لم نسمع بحركة “شباب من أجل المناخ” بمونتريال الكندية إلا في الشهور الأخيرة الماضية، هذه الحركة التي جذبت حوالي نصف مليون شخص إلى مسيرة العالم في 27 سبتمبر 2019، سوف تبدأ قصتها مع جدة الشابة سارة مونبوتي (Sara Montpetit)، حيث اقترحت الجدة في إحدى الأمسيات من شهر دجنبر 2018 على حفيدتها البالغة من العمر 17 عاما أن تشاهد على موقع يوتيوب مقطع فيديو لفتاة سويدية تدعى غريتا توتنبرغ (Greta Thunberg) اعتبرتها الجدة شابة مؤثرة جدا. ألقت الشابة السويدية غريتا توتنبرغ خطابا قويا في مؤتمر قمة المناخ الرابعة والعشرين لتغير المناخ المنعقدة في دجنبر2018 بكاتوفيشي البولونية، وبدت الكندية – وهي طالبة في المرحلة الثانوية الخامسة- جد منزعجة ومتأثرة بخطاب غريتا وهي تحاضر كبار القادة قائلة: “لقد جئنا إلى هنا لنخبركم أن التغيير قادم، سواء أعجبكم ذلك أم لا. فالقوة الحقيقية هي ملك للشعب.” تساءلت الشابة الكندية سارة مونبوتي، عن كيفية الرد على حالة الطوارئ المناخية التي تسبب لها الكثير من القلق، فقررت الشروع في تعبئة الشباب من أجل المناخ بكندا ابتداء من شهر يناير 2019، مباشرة بعد العطلة المدرسية التي واكبت حلول سنة جديدة، والتحاقها بمقاعد الدراسة، حيث أخبرت صديقتها الحميمة عن موضوع تغير المناخ، وظلت بعدها تنتظر نتائج ما تعتزمه من تعبئة زملائها وهي تقول في نفسها “في أسوإ الأحوال، سيكون هناك اثنان منا”. استمرت التعبئة الشبابية من أجل التصدي لتغير المناخ، وبعد ثمانية أشهر من النضال الشبابي، وفي يوم جمعة مشمس، بدأ مد بشري شبابي منقطع النظير لم يسبق له مثيل في إقليم الكيبك يغزو شوارع مونتريال الكندية وخمسين مدينة أخرى من نفس الإقليم، فقد خرج الآلاف من الشباب لتوحيد أصواتهم بأصوات 6.6 مليون شاب عبر العالم لمطالبة الحكومات باتخاذ إجراءات فورية للتصدي لتغير المناخ. خرج الشباب من المدارس والثانويات والجامعات، ولكن أيضا خرج الآباء والأجداد. وفي مقدمة مسيرة الشباب من أجل المناخ كانت الشابة السويدية، غريتا توتنبرغ، التي جاءت لتحية الموجة القوية لشباب إقليم الكيبك الكندي الذين تابعتهم طوال العام على شبكات التواصل الاجتماعي. وكانت السويدية محاطة بعمدة مونتريال من جهة وبرئيس الوزراء الكندي الذين تقدموا مسيرة الشباب من أجل المناخ لإرسال مجموعة من الرسائل المشفرة لقادة العالم. شباب كندي من أجل المناخ بفضلهم، أصبحت حالة الطوارئ المناخية، التي كانت غائبة تقريبا عن برامج الحملة الانتخابية في إقليم الكيبك في خريف عام 2018، موضوعا لا مفر منه في الحملة الفيدرالية الأخيرة. كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ الكندي التي أعطت فيها الانتخابات مساحة كبيرة لقضية المناخ. كثرت النقاشات الجانبية قبل الموافقة على الظهور على غلاف مجلة ” The News “، حيث تناقش المتحدثون الرسميون عن حركة الشباب من أجل المناخ بمونتريال. حيث أكد أحد الشباب: “لسنا قادة”. “نحن لسنا أكثر أهمية من آلاف من الشباب الآخرين الذين يناضلون من أجل المناخ عبر العالم، بل نحمل رسالتهم. إذا كان هذا عبء شخص واحد، مثل غريتا توتنبرغ، فلن نحمله، فسيكون هذا صعبا بما فيه الكفاية. “ أول مسيرة للشباب من أجل المناخ نظمت يوم الجمعة 15 فبراير 2019 في مونتريال، فكانت البداية محتشمة كالعادة: كان هناك المئات فقط من طلاب المدارس الثانوية يرقصون للإحماء. في غياب طلاب الجامعات وفي الصف الأمامي للمسيرة المحتشمة تهتف الشابة الكندية سارة مونبوتي بالشعارات التي ستصبح مفضلة لدى المجموعة. وفي نهاية الطريق، تجمع عدد قليل من الناس أمام الحشد الصغير أمام مجمع تجاري، بينما كان سائقو السيارات يقرعون أجراسهم من أجل الدعم. تسلق أحد الشباب مقعدا، ومكبر الصوت في متناول اليد، معربا عن الألم الذي يشعر به منذ قراءة تقرير فريق الخبراء الحكومي الدولي حول تغير المناخ (GIEC)حيث حذر الشاب الكندي من أنه إذا لم يتم القيام بأي شيء لاحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن العواقب ستكون كارثية على الكوكب مضيفا قائلا: “يجب أن تتفاعل الحكومات بإجراءات جذرية!”