كما في كل لحظات الأزمة، ينشغل الناس هذه الأيام في البحث عن المعلومات حول (كورونا)، وتنهمر عليهم الأخبار والمعطيات من كل الجهات، وهنا يجب لفت الانتباه كذلك إلى موضوع الإعلام ضمن هذا السياق الوطني والعالمي الصعب. بالرغم من ملاحظات مهنية عديدة يمكن عرضها بشأن إعلامنا السمعي البصري الوطني مثلا، ومستوى أدائه في هذه المرحلة، فإنه، على كل حال، لا يقع في تجاوزات وانتهاكات كبرى للمسؤولية المهنية والمجتمعية. وبالنسبة للصحافة الوطنية المكتوبة وصحف إلكترونية جدية ومهنية معروفة، فقد اتضح دورها المهني والمجتمعي الضروري، وعبرت عن نضج مهني وسياسي كبيرين. وعليه، فإن معظم الجسم الصحفي المغربي، وإن كانت تجاربه المهنية في مثل هذه الأزمات ضعيفة وجد محدودة، قد نجح أن يتكيف مع المستجدات ويقدم خدمة عمومية لشعبنا ضمن الالتزام بقواعد المسؤولية والدقة، وفي إطار الحرص على طمأنة الناس وتخفيف الضغط النفسي ومشاعر القلق المستشرية لديهم. وإلى جانب ما سبق، فقد سقطت مواقع معروفة بطيشها وصبيانيتها في ارتكاب خطايا في حق المهنة، وتجاه المجتمع… إن عددا من هذه الأدوات العشوائية والابتزازية المتسلطة على القطاع نشرت إشاعات على أنها أخبار ومعطيات مؤكدة، ولم تراع في التمييز بين الحالات والتسميات والصفات، ولم تر ضرورة لتفادي ترويع الناس أو التشنيع بهم أو اقتراف وسم التمييز في حق فئات محددة، وبعض هذه المواقع لم تتردد حتى في الترويج للخرافة والسخرية من المعطيات العلمية عبر تعميم تسجيل مثلا مع إحدى السيدات في الشارع العام… كل هذا يطرح العودة مع بعض المتطفلين إلى دروس البدايات. إن دور الصحفي هو الحصول على المعلومة والتحقق منها من مصادر مؤكدة، وبعد ذلك العمل عليها وفق قواعد المهنة، وإعدادها للنشر وصياغتها لتقديمها عبر مختلف الأجناس المهنية المعروفة. وفي مثل هذه الأزمات أو الظروف المجتمعية غير العادية، يفرض على مهنيي الصحافة والإعلام الحرص أكثر على المعرفة أولا، وعلى التحري وتوخي الدقة، والإدراك الواعي والكبير على أن المطلوب اليوم هو الوصول إلى المعلومة الصحيحة والمؤكدة وتقديمها بشكل مهني للمجتمع، وعبر ذلك السعي لتخفيف الضغوط على الناس وإنقاذهم من الإشاعات والأخبار غير الصحيحة. ومن جهة ثانية، عندما يجري الصحفيون حوارات مع مسؤولين عموميين بشأن تداعيات الأزمة أو من أجل تقديم نصائح للمواطنين أو الإعلان عن إجراءات أو تقديم معطيات، فإن الغاية الوحيدة هي بالذات أن يعرف الناس هذه الأخبار ويستوعبوها ويقتنعوا بها، ومن ثم يجب تمكين المستجوب من الوقت ليعرض ما لديه، وعدم الإكثار من مقاطعته أو محاصرته بأسئلة إضافية أو توليد أسئلة أخرى من مقدمات أجوبته، وذلك كما لو أننا في ظرفية عادية أو أن الضيف يقدم مرشحه أو برنامجه في حملة انتخابية… لا يجب في مثل هذه الظروف أن يسعى الصحفيون إلى السخرية من مستجوبيهم أو محاصرتهم أو “الانتصار” عليهم، وإنما الوعي بأن الناس يريدون معرفة أخبار “كورونا” وإجراءات المواجهة، وذلك من مصادر رسمية، ودور الإعلام أن يقدم هذه المعلومات للناس. لقد أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية منذ أيام بلاغا نبهت، من خلاله، إلى هذا الوضع، وحذرت من الممارسات المرفوضة لعدد من منتحلي صفة الصحفي، واستغلالهم للفضاءات الإلكترونية المفتوحة، كما شجب المجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة للتنظيم الذاتي للمهنة تمتلك سلطات تأديبية بموجب القانون، الممارسات المنتهكة لأخلاقيات الصحافة والمفتقرة للمسؤولية تجاه المجتمع. كل هذا يفرض اليوم تمتين الوعي والمسؤولية وسط مختلف هيئات التحرير، ولكن أيضا التعامل بصرامة ووفق القانون مع إشاعة التفاهة والخرافة ونشر الترويع والهلع وسط الناس والترويج للأكاذيب. وفي سياق ذي صلة، يجب أن نسجل أن هذه الأزمة أبرزت حاجة بلادنا الملحة للإعلام، وخصوصا الصحافة الوطنية المكتوبة التي أبانت عن التزام كبير بالأخلاقيات وجدية المعالجة، وحرص كبير على المسؤولية ودقة التحري، وهذا يفرض أيضا التفكير اليوم في هذه الصحف، باعتبارها مقاولات تعاني من أوضاع هشة ومهددة بدورها بكل التطورات السلبية في مجريات هذه الأزمة، والحرص على استمرار عملها واستقرارها العام لتأمين خدمة عمومية وإخبار دقيق وناضج لشعبنا. وفي المقابل، يجب على كل الزميلات والزملاء تمتين ممارستنا المهنية وتقوية حرصنا الجماعي على الدقة واحترام الأخلاقيات، وتعبئة كامل الجهد الذاتي لمحاربة نشر الإشاعات والأكاذيب والأخبار الزائفة. وبالنسبة للدولة والمصالح العمومية ذات الصلة، يجب عليها، من جهتها، تقوية حضورها الفعال في الساحة وتعميم المعطيات الحقيقية والعلمية وتأمين حصول وسائل الإعلام على المعلومات والأخبار والشروحات لإعلام المواطنين وطمأنتهم وتخفيف الضغط عنهم. بقي أن نلفت الانتباه إلى أنه في السنوات القليلة الأخيرة عمدت بعض المؤسسات الاقتصادية والإدارية إلى الاعتماد على “مؤثرين ومؤثرات” للترويج لإعلاناتهم وإغداق الأموال الطائلة عليهم مقابل ذلك، ومنع ذلك الإشهار السخي عن الصحف المكتوبة والمواقع الإلكترونية الجادة، لكن في أزمة مثل هذه التي تحياها بلادنا والعالم، وما تهدد به من انعكاسات كارثية، لا قدر الله، على عدد من القطاعات الاقتصادية، لم نر أي أثر لهؤلاء “المؤثرين”، وهذا رد عملي وواضح قدمته هذه الأزمة لصناع الإستراتيجيات التواصلية الصم والبكم و… العميان. ليتحمل مهنيو الإعلام مسؤوليتهم تجاه بلدهم ومجتمعهم، وليتم توفير الإمكانيات لمؤسسات المهنة لتقوم بدورها في التخليق والتأطير، وليطبق القانون في حق المتطفلين ومروجي الخرافات والأكاذيب، ولكن أيضا لتدرك الدولة والسلطات العمومية والمقاولات الاقتصادية أهمية الإعلام الوطني الجاد والمهني ولتساهم في تقويته واستمراره ونموه.