يحيي العالم في فاتح أكتوبر من كل سنة “اليوم الدولي للمسنين”، الذي أقرته الأممالمتحدة في 14 دجنبر 1990، قبل أن تعتمد لاحقا، في سنة 1991، “مبادئ الأممالمتحدة المتعلقة بكبار السن”. وقد حددت الأممالمتحدة موضوع “المساواة بين الفئات العمرية” كمحور للاحتفاء بهذا اليوم، وذلك للتأكيد على أهمية أن تشمل التنمية الجميع بصرف النظر عن الفئة العمرية التي ينتمي المرء لها وخاصة المسنين. وتفيد تقارير الأممالمتحدة أن أكثر من 700 مليون شخص عبر العالم قد يتجاوزون سن الستين. وبحلول عام 2050، سيكون عددهم ملياري نسمة، أي أكثر من 20 في المائة من سكان العالم. وستكون الزيادة في عدد كبار السن أكبر وأسرع في العالم النامي، وهو ما يفرض الحاجة الملحة إلى وضع سياسات وبرامج تتناسب مع هذه الزيادة في عدد المسنين. ومقارنة بآسيا التي يتم وصفها على أنها المنطقة التي يوجد فيها أكبر عدد من كبار السن، تواجه أفريقيا أكبر نمو متناسب. ويتماشى موضوع احتفالية هذه السنة “المساواة بين جميع الفئات العمرية” مع الهدف 10 من أهداف التنمية المستدامة، والذي يركز على السبل المتاحة للتعامل مع هذا التفاوت، ويدعو إلى ضمان تكافؤ الفرص من خلال اتخاذ التدابير للقضاء على التمييز وتعزيز الإدماج السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجميع بصرف النظر عن العمر أو الجنس أو الإعاقة أو العرق أو الأصل أو الدين أو الحالة الاجتماعية، وغيرها من التوصيفات. حقوق المسنين وتؤكد روزا كورنفيلد-مات، خبيرة الأممالمتحدة في التمتع بحق الإنسان للمسنين، في بيان صدر بهذه المناسبة أنه “يجب الوقوف مع حقوق المسنين، فعلى العكس من اللاجئين والمرأة والطفل وذوي الإعاقة وغيرهم، فإن المسنين لا يتمتعون بالحماية عبر أي من أدوات حقوق الإنسان، وهو ما يفسر عدم وجود تمثيل للتحديات الفريدة التي تواجههم.” وقد طرأ تغير جذري على التركيبة السكانية في العالم في العقود الأخيرة. ففي الفترة ما بين عام 1950 وعام 2010، ارتفع العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم من 46 عاما إلى 68 عاما، ويتوقع أن يزيد ليبلغ 81 عاما بحلول نهاية هذا القرن. ويجدر بالملاحظة أن عدد النساء يفوق عدد الرجال في الوقت الحالي بما يقدّر بنحو 66 مليون نسمة فيما بين السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة أو أكثر. ومن مجموع من بلغوا 80 سنة أو أكثر، يصل عدد النساء إلى ضعف عدد الرجال تقريبا، ومن بين المعمرين الذين بلغوا من العمر مائة سنة يصل عدد النساء إلى ما بين أربعة أو خمسة أضعاف عدد الرجال. وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، سيزيد عدد الأشخاص الذين تجاوزوا الستين عن عدد الأطفل في العالم في عام 2050. ولم يزل المسنون والمسنات يضطلعون بدور مهم في المجتمع، بوصفهم صف القيادة وحماة التراث. إلا أنهم مع ذلك مئة مستضعفة، حيث يقع كثير منهم في ربقة الفقر أو يقيدهم العوق، أو يواجهون ضربا من ضروب التمييز. ويتزايد عدد المسنين والمسنات مع تحسن خدمات الرعاية الصحية، وتتزايد احتياجاتهم في نفس الوقت الذي تتزايد فيه مساهماتهم في هذا العالم. وتبرز التباينات في الشيخوخة غالبا تهميشا متراكما يمتاز بعوامل من مثل الموقع الجغرافي والنوع الاجتماعي والحالة الاجتماعية والاقتصادية والصحة والدخل وأمثالها. وفي هذا المضمار، تجدر الإشارة إلى تفاعل اتجاهات الشيخوخة والتفاوت الاقتصادي عبر الأجيال— جنبا إلى جنب مع التغيرات السريعة في التركيبة السكانية والمجتمعية — بما يفاقم ظاهرة التفاوت بين المسنين، وهو ما يحد بالتالي من النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. المسنون في العالم العربي أما في العالم العربي ووفق صندوق الأممالمتحدة للسكان، فإن نسبة من تتجاوز أعمارهم 60 عاما في المنطقة العربية تبلغ 6.6% ومن المتوقع أن تصل إلى 9.3% بحلول عام 2030 