أعلنت النيابة العامة السودانية أول أمس السبت أن محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير بتهم فساد مالي ستبدأ هذا الأسبوع، في حين سعى المجلس العسكري الحاكم للتبرؤ من الدماء التي سالت خلال فض اعتصام احتجاجي في الخرطوم قبل أسبوعين، محملا مسؤولية ما جرى إلى “ضباط برتب مختلفة” تصرفوا “من دون تعليمات من الجهات المختصة”. وأتى إعلان النيابة العامة عن موعد انطلاق محاكمة البشير بعد مرور أكثر من شهرين على إطاحة الجيش به في 11 أبريل في أعقاب أشهر من الاحتجاجات التي خرجت في أنحاء البلاد ضد حكمه الذي استمر لثلاثة عقود. وقال النائب العام الوليد سيد أحمد للصحافيين إن “الرئيس المخلوع البشير سيقدم للمحكمة الأسبوع القادم بتهم الثراء الحرام وحيازة النقد الأجنبي”، دون الإعلان عن اليوم الذي ستنطلق فيه المحاكمة. وأكد النائب العام انتهاء التحقيق مع البشير في هذه القضايا. وأضاف “هناك 41 دعوى جنائية في مواجهة رموز النظام السابق كلها تتعلق بالثراء الحرام وتملك الأراضي، وهي قيد التحقيق”. ولم يذكر المتهمين بالاسم لكنه أشار إلى أن معظم التهم بحق هم مرتبطة بقضايا تتعلق بالاستيلاء على الأراضي. والخميس، نقلت وكالة الأنباء السودانية “سونا” عن مسؤول لم تذكره إن بين التهم التي يواجهها البشير حيازة النقد الأجنبي والكسب بطرق غير مشروعة وإعلانه حالة الطوارئ. وأعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الحاكم في أبريل الماضي العثور على ما قيمته 113 مليون دولار من الأوراق النقدية بثلاث عملات مختلفة في مقر إقامة البشير. وأوضح يومها أن فريقا من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة والنيابة العامة عثر على سبعة ملايين يورو (7.8 مليون دولار) و350 ألف دولار وخمسة مليارات جنيه سوداني (105 مليون دولار) أثناء تفتيش منزل البشير. ووصل البشير إلى السلطة عبر انقلاب دعمه الإسلاميون عام 1989. وعانى السودان من الفساد المستشري في عهده إذ كان ترتيب هذا البلد في المرتبة 172 بين 180 دولة، بحسب “مؤشر مدركات الفساد” الذي تعده منظمة الشفافية الدولية. والشهر الماضي، أمر أحمد “باستجواب البشير بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”. وفي محاولة لإخماد الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكمه في دجنبر، فرض البشير حالة الطوارئ في البلاد في 22 فبراير، كما أصدر مرسوما يحظر حيازة مبالغ تفوق خمسة آلاف دولار من العملات الأجنبية. وبدأت التظاهرات ضد حكم البشير في 19 دجنبر بعدما رفعت حكومته آنذاك سعر الخبز ثلاثة أضعاف. وأطاح به الجيش بعدما بدأ آلاف المتظاهرين اعتصاما خارج مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم في السادس من أبريل. لكن قادة المجلس العسكري رفضوا مطالب المحتجين بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. وبقي المتظاهرون في ساحة الاعتصام بينما أجرى قادة الحركة الاحتجاجية جولات عدة من المحادثات مع العسكريين تركزت على تسليم السلطة للمدنيين. لكن المفاوضات انهارت في ماي بعدما اختلف الطرفان على مسألة إن كانت الشخصية التي ستقود هيئة الحكم الجديدة مدنية أم عسكرية. وفي الثالث من يونيو، شن مسلحون بلباس عسكري عملية أمنية استهدفت المتظاهرين خارج مقر القيادة العامة للجيش ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات بجروح. واتهم متظاهرون وشهود عناصر قوات الدعم السريع بتنفيذ العملية. والخميس أقر المتحد ث باسم المجلس العسكري الحاكم في السودان بأن المجلس هو الذي أمر بفض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، مضيفا “لكن بعض الأخطاء والانحرافات حدثت”. ومساء السبت قال المتحدث باسم اللجنة العسكرية المكلفة بالتحقيق في عملية قمع المتظاهرين إن تقريرها لم ي نجز بعد، لكنه كشف بعض ما توص لت إليه التحقيقات. وقال العميد الحقوقي عبد الرحيم بدر الدين عبد الرحيم إن اللجنة توص لت إلى “ضلوع عدد من الضباط برتب مختلفة وثبوت مسؤوليتهم عن إخلاء منطقة ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة دون أن يكونوا ضمن القوى المكلفة بتنفيذ خطة تنظيف منطقة +كولومبيا+ ودخولهم لميدان الاعتصام دون تعليمات من الجهات المختصة”. وخلال تجمع السبت في قرية على أطراف الخرطوم، دافع نائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو عن قواته. وقال الجنرال الشهير باسم “حميدتي” على وقع الهتافات المؤيدة له “صورتنا كدعم سريع هذه الأيام تم تشويهها ولكننا لن نتحدث عن الذي حدث (في الثالث من يونيو) حتى تخرج نتائج التحقيق”. وقتل نحو 120 شخص ا في الخرطوم منذ بدأت الحملة الأمنية، وفق لجنة الأطباء المركزية المؤيدة للاحتجاجات، في حين تقول وزارة الصحة إن 61 شخصا قتلوا في سائر أنحاء البلاد.