أكد أندري أزولاي مستشار جلالة الملك، ورئيس مؤسسة «آنا ليند» الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات، أن العالم العربي يشهد نهضة تنادي بقيم عالمية، وأن الشعوب حول العالم اليوم «ترى كيف أن الديمقراطية والحرية والعدالة باتت تكتب باللغة العربية». وقال أزولاي، في افتتاح منتدى الحوار الإعلامي العربي الغربي، أول أمس الأربعاء بالقاهرة، «اليوم يشهد انطلاقة وخروجا من الوضع القديم والعالم بأكمله أصبح يتطلع إلينا في العالم العربي باعتبارنا جزءا حيويا ونابضا من العالم، وشعوبا ومنطقة تلتزم وتعمل على بناء المستقبل بثقافة تتسم بالكرامة والحرية والعدالة باعتبارها انطلاقة كبرى نحو التغيير». وفي سياق هذه التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، تحدث أزولاي عن الإصلاحات الدستورية التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس في خطابه الأخير والتي قال إنها تكتسي طابعا تاريخيا وشاملا. واستعرض التحديات التي تواجه العالم العربي والغربي والتي تعد «صدام جهل» وليس «صدام حضارات»، لافتا إلى أن التاريخ يطرق أبواب العرب والأوروبيين حتى لا يفوتوا هذه الفرصة لبناء مستقبل مشترك معا، مبني على قيم مشتركة مثل التمدن والتنوع والعدل، معبرا عن تفاؤله وثقته بمستقبل ما يحدث في المنطقة العربية. وأشار إلى التقرير، الذي أعدته المؤسسة حول الثقافات والتيارات المختلفة، والذي قال إنه يعد بمثابة خارطة طريق للتعرف على كيفية قيام الأجيال الجديدة بالتخطيط لمستقبلهم، مبرزا أن المؤسسة جعلت كخيار لها وضع الحوار بين الثقافات في خدمة السياسة للتصدي للتشنجات والتوترات الإيديولوجية والفلسفية التي تضعف اليوم عددا غير قليل من المجتمعات الغربية. وطالب أزولاي بضرورة أن يتقبل الأوروبيون الواقع الجديد وينظروا له نظرة جديدة إذا أرادوا بناء مستقبل مشترك وتفادي النظرة الخاطئة للإسلام والمسلمين، مذكرا في هذا الصدد بتصريحات مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة التي قال فيها إن الدين هو أساس التسامح والحرية وليس دافعا للكراهية في ما بين الناس، عكس التصريحات التي تخرج من دول غربية، يتعين القطع معها، والتي ترى بأنه من الصعب التعامل مع الإسلام وبناء مستقبل مشترك مع الدول الإسلامية. ومن جهته، أشاد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بالجهود التي يبذلها أندري أزولاي على رأس مؤسسة «آنا ليند» من أجل مد الجسور بين الثقافات والمجتمعات الغربية والعربية، مؤكدا أن هذا التوجه من الجامعة في اختيار أزولاي وترشيحه لتولي منصب رئيس هذه المؤسسة يعكس التشبث العربي بقيم التسامح والحوار بين الأديان. وقال موسى إن العالم العربي يمر بمرحلة تحول كبرى في مسيرته، حيث بات يشهد عهدا جديدا نحو بناء دولة المؤسسات التي تحترم الحقوق وتقنن الالتزامات والمسؤوليات القائمة على الديمقراطية والمستهدفة للحكم الرشيد والتنمية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان. واعتبر أن هذا التحول ساعدت عليه حرية الإعلام وتبادل المعلومات وعلى وجه الخصوص ما بات يعرف بالإعلام الموازي في العالم الافتراضي «الانترنت»، مؤكدا أن للإعلام الآن دور أصيل ورئيسي في تشكيل التحولات الاجتماعية والوعي وبناء المعرفة. وأشار إلى أن صعود جيل جديد له رؤيته وتطلعاته كشف من جهة عجز الإعلام التقليدي عن اللحاق بركب هذا التحول، حيث باتت فضاءات الانترنت الإعلامية أكثر تعبيرا عن روح هذه التحولات، مبرزا أن هذا الواقع «يضعنا أمام تساؤلات متعددة حول تقاطع الأدوار بين كل من الإعلام التقليدي والإعلام الجديد ضمن ما نشهده