. يفهم الشاب الخجول عموما أنه سيقضي بقية العام وهو يهتف بشعار “يستيقظ كيبيك”. بعد شهر واحد من المسيرة المحتشمة، ستتغير الأمور جذريا، فقد نظم عشرات الطلاب مؤتمرا صحفيا لإطلاق دعوة للانضمام إلى الإضراب العالمي من أجل المناخ يوم الجمعة 15 مارس 2019. وفي القاعة الكبرى بالجامعة الكندية UCAM، صرح أحد القادة الشباب من أجل المناخ بعد انتهاء أشغال الندوة الصحفية: “لقد بدا أننا منظمون للغاية، ولكن كان هناك عشرة منا فقط في ذلك الوقت، وكان هناك بعض الذعر”. بعد المؤتمر، تلقى القادة الشباب مئات الرسائل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، من أشخاص أرادوا المشاركة، تلتها موجة عارمة من طلبات المشاركة من جميع المناطق بمونتريال وخارجها من المدن الكندية برمتها: طورونطو، أونتاريو، فانكوفر…. تواصل شباب المدارس والثانويات والجامعات بسرعة فائقة قصد التنسيق لإضراب يوم الجمعة 15 مارس 2019 معا. وفي ذلك اليوم، تحت أشعة الشمس الساطعة كان هناك حوالي 150 ألف شاب وشابة يمشون في شوارع مونتريال وفي عشرات المدن الأخرى الكندية. في أحد مقاهي مونتريال التقى حوالي عشرين شابا مباشرة بعد انتهاء المسيرة مبدين اندهاشهم من نجاح تنظيم تظاهرة عالمية للشباب من أجل المناخ، حيث عبر أحد الشباب قائلا “لدينا الكثير من الأمل، لكن من المخيف التفكير في كل الأشخاص الذين لم يفهموا بعد حالة الطوارئ”. معظم الطلاب كانت تنقصهم الخبرة، في تدبير الندوات الإعلامية وتنسيق المسيرات، بدأ أغلبهم يحس بالتعب. بعد عدة أمسيات في الأسبوع، حيث كان يجتمع المنظمون لإعداد الخطوات التالية، ولكن أيضا لمناقشة مخاوفهم، كان مكان الاجتماع يتغير بانتظام، وكان من الضروري العثور على أولياء الأمور الذين يقبلون بغزو عشرات من الشباب لبيوتهم حتى وقت متأخر من الليل. وفي إحدى الليالي في شهر أبريل 2019، في منزل أحد الشباب في مونتريال، كانت جميع الكراسي مشغولة، فيما جلس بعضهم على وسائد على الأرض. يقول أحد الشباب: “لدي كابوس يراودني كل ليلة”. يقف بجانبه أحد الشباب، وعيناه مغمورة بالدموع قائلا: “إن ما نقوم به هو عديم الفائدة، ليس لدينا مستقبل”. هذه الأمسيات خلقت علاقات صداقة متينة وتضامن قوي بين الشباب. في شهر مايو 2019، حرصت إحدى الأمهات الفرنسيات على السفر من فرنسا إلى مونتريال، حرصا منها على رؤية ابنتها إحدى قادة حراك الشباب من أجل المناخ، والتي تتابع دراستها بكندا، وهي تعيش حياة مليئة بالأنشطة. قضت الأم أسبوعا رفقة ابنتها وظلت إلى جانبها في جميع المقابلات الصحفية والمؤتمرات التلفزيونية وحفلات العشاء. صرحت الأم مندهشة ومخاطبة الشباب: “نحن مطمئنون عليكم ونترككم في أيد أمينة”، وهو ما قالته الأم لابنتها في يوم مغادرتها لمونتريال. تقول الطالبة الفرنسية بعاطفة قوية جدا “لقد كنت سعيدة بهذه الزيارة التي قامت بها أمي، لقد فهم الآباء قوة الصداقة التي تجمعنا”. مدفوعين بعاطفة وحماس قويين، يواصل الآلاف من الشباب عبر إقليمكيبيك المشاركة في المسيرات كل يوم جمعة بعد مسيرة 15 مارس