رواية مذكرات عام الطاعون لدانييل ديفو عندما كان ديفو في الخامسة من عمره، أبعده أهله إلى الريف لحمايته من الطاعون الذي اجتاح لندن، لذلك اعتمد على ذكريات الطفولة وما رأته عيناه بالإضافة إلى مخيلته الأدبية وحكايات المحيطين به في نسج أحداث الرواية. ويحكي ديفو هنا قصة مدينة تعيش حالة طوارئ ولا تواجه الوباء فقط، بل الفساد واللصوصية والشعوذة والبطالة والهيستيريا. الحرب البيولوجية: تتشابه أحداث رواية المنصة أو الموقف لستيفن كنج، مع ما يروج من نظرية المؤامرة واتهام الصين للولايات المتحدة بتخليق الفيروس ونشره في مدنها. وتروي قصة فيروس متحور يخرج عن نطاق السيطرة في معمل أبحاث عسكري ويقتل كل سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية تقريباً. ولا ينجو سوى قلة نادرة، تواجه مصيرها في عالم مدمر بلا بنية تحتية أو بشر، وينشأ صراع جديد بين فئتين من الناس هما «الطيبون» و«الأشرار» يقود كل منهما شخصيات كاريزمية. وتعد المنصة من أعظم روايات الخيال والرعب في كل العصور. تقدم صورة حية لنهاية العالم التي يمكن تصديقها بشكل مرعب. بينما تركز معظم روايات كنج عن الرعب حول السيناريوهات الكابوسية التي لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد، فإن هذه الرواية تستخدم فكرة الحرب البيولوجية المعقولة لإظهار الإمكانية الحقيقية لتدمير الجنس البشري. تقدم هذه الرواية، التي كُتبت خلال الحرب الباردة، أفكاراً وصوراً نشطة في أذهان الناس – لا تزال صالحة حتى اليوم، رغم مأساويتها. شلل الأطفال: تقع أحداث رواية العدو لفيليب روث في ولاية نيوجيرسي في صيف 1944وتتخذ من وباء شلل الأطفال المنتشر أوقاتها محوراً رئيساً في التطور الدرامي لشخصياتها. ويحاول الكاتب إعادة تركيب وخلق الإرهاب والخوف ونقص المعلومات والشعور باليأس والإحباط وقلة الحيلة بين البشر الذين يواجهون مرضاً لا يرحم يصيبهم بالشلل ويستهدف الأطفال بصورة خاصة. يصور الكاتب هنا الناس وكأنهم أمام كتيبة إعدام تحصد أرواحهم واحداً تلو الآخر، وهم بانتظار مصيرهم المحتوم وخاصة أن لقاح الدواء لم يكتشف إلا في عام 1955.