شدد المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي علمي، في مداخلته خلال الندوة الصحفية لتبادل الآراء بشأن التحليلات وبرامج الأنشطة وكذا أساليب إعادة هندسة النموذج التدبيري للمندوبية السامية للتخطيط، في فاتح أكتوبر الجاري بالرباط، (شدد) على أنه يتعين على السياسات العمومية أن تواصل الاستجابة، ولعقود من الزمن، لمتطلبات تنفيذ أهداف التنمية المستدامة والجهوية المتقدمة، وعزا ذلك إلى دينامية الإصلاحات الهيكلية والشراكات الدولية التي التزمت بها بلادنا، تحت التوجيهات السامية لجلالة الملك. وتابع الحليمي أنه “يتعين على مؤسستنا أن تحافظ، باستمرار وفي حدود اختصاصاتها، على قدرتها على توفير المعلومات المتعلقة بالدراسات والتحليلات والمؤشرات الإحصائية البسيطة أو المركبة، استجابة للطلب الخارجي والداخلي الموجه بصفة متزايدة لهذه القضايا في بلدنا، وذلك بشكل آني وطبقا للمعايير الدولية وبتكاليف تراعي المالية العمومية الوطنية”. واعتبر الحليمي أنه باعتبارها الجهة المسؤولة عن تجميع وإنتاج ومعالجة ونشر المعطيات ذات الطابع الاقتصادي والديمغرافي والاجتماعي والثقافي، فإن المندوبية السامية للتخطيط مدعوة لوضع استعمال التكنولوجيا الرقمية في صلب نموذج مزاولة مهنها، مؤكدا على أنها ضرورة ملحة بالنظر للتطور الكبير الذي تشهده اليوم هذه التكنولوجيات عبر العالم والتي تفتح بفضل التوفر غير المحدود للمعطيات المنظمة وغير المنظمة، وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، سوق المعلومات الإحصائية أمام تداول حر للمنتجات من مختلف الأنواع وكل المستويات والمصادر الرسمية أو غير الرسمية، دون التقيد دائما بالالتزام العلمي والأخلاقي لتوضيح منهجيات إعدادها. وقال الحليمي إنه بفعل التحولات التي تشهدها اليوم التكنولوجيات الرقمية، فإنها تخضع الإحصائيات الرسمية لجميع البلدان لعدد من الالتزامات الملحة لمراجعة بيئتها التكنولوجية، مضيفا أنها توفر لها فرصا لتحسين نجاعة وجودة منتجاتها وخدماتها والحفاظ باستمرار على تنافسيتها، معتبرا أنه ينبغي أن يشكل التمكن من هذه الرهانات التحدي الرئيسي الذي يتعين رفعه حتما من طرف نظامنا الإحصائي الوطني في مجمله، ومن طرف المندوبية السامية للتخطيط على الخصوص، باعتبارها تشكل هيئته المركزية… وأبرز الحليمي أن الرهان الرقمي يقتضي علاوة على الرقمنة الكلية أو الجزئية لعمليات إنتاج ونشر المعطيات الإحصائية، مقاربة لإعادة تأسيس البيئة التكنولوجية للمؤسسة التي تتحمل مسؤوليتها، ومسلسلا لإعادة هندسة النموذج الإجمالي لتدبير مهنها وتنظيم عملها. وتابع الحليمي أنه “في هذا الإطار، فإن جميع المساهمين في القيمة المضافة الإبداعية للمؤسسة من أطر وهياكل عملياتية، سيكونون مسائلين، بقدر أقل على قدرتهم على استيعاب المتطلبات المعرفية لهذا الرهان، على استعدادهم للتكيف مع نمط العمل التعاوني وتشارك الخبرات التي يقتضيها”. وأوضح أن هذا يعني، في نهاية المطاف، أنه سيتم الحكم عليهم بناء على قدرتهم على تجاوز إكراهات نمط العمل الأحادي الذي تفرزه طبيعة تنظيم الإدارة العمومية، حيث لا تكون الهرمية العمودية للسلطات التقريرية متلائمة دائما مع أفقية الاختصاصات الوظيفية، والانفتاح على مشاركة رقمية للمعارف والمناهج والتجارب تطبعها إمكانية التتبع وشفافية العمليات وتحديد واضح للمسؤوليات. وأشار الحليمي إلى أنه ينبغي على ضوء التجربة، تعزيز الانتقال إلى نظام تدبير رقمي، وخاصة في مجال الإحصاء، بل ودعمه بالأنماط العملياتية السائدة في النموذج العام لعملية الإنتاج الإحصائي (GSBPM) والذي يشكل على الصعيدين الوطني والدولي، الإطار المرجعي الإلزامي لكيفية ممارسة مهن هذا التخصص ولهويتها. وأكد الحليمي على أن رقمنة المهن الإحصائية ونمط العمل التعاوني التي تقتضيه باعتباره أحد آثارها شبه الطبيعية، لا يهدفان لا إلى حجب أو تغيير خصوصية هويتهم، بل إلى إعطاء مزيد من المتانة لهذه الأخيرة، مع المساهمة في تثمين أحسن لوضعهم الاجتماعي ولمنتجاتهم.