التاريخية، بالموازاة مع مواصلة دراساتهم. “لطالما كنت احس أنني طالبة جيدة، ولكن منذ أن أصبحت أقوم بحملات تعبئة الشباب من أجل المناخ، أشعر أنني أصبحت أكثر فائدة خارج المدرسة” هكذا صرحت إحدى الطالبات التي لا تزال تحضر دروسها، لكنها تشعر بالقلق إزاء الظلم الاجتماعي الذي سيؤدي إليه تغير المناخ. وأضافت “سيؤثر ذلك على أشد البلدان فقرا، والمسنين، والأطفال، وهو بالفعل سيعطل الحياة اليومية لآلاف الأشخاص”. يعد التنديد بالظلم البيئي أولوية بالنسبة لأولئك الذين ينسقون حركة “الشباب من أجل المناخ”، لكل هذا شارك حوالي مائة شاب في الدورات التدريبية التي تنظمها جمعية كيبك لابرادور (QUEBEC LABRADOR) الأولى للأمم، لإنشاء روابط جيدة مع قضايا المناخ. وفي يوم 27 شتنبر 2019، أحاط ممثلو الشباب بغريتا توتنبرغ على رأس المسيرة. حققت مسيرة الشباب من أجل المناخ ليوم 27 شتنبر 2019 بمونتريال نجاحا غير متوقع ولحظة كبيرة من الفرح لأعضاء حركة “الشباب من أجل المناخ”، في الأيام التي تلت ذلك، أفسح الأمل المجال للإحباط، حيث لا توجد إعلانات جديدة من الحكومات بشأن الاستعجال المناخي، لا شيء في جانب المشاريع التي تشجبها المجموعات البيئية، إنهم يشعرون أن مسيرة يوم 27 شتنبر لم تغير اي شيء ! منذ بداية نونبر 2019، اجتمع أعضاء الحركة لتقييم المرحلة السابقة من أنشطة الشباب من أجل المناخ واستشراف المراحل المقبلة. يقول أحد الطلاب بجامعة مونتريال: “نحن نواصل النضال من أجل المناخ لأننا نستمع إلى العلم”. خطاب مقتبس من رسالة حوالي 11000 عالم، كتبوا فيها أنه بدون تغييرات عميقة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة فإن “المعاناة الإنسانية ستكون حتمية. تخطط حركة الشباب من أجل المناخ لتنظيم مسيرات أخرى في عام 2020 أكثر قوة وأكثر تنظيما من مسيرة 27 شتنبر 2019 التاريخية. بالإضافة إلى ذلك، فهي تريد تسليط الضوء على الظلم البيئي، والكفاح من أجل معالجة حالة الطوارئ المناخية في المدارس وزيادة الوعي على نطاق فردي. “نود أن نناشد المجتمع”، أوضح أحد القادة الشباب الكنديين من أجل المناخ “تعليم الناس لتغيير عاداتهم، للتعبئة في أحيائهم. نريد أن نصنع “الثورة المناخية”، لنجعل هذه الحالة الطارئة تنتهي. وعلينا أن نقود هذه الثورة معا لأنها تهمنا جميعا”. وكانت الشابة السويدية غريتا البالغة من العمر 16 عاما قد أصبحت تشكل رمزا للتحرك من أجل محاربة التغير المناخي عبر العالم، وجمعت الملايين من المناصرين لقضيتها لكنها لم تحصل على جائزة نوبل للسلام بعدما تم التداول باسمها كثيرا. وفي مقابل ذلك حضرت غريتا تونبرغ قمة المناخ في مدريد في نسختها الخامسة والعشرين وشاركت في مسيرة “الشباب من أجل المناخ” بمدريد، وغادرت قمة المناخ مبكرا للمشاركة قي مسيرة أخرى بإحدى المدن الايطالية دون أن تعلم أن مجلة “تايم” قد اختارتها شخصية لسنة 2019 لتتقدم على خمسة مرشحين وصلوا الى النهائيات من بينهم الرئيس الأمريكي وآخرون. ويبقى إعلان مجلة “تايم” الأميركية اختيار الناشطة البيئية والبطلة السويدية من أجل المناخ غريتا توتنبرغ شخصية العام 2019 دفعة قوية ونقطة مضيئة ل”حركة الشباب من أجل المناخ” عبر العالم في أفق انعقاد قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرين تحت رئاسة بريطانيا والتي ستكون بدون شك قمة للشباب بامتياز. وكانت مشاركة حركة الشباب الكندي من أجل المناخ نوعية في قمة المناخ للشباب – والتي كانت الأولى من نوعها- حيث جاءت مباشرة بعد “إضراب المناخ” العالمي الذي شهد خروج ملايين الشباب من المدارس في كافة أنحاء