لا يختلف اثنان كون اللغة هي جوهر الوعي الوطني، وعند التعرض لها نعاود طرح إشكال الهوية، هذا الإشكال ظل مؤجلا وبقي المغرب معه يعيش في ظل ازدواج قيمي، انعكس على التعليم وعدم الحسم حول أي جيل نريد، ورسخ واقع التعدد اللغوي، والتعايش مع التناقضات، وبروز خليط لغوي بين اللغة العربية لغة مثقفي الجماهير الشعبية ولغة الدارجة لغة الحياة اليومية، ولغة النخبة الفرنسية. وهذا التعدد، جعل واقع اللغة خاصة الفرنسية في المغرب عامل تحصين للنخب الموريسيكية، المتحكمة في القطاعات الإستراتيجية، جعلت الحديث حول ضرورة الانفتاح اللغوي و الدعوة لمقاربة جدلية من أجل بلورة رؤية مستقبلية تتصادم مع الجناح الذي يدافع بضرورة تحصين الهوية، دون أن يحدد لمفهوم الهوية تعريف. إن اللغة هي أداة تحمل قيم ولها علاقة جدلية بالواقع، خاصة عندما تهم دراسة العلوم، وهدم الفجوة، ولعل المسألة من التعقيد بمكان، لكون المسألة اللغوية وفق المفهوم الغرامشي له علاقة وطيدة بالثقافة الوطنية والشعبية وسيرورة تشكلها وتطورها في ظل التوافق المبني على الديمقراطية يساعد على تناولها وحلها الحل الإيجابي. إن مطلب توحيد لغة العلوم هو مطلب يندرج ضمن تحقيق تكافؤ كمدخل من مداخل المواطنة، وهي في صلب الاختيار الديمقراطي، ولقد أفرز الاختلاف حول لغة تدريس العلوم سعي القوي المحافظة، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، تحت مبرر الأصالة، دون أن تجرؤ عن فتح نقاش الهوية، والحال أن هدفها ليس غير الحفاظ على الهيمنة النخبوية، لتيار “عائلوقراطي” يبسط أجنحته على قطاعات ذات قيمة مضافة، والعلوم كمجال لدواران النخب تم ضرب محتواه، لضمان عدم التغيير الجذري يسمح بتحقيق الدوران النخبوي وكبح بروز فئة فاعلة في الأجيال الصاعدة. ولعل من غرائب الأمور عند حزب الاستقلال، والنخب الموريسيكية، على وجه الخصوص، رفضو سابقا دسترة الأمازيغية، والآن يرفعون شعار "العربية" لتدريس العموم، لكنهم في حياتهم العادية لا يتحدثون إلا باللغة الفرنسية، لتبقى هذه اللغة كعائق طبقي أفرغ التعليم الجماهيري من أن يكون كعامل للتسلق الطبقي. وبات هذا العامل حاجزا يمنع الدخول في تجمعاتهم المغلقة؛ كما نجد أصحاب هذا الشعار، أيضا، يتحدثون في حياتهم اليومية داخل بيوتهم ومع أبنائهم منذ الولادة بالفرنسية، ويسعون لإدخالهم لمدارس البعثات الفرنسية، ولا يشاهدون في التلفزة إلا القنوات الفرنسية، ولا يتابعون إلا الفضائيات الفرنسية. التلاقي مع جناح قوى التدين السياسي هو تلاق طبيعي على اعتبار أن التعليم بشكله الحالي يضمن لقوى التدين السياسي امتدادا أكبر، بالنظر لتخلف العلمي والتكنولوجي مما خلق عنصر الثبات وشروط «استحالة» التغيير والتداول حول النخبة، وهي الآن تلتقي مع قوى التدين السياسي، في رفض دسترة الأمازيغية و وقف من مسألة تدريس العلوم بالعربية لفئات الجماهير الشعبية، انطلاقا من محاولتهما إبقاء هيمنتهما الأولى من خلال إرثها الكبير من الاستقلال لليوم والثانية التي تريد المحافظة على تناقض المنظومة التعليمية التي يزودها بإنسان متناقض مع روح العصر، وعاجز عن الانخراط في الثقافة الكونية، لضمان استمراريتها لمدة أطول، وبالتالي فهي لا تهتمّ بوعي الواقع في العمق، لأنها لا تمتلك مشروع ديمقراطيا، يؤهلها لذلك، كي يتسنى لها تحقيق مصالح الجماهير الشعبية، من خلال تعليم عمومي قوي يوفر شروط دوران النخب.