استجاب قطاع كبير من السودانيين، أول أمس الأحد، لدعوة العصيان المدني التي وجهها تجمع المهنيين، أحد الأجنحة البارزة في تحالف إعلان الحرية والتغيير، إلى حين تسليم المجلس العسكري الانتقالي السلطة إلى حكومة مدنية. وشدد التجمع على أن العصيان الشامل والإضراب السياسي العام من الوسائل السلمية “لاقتلاع حقنا في الحياة من الميليشيات التي يستخدمها المجلس العسكري”. وشهدت شوارع الخرطوم في اليوم الأول للعصيان انعداما شبه كامل لحركة المواصلات، وأغلق البعض من المحتجين عددا من الشوارع الرئيسية بالحواجز والمتاريس. وأطلقت الشرطة السودانية الرصاص في الهواء لتفريق متظاهرين كانوا يحاولون نصب حواجز على الطرقات في إطار حملة عصيان مدني، دعا إليها قادة الاحتجاجات ضد المجلس العسكري الحاكم، ردا على العملية الأمنية التي أودت بالعشرات في ساحة الاعتصام بالخرطوم. وتدخلت شرطة مكافحة الشغب سريعا وأطلقت النار في الهواء والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين قبل إزالة الحواجز. وبدت العاصمة كأنها ثكنة عسكرية، في ظل الانتشار الواسع لقوات الدعم السريع والأمن والشرطة، لمنع عودة المحتجين إلى الميادين مرة أخرى، بعد فض اعتصامهم بالقوة أمام مقر وزارة الدفاع، الأسبوع الماضي، ما أوقع العشرات من الضحايا. وبعد انتهاء اليوم الأول من العصيان، أحالت السلطات السودانية 90 ضابطا بجهاز الأمن والمخابرات السوداني على التقاعد. وأكد الناطق الرسمي باسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني، صباح أمس الاثنين، في تصريح لوكالة السودان للأنباء “سونا”، أن ما تم من إحالات وإجراءات لتقاعد ضباط في جهاز الأمن والمخابرات كان في إطار الأداء الإداري الدوري لجهاز الأمن والمخابرات. وناشد المحتجون السودانيين في الخارج المشاركة في العصيان من خلال المقاطعة الكاملة لسفارات بلدهم، وعدم إجراء معاملات أو إرسال أموال أو تحويلات عبر البنوك أو النوافذ التي تصب في خزينة النظام القائم. وأدركت قوى الثورة السودانية أن توحدها أسقط الرئيس عمر حسن البشير بعد ثلاثين عاما من التمترس في السلطة، وهو ما تسعى إلى تكراره مرة أخرى في مواجهة المجلس العسكري، إذا لم يستجب لمطالبها في حكومة مدنية. ووضع التحالف جدولا زمنيا للمواجهة السلمية، يستمر حتى الجمعة المقبل والتي أطلق عليها “جمعة الشهداء”، وسيتم فيها خروج مواكب من مناطق مختلفة لإحراج المجلس العسكري، وتأكيد فشله في مواجهة غضب المواطنين. وحذر حزب الأمة من أن “استمرار احتجاز السياسيين لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانسداد، وعليه يجب إطلاق سراح كل المحتجزين والأسرى والمحكومين فورا بلا استثناء”. ويرى بعض المراقبين أن التشدد يأتي من جانب المجلس العسكري وقادة الاحتجاجات على حد سواء، لأن تمسك قادة المحتجين بهيمنتهم على الجهات التي ستدير البلاد خلق أزمة جوهرية، كما أن نظرة الاستعلاء الظاهرة في خطاب المجلس حيال قيادات المعارضة وفض الاعتصام بالقوة، مثلا تشددا مضادا، بما يدفع الأزمة إلى حافة الهاوية، ما لم تظهر معالم حقيقية لضبط النفس والحرص على الحل. واعتبر سليمان سري المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان، أن التكهن بالنتائج السياسية للعصيان المدني “سابق لأوانه مع تمسك المجلس العسكري بموقفه الساعي للسيطرة على مقاليد السلطة، ووجود فوضى أمنية في الشارع السوداني يدعمها انتشار قوات الدعم السريع وبعض كتائب الظل التابعة للحركة الإسلامية وجهازي الأمن والمخابرات”. وقال سري لوسائل الإعلام إن مواقف المجلس العسكري المضطربة، ما بين إعلانه تعليق التفاوض والتراجع عنه بعد يوم واحد فقط، تثير الريبة حياله، لأنه خسر بفض الاعتصام بالقوة ما تبقى له من تأييد في الشارع، وبالتالي فإن وجوده على رأس السلطة ربما لن يطول كثيرا، مع تزايد وتيرة التدخلات الخارجية على خط الأزمة. وأعرب المجلس العسكري الانتقالي، السبت الماضي، عن رغبته في استئناف التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير، التي اشترطت في اللقاء الذي عقده معها رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في الخرطوم، اعتراف المجلس بارتكابه جريمة فض الاعتصام، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لبحث ملابسات الفض. وثمن متابعون تحركات آبي أحمد لتقديم حل توافقي، ومحاولة تقريب المسافات بين الجانبين خلال جولته الثانية، المتوقعة بعد أيام قليلة، والتي قد تكون حاسمة في التوصل إلى صيغة تبعد السودان عن شبح المخاطر التي تحيق به. وتشترط قوى الحرية والتغيير للدخول في مفاوضات جديدة مع المجلس العسكري عودة الإنترنت وإطلاق سراح جميع المعتقلين وإتاحة الحريات العامة كحل وحيد لإخراج السودان من الطريق المجهول.