العالم، مما تسبب في إقفال الشوارع والمدن الكبرى، من نيويورك إلى نيودلهي، ومن سانتياغو إلى سان فرانسيسكو. الشباب كانوا يلوحون بلافتات حملت شعارات احتجاج مثل: “يبدأ كل فيلم كارثي بتجاهل أفكار عالِم”؛ و”أنا أتخلى عن المدرسة لأنك تتخلى عن الكوكب”. قمة المناخ للشباب المنعقدة شهر شتنبر 2019 كانت مختلفة عن اجتماعات الأممالمتحدة المعتادة، حيث تضمنت سلسلة من المناقشات الحيوية وجلسات أسئلة وأجوبة، بقيادة مشرفين وشباب يرتدون أحذية رياضية، فمن بين الحضور كان هنالك أبطال شباب بارزون في العمل المناخي تم اختيارهم من جميع أنحاء العالم يمثلون حركة الشباب من اجل المناخ عبر العالم جاؤوا لإيصال صوتهم لقادة العالم. وفي قمة المناخ للشباب حتى الأمين العام أنطونيو غوتيريش كان “مستمعا” رئيسيا للجنة من الشباب الذين لم يكونوا في الخطوط الأمامية لحالة الطوارئ المناخية فحسب، ولكن أيضا في ابتكار طرق جديدة لمكافحة الأزمة. الناشطة المناخية السويدية أكدت على هامش قمة المناخ للشباب: “بالأمس، شارك ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم بالمسيرة وطالبوا بتحركات مناخية حقيقية، وخاصة الشباب. لقد أظهرنا أننا متحدون. وأننا -نحن الشباب- لا يمكن ردعنا”. بعد إصدار الحكومة الكندية للتقرير الرابع لاتفاقية الأممالمتحدة الإطار بشأن تغير المناخ، اجتمعت مجموعة المنظمات البيئية الكندية لدراسة النتائج التي جاء به التقرير الأخير. وتم وضع هذه الوثيقة المؤلفة من 200 صفحة، والتي تحدد التأثير المتوقع للتدابير المنفذة خلال الولاية الليبرالية الأولى، وأيضا تلك الخاصة بالتدابير المعلنة، والتي لم يتم تنفيذها بعد، على الانترنت يوم الخميس 2 يناير 2020 على موقع هيئة الأممالمتحدة. حركة الشباب من أجل المناخ هي الأخرى اجتمعت وتدارست التقرير فور توصلها به، يقول أحد أعضاء الحركة الشباب معقبا على التقرير “إذا أرادت الحكومة الكندية الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمناخ، فسوف يتعين على حكومة ترودو تطبيق تدابير أكثر طموحا من تلك التي تم تنفيذها خلال فترة ولايتها الأولى. ومن المتوقع أن ينتج عن ذلك تخفيض بنسبة 10٪ فقط في انبعاثات غازات الدفيئة الكندية بحلول عام 2030. وحتى بإضافة تلك التي تم الإعلان عنها، فلن تتحقق أهداف اتفاقية باريس”. وفي الوقت نفسه، اعترفت أوتاوا بالفعل بأن الانبعاثات من قطاع النفط ستزيد على الأقل حتى عام 2030. ممثل منظمة “غرينبيس” كندا قال معقبا “نحن بصدد فقدان الهدف الحالي تماما، وهو غير كاف إلى حد كبير لتلبية متطلبات علم المناخ، إذا كنا فعلا نريد منح أنفسنا فرصة معقولة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري في حدود 1.5 درجة مئوية”. ممثل شبكة العمل المناخي دعا إلى “خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في كندا بنسبة 60٪ على الأقل بحلول عام 2030، مقارنة بعام 2005، مضيفا أنه “وفقا لنتائج الفريق الحكومي الدولي المعني بالمناخ(GIEC) يجب أن نستهدف خفض الانبعاثات بنسبة 45٪ بحلول عام 2030، مقارنة بمستوى عام 2010. ولتحقيق ذلك، يتعين على كندا تخفيض انبعاثاتها إلى 381 مليون طن”. وفي الأخير، يشار إلى أنه إذا أرادت الحكومة الكندية تجاوز الفشل المناخي والخروج من هذا المأزق، يتوجب عليها تحديد سعر لانبعاثات الميثان من القطاع الزراعي، وخفض بنسبة80٪ من الطلب على الطاقة في المباني بحلول عام 2050 وتطوير خطط إزالة الكربون من القطاع الصناعي وتعزيز التطور التكنولوجي. بقلم محمد بن عبو (*) ناشط بيئي، رئيس جمعية “مغرب أصدقاء البيئة”.