اللقاء المشترك بين قيادتي حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، والبلاغ الذي صدر عقب ذلك، لم يكونا مجرد سلوك بروتوكولي عادي أو ممارسة سياسوية عابرة، ولكنه كان لحظة سياسية هامة لم تخل من دلالات وإشارات تفاؤل بالمستقبل. اللقاء، بداية، جاء بعد مبادرات تشاورية سابقة همت الهياكل القطاعية والشبابية والتمثيلية، وتواصل مكثف بين الأمينين العامين، ثم توج باجتماع مشترك بين قيادتي الحزبين، كما أنه انعقد بعد أن كان كل حزب على حدة قد وجه رسالة إلى رئيس الحكومة للمطالبة بفتح ورش الإصلاحات السياسية والانتخابية، والتعجيل بالحوار مع القوى السياسية بشأن ذلك، وكل هذا يعني أن اللقاء المذكور جاء ثمرة تنسيق عملي وميداني ملموس، وأقر أيضا أجندة العمل المشترك للمستقبل. إن أهمية اللقاء بين حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، واستعادة التعاون الثنائي والعمل المشترك، تأتي من كون ذلك يتم بين حزبين وطنيين عريقين يعرفان بعضهما البعض منذ عقود طويلة، وعملا معا في واجهات نضالية وسياسية ومؤسساتية متعددة، ولديهما قواسم مشتركة تتجلي في الانتصار للمصلحة الوطنية، والدفاع عن التقدم الديمقراطي ودولة المؤسسات وتحقيق الانتظارات الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا. وفي الوقت الذي لم نعد نسمع عن تقاربات بين الأحزاب والقوى الوطنية أو حتى عن حوار ثنائي ولقاءات مشتركة لتدارس قضايا البلاد والتعاون حول قضايا وبرامج أو التعبير عن مواقف مشتركة، حدثت مبادرة الاستقلال والتقدم والاشتراكية، من أجل التأسيس لمدخل جديد قصد إعادة الاعتبار للسياسة والعمل السياسي، ولاستعادة المبادرة من طرف الأحزاب الوطنية الحقيقية والجادة وذات التاريخ والأفق. ولما وجه الحزبان الوطنيان، كل من جهته، رسالة إلى رئيس الحكومة حول إصلاح القوانين الانتخابية، فان ذلك يجسد حرصهما على ضرورة رسم معالم طريق بديل لما تعاني منه الساحة السياسية اليوم، وتبعا لذلك، يتطلعان كي يستجيب رئيس الحكومة ويتفاعل إيجابا مع المبادرة، وأن تستطيع الحياة السياسية استعادة بعض حيويتها وديناميتها. وعندما باشر الحزبان تنسيقهما الثنائي وعملهما المشترك، فذلك يعتبر، ضمنا وفي المعنى، دعوة لباقي مكونات الصف الوطني الديمقراطي لتساهم، اعتبارا للمرجعيات والقواسم، وأيضا التطلعات البرنامجية المشتركة، في صياغة بديل ميداني وبرنامجي يقطع مع التجاذبات العقيمة بين الأحزاب، وينقذ السياسة من التدني والنفور وتجليات العبث، ويؤسس لتحالفات حقيقية، ويعيد الاعتبار للمواقف والبرامج والتصورات،ولجدية الممارسة السياسية. من المؤكد أن السنة المقبلة هي سنة انتخابية بامتياز، والكثير من الرهانات مطروحة عليها، ومن ثم، الاستعداد لها من الآن، سياسيا وقانونيا وتنظيميا وعمليا، أمر ضروري من شأنه المساعدة على كسب التحدي لفائدة بلادنا ومستقبلها الديمقراطي، كما أن ما يتربص بمنظومتنا السياسية والانتخابية، وما يعاني منه شعبنا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، يفرضان اليوم تمتين المبادرات التحالفية والتنسيقية الملموسة من لدن القوى المتقاربة من حيث المرجعية الوطنية والتوجهات الديمقراطية والقناعات البرنامجية، وذلك لبلورة بديل ملموس بإمكانه التأثير في مجريات الأمور على الأرض، والارتقاء بواقع شعبنا ومصلحة بلادنا ومستقبلها. لقد سجل حزبا الاستقلال والتقدم والاشتراكية، من جهتهما، وجود تقارب كبير في وجهات نظرهما وتحاليلهما للأوضاع الراهنة بالبلاد، وأيضا في استشرافهما للتطورات وما يتصل بها من مطالب وانتظارات آنية ومستقبلية، واستحضرا علاقاتهما التاريخية وعملهما المشتركة على واجهات نضالية مختلفة، ومن ثم اعتبرا كل هذه المقومات مرتكزات من شأنها تقوية تنسيقهما الحالي والسير به قدما والارتقاء به لتنزيله من تعاون مركزي إلى عمل ميداني ملموس على المستوى القطاعي والترابي، وفي التوجه إلى شعبنا بخطاب يعيد إليه الأمل والثقة في بلاده وفي المستقبل. محتات الرقاص