من تحولات». واعتبر موسى أن الإعلام يعد أهم وأخطر جزء من مكونات العلاقة التي تجمع الغرب بالعالم، موضحا أن الصورة المنقولة كان لها أثر بالغ في تكوين الرأي العام العالمي حول ما يجري في المنطقة العربية وفي تعزيز الفهم بين الأطراف المختلفة لهذا العالم. وأضاف أن هذه الصورة نجحت في بناء جسور عجزت السياسات عن القيام بها وتحقيق كفاءتها على مدى الأعوام الكثيرة الماضية، وهو ما يضع المسؤولين العرب أمام حقيقة مهمة تتعلق بضرورة ضمان حرية الإعلام ودوره في بناء الجسور بين الأمم. وقال إن الحرية تفرض بدورها المسؤولية وتستلزم الأمانة في نقل الصورة وتقديم الخبر والتحليل وهو الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تطوير المعرفة وتعزيز الاحترام المتبادل بين الشعوب والمجتمعات. وعبر عن الأسف بخصوص الطريقة التي تناولت بها وسائل الإعلام العالمية وخاصة الغربية العديد من الحوادث والقضايا التي أثرت سلبا على الحوار الحضاري بين العرب والغرب، وخاصة القضايا التي تثير الكثير من الحساسيات بين المجتمعات، داعيا الإعلام إلى لعب دور فعال في رأب الصدع بين العرب والغرب. واقترح عمرو موسى إطلاق أهداف ألفية جديدة خاصة بالحوار والتنوع، موضحا أن هذا المقترح الذي سبق وأن دعا إليه جورج سامبايو الممثل الأعلى للأمم المتحدة لحوار الثقافات، جدير بالدعم لأنه يقيم أساسه على البعد الإنساني الذي غاب لفترة عن منظومة بناء العلاقات بين الأمم. أما جونيلا كارلسون وزيرة التنمية والتعاون الدولي في السويد فأكدت من جهتها على أهمية تعميق الحوار المتبادل بين العرب والغرب من أجل الإسهام في الديمقراطية وإرساء حقوق الإنسان، لافتة الانتباه إلى الدور الذي يناط بالإعلام لتفعيل هذا الحوار. ودعت إلى توسيع استخدام التكنولوجيا ووسائل التشبيك بين المجتمعات، وفي مقدمتها الإنترنت الذي تضاعف استخدامه على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة. وانتقدت كارلسون لجوء العديد من الأنظمة إلى إغلاق الإنترنت خلال الثورات التي قامت بها الشعوب في المنطقة العربية، معتبرة أن هذا الإجراء يشكل انتهاكا لحق الإنسان في حرية التعبير. وأكدت كارلسون أهمية دعم جهود الحوار بين الحضارات وحشد وسائل الإعلام في هذا الإطار للحيلولة دون التوترات الثقافية. ومن جانبه، ذكر خورخي سامبايو، الممثل الأعلى لحوار الحضارات التابع للأمم المتحدة بأن الشهور الأخيرة شهدت تحولا اجتماعيا في مناطق عديدة من العالم و لكنها لم تؤد إلى مثل هذا التأثير على الأفكار والتصورات حيال الآخر كالتأثير الذي أحدثه ما بات يعرف ب»الربيع العربي». وقال سامبايو إن هناك «حاجة ملحة إلى وجود آراء ووجهات نظر مختلفة متاحة أمامنا حتى نتمكن من بناء تفاهم أفضل». ودعا إلى وضع خارطة طريق جديدة للعرب والأوروبيين على خلفية التحولات الاجتماعية في المنطقة من خلال عمل المجتمع المدني والمجتمع الإعلامي، مشددا على القيم العالمية التي تتقاسمها الشعوب عبر ضفتي البحر المتوسط. يذكر أن المؤتمر الأول للحوار الإعلامي العربي الغربي نظم تحت شعار «عهد جديد في العلاقات العربية الغربية» بالتعاون بين جامعة الدول العربية ومؤسسة «آنا ليند» لتحالف الحضارات ومؤسسة «ميديا تينور» والمعهد السويدي بالإسكندرية وتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة. وشارك في المؤتمر نحو 150 من الإعلاميين وصناع القرار والأكاديميين من العالم العربي وأوروبا وأمريكا الشمالية، لمناقشة وفحص الأحداث التاريخية التي تشهدها المنطقة العربية منذ مطلع العام الحالي وانعكاساتها على العلاقات الثقافية داخل المجتمعات وفي ما بينها.