ويعد التعامل مع هذه التغيرات من أهم التحديات التي تواجه الدول العربية “بسبب نقص الأبحاث والدراسات حول فئة كبار السن واحتياجاتهم وديناميكية تلبيتها واندماجهم كفئة مهمة في السياسات والبرامج.” وفي هذا اليوم، أكد صندوق الأممالمتحدة للسكان في المنطقة العربية أنه “عمل على تطوير استراتيجية إقليمية لكبار السن في المنطقة العربية بالتعاون مع الجامعة العربية، ويجري الإعداد على إنجاز الإطار العملياتي لتنفيذ الاستراتيجية تحت إطار القطاع الاجتماعي في الجامعة.” مسنو المغرب.. جهود لتحسين أوضاع هشة وفي المغرب، شهد الوضع السوسيو- ديمغرافي تحولا اتسم بالارتفاع التدريجي في معدل أمد الحياة، وتراجعا مستمرا في معدلات الخصوبة، حيث تسير هذه التغيرات في اتجاه ارتفاع مطرد نحو الشيخوخة، إذ انتقل أمد الحياة عند المواطن المغربي من 47 عاما خلال سنة 1962 إلى 74.8 عاما خلال سنة 2014. ويبلغ عدد المسنين في بلادنا، حسب التقديرات، قرابة 4 ملايين شخص، وهو ما يمثل فقط 7 بالمائة من مجموع الساكنة، لكن يتوقع أن ترتفع نسبتهم إلى ربع الساكنة في أفق 2050. وفي إطار الاهتمام بأوضاع الأشخاص المسنين، أعطيت أول أمس الثلاثاء بالرباط، بمناسبة اليوم العالمي، انطلاقة الحملة الوطنية الخامسة للأشخاص المسنين، حيث أكدت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، في كلمة بمناسبة إطلاق الحملة التي تتمحور هذه السنة حول “كبار السن والمتقاعدون: كفاءات وخبرات في خدمة الوطن”، أن الشخص المسن “يشكل كنزا داخل المجتمع ينبغي الاستثمار فيه والاستفادة من محصلة تجاربه”. واعتبرت الوزيرة أن هذه الحملة الوطنية، التي تنظم تحت شعار “الناس لكبار، كنز في كل دار”، تمثل مناسبة سنوية متجددة لتسليط الضوء على واقع الأشخاص المسنين، والبرامج ومختلف الإجراءات المتخذة للنهوض بأوضاعهم، والتي تندرج في إطار المساهمة في مواجهة التحديات الاجتماعية والسوسيو-ديمغرافية التي طرأت على المجتمع المغربي، والتي انعكست تداعياتها على جميع المستويات، وأثرت بشكل ملحوظ على بنية الأسرة في التكفل بهذه الفئة. وبالفعل فإن واقع الأشخاص المسنين ببلادنا ما زال يحتاج إلى بذل الكثير من الجهود على مستويات عدة، خاصة على المستوى الاجتماعي والصحي، حيث تفيد التقديرات، على الرغم من غياب إحصاءات كافية أن حوالي 80 بالمائة منهم لا يتوفرون على دخل قار أو حتى تغطية صحية، فيما تشير أرقام رسمية حول المؤشرات الصحية الخاصة بهذه الفئة أن نسبة الأشخاص المسنين المصابين بمرض واحد على الأقل من الأمراض المزمنة تبلغ 64.4 في المائة، ونسبة المصابين بداء السكري 20 في المائة وارتفاع الضغط الدموي 34 في المائة، فيما تبلغ نسبة الأشخاص المسنين ضحايا العنف 10.6 في المائة، والذين يمارسون رياضة المشي 32.7 في المائة. وفي ظل تراجع قوة الأسرة الكبيرة باتجاه سيطرة بنية الأسرة النووية في المجتمع، حيث تراحعت كذلك قيم التضامن والتماسك، أضحى الكثير من المسنين يعيشون أوضاعا مأساوية أقلها العزلة وأقساها العنف الجسدي من قبل أقرب الأقرباء. كما ارتفعت الحاجة إلى إحداث وتأهيل بنيات الرعاية والحماية للأشخاص المسنين والتي ما تزال تعرف ضعفا كبيرا رغم الجهود التي تبذلها السلطات المعنية وهيئات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال. وفي هذا الصدد، تندرج الحملات التي تنظم كل سنة حيث تركز وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، هذه السنة على موضوع إدماج الأشخاص المسنين والمتقاعدين في المجتمع وتثمين كفاءاتهم، وتوعيتهم من أجل شيخوخة سليمة، وتمكينهم من مواصلة نشاطاتهم والمساهمة في التنمية. ويتضمن برنامج الحملة الوطنية الخامسة بث وصلات تلفزية وإذاعية وتحسيسية عبر القنوات العمومية، وتنظيم ندوات جهوية ولقاءات تواصلية محلية على امتداد التراب الوطني بمشاركة مختلف الفاعلين والمتدخلين في هذا المجال.