يواصل الأدباء العربي بنجلون ومحمد علي الرباوي وعبد السلام المساوي، نشاطهم الإبداعي والأدبي بنفس حماس وحراك البدايات، وقد دأبوا على حضور ومتابعة المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء. وبمناسبة الدورة الحالية، كان لبيان اليوم حوار معهم، حول إصداراتهم الجديدة، وتجربتهم بخصوص الحضور والمساهمة في فعاليات المعرض، وملاحظاتهم حول مستواه التنظيمي، والقضايا التي تظهر لهم ضرورية للمناقشة في البرنامج الثقافي، واقتراحاتهم للنهوض بوضعية النشر والقراءة بالمغرب، وملاحظاتهم على سياسة دعم الكتاب التي تنهجها وزارة الثقافة، وتصورهم لمستقبل الكتاب الورقي في ظل الحضور الطاغي للثقافة الرقمية. محمد علي الرباوي: لا بأس أن تكون للكتاب طبعتان واحدة فاخرة وأخرى بورق أرخص المفروض أن المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء عيد سنوي، يرقب إطلالته المثقفون المغاربة بشوق كبير، المفروض أنه يتيح للمثقفين أن يطلعوا على ما جد في عالم الكتب مغربا، ومشرقا، شمالا، وجنوبا. والمفروض أن يكون المثقف قادرا على اقتناء ما لذ له وطاب من كتب. المفروض أن المعرض مناسبة للاحتفاء بالكُتّاب الجدد قراءة ونقدا، والمفروض أيضا أن يقدم المعرض أعمال كتابنا المغاربة الذين رحلوا عنا، وأن يعيد طبع الكتب المغربية القديمة؛ لربط الماضي بالحاضر.. *** أحدث إصداراتي «منتخبات من رياحين الألم» الذي نشرته مشكورة دار مقاربات التي يشرف عليها القاص جمال بوطيب. حين نشرت وزارة الثقافة أعمالي الشعرية الكاملة في مجلدين 2009/2010، لم تسع هذه الوزارة إلى أن تساند عرضه بالمعرض عن طريق استدعائي للمعرض، ومع ذلك نفدت الطبعة الأولى. من هنا جاءت هذه المنتخبات لعل القارئ يجد فيها مبتغاه. *** لم أدع كثيرا للمعرض، لكن من خلال حضوري اكتشفت أن العمل الثقافي في بلادنا ما زال بعيدا عن تحقيق طموح المثقفين عموما. ثم إن المكان الذي يخصص للأنشطة غير مناسب. *** في تقديري رغم الجهود المبذولة، فإن التنظيم دون المتوسط خاصة إذا قارناه بمعارض أخرى كالقاهرة الذي حضرته. *** أرى أن البرنامج الثقافي ينبغي أن يعكس واقع المغرب الحالي، الثقافة الشعبية بالعربية أو بمختلف اللغات الأمازيغية، ينبغي أن تنال حظها من النشر. كثير من المثقفين المغاربة أصبحوا يعيشون بالمهجر. ماذا قدم المعرض لإنتاج هذه الفئة، هم بحاجة إلى المزيد من التعريف بهم ودعمهم. *** تزعم وزارة الثقافة أنها تدعم الكتاب المغربي، أقول «تزعم»، لأن ما تقوم به لم نلمس أثره في السوق الثقافية المغربية. مفروض من الكتاب المدعم أن تصل نسخ منه إلى المكتبات الجامعية وإلى خزانات البلديات ليكون الكتاب في يد القارئ، وأقترح أن تهتم الوزارة بسعر الكتاب ينبغي أن يكون في متناول الناس. كما أقترح أن يكون للوزارة برنامج ثقافي يبث بإحدى القنوات المغربية وتكلف النقاد بقراءة ما تنشر. *** لا بأس أن تكون للكتاب طبعتان واحدة فاخرة وأخرى بورق أرخص. مع ذلك، الكتاب الورقي أصبح مهددا في وجوده بسبب النشر الإلكتروني، وأرى أن ينشر الكتاب أيضا في نسختين واحدة ورقية وأخري إلكترونية. العربي بنجلون: علينا أن نجمع بين الكتابين الورقي والرقمي حين زرت معرض الكتاب الأخير، لم يعد يشكل لي أي شيء، لأنه فقد الكثير من المزايا. ولا أظن أن المعرض القادم، سيكون أفضل من السابق، لأن كل المؤشرات تدل على أن الاهتمام بالكتاب، والثقافة عموما، أصبح خبرا لكان. وهذا يرجع أساسا إلى أن تنمية شخصية المواطن وتأهيله ليؤدي دوره في المجتمع، تراجع كثيرا، وأن بداية الإقلاع الثقافي، الذي شهدنا بصيصا منه في الفترات الماضية، انطفأ بالمرة، وعُوِّض بالثرثرة والوعود. ويكفي أن أشير، فقط، إلى دعم الكتاب لسنة 2016 لم يستفد منه لا ناشر ولا كاتب، فكيف سيكون معرض الكتاب الدولي، والمطابع تنتظر تسديد دور النشر تكلفة طبع الكتب لحد 31 دجنبر 2018؟!.. وكيف لهذه الدور أن تؤجِّر الأروقة، وثمنها يزداد سنة بعد سنة، دون أن تكون هناك حملة تحفيزية لزيارته؟!..وكيف للكتاب أن يشاركوا فيه، وهم يعانون الأمرين مع دور النشر؟ *** صدرت لي في القاهرة الطبعة الرابعة من مجموعتي القصصية (الخلفية) والثالثة من الرحلة (أن تسافر) وفي المغرب، قصص للأطفال (البهلوان) ومسرحيات (في صحبة أبي الفنون) وكل هذه الأعمال، تهم الكبار والصغار، لأنها رحلات إلى الشرق والغرب، تبرز حالاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية. كما تعالج قضايا المجتمع، لأن تربية وتعليم الإنسان، بالنسبة إلى، هما الأساس في البناء. *** قد يكون مستوى التنظيم جيدا، لكن محتوى العرض ضعيف بصفة عامة، كمن يرتدي بذلة أنيقة، غير أن سلوكه يثير الاشمئزاز. فالمشكل في المحتوى، وليس في الشكل، وإن كان ضروريا أحيانا، لأنه يجعل الزائر يهتم بمثل هذه المعارض، ويشجعه على التسوق منها. *** أهم ما ينبغي مناقشته، هو سياسة نشر الكتاب، والخطط الكفيلة للنهوض بالثقافة والمعرفة، انطلاقا من أنشطة المدرسة القرائية، وعلاقة الثقافة بقضايا المجتمع الأساسية. شريطة أن تُرْفع توصياتها إلى المسؤولين، قصد تنفيذها، وإخراجها إلى حيز الوجود، لا أن تبقى على الرفوف، يتراكم عليها الغبار، وتلتهمها الأرضة كسابقاتها. فينبغي الانتقال من القول ووجهات النظر إلى الفعل والتطبيق، وإن كنت أشك في كل ذلك. *** إن تقدم النشر، يتطلب إيجاد أرضية للاستهلاك، وهذه الأرضية تتمثل في جيل المستقبل، أي أطفالنا الذين يعانون من إهمال كبير في تنمية شخصياتهم. ولهذا يجب أن نخصص حصصا للمطالعة الذاتية داخل حجرات الدراسة، ونكون أندية لمناقشة المقروء، لأن التعليم بالطريقة التي يسير عليها اليوم، لا تلبي شروط التكوين السليم والكفء. *** إنه لحد 31 دجنبر 2018 لم يتسلم الناشرون والكتاب أي دعم، فكيف يمكننا تحفيز الكاتب والناشر على النهوض بالكتاب؟!..لكن، على الكاتب ألا يرهن مشروعه الأدبي والثقافي ضمن سياسة الدعم، لأنه في هذه الحالة، سيتوقف عن الكتابة، وبالتالي، سيساهم في انتكاس الثقافة الوطنية. *** أعتبر الحالة الراهنة لوضعية الكتاب الورقي في المغرب والعالم العربي مؤقتة، نتيجة انبهار وإعجاب القارئ المفرط بالتكنولوجية الحديثة، وسيكتشف، يوما ما، أنه كان على خطإٍ بيِّنٍ، وأن عليه أن يجمع بين الكتابين الورقي والرقمي، كما الحال في الغرب.
عبد السلام المساوي: موسم سنوي يسمح بخلخلة الجمود الذي يحيط بالكتاب المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، موسم سنوي ضروري يسمح بخلخلة الجمود الذي يحيط بالكتاب، فهو احتفالية مفتوحة طوال عشرة أيام متاحة للقراء ولعامة الناس ولوسائل الإعلام التي تضع حدث معرض الكتاب في دائرة الضوء. وبالنسبة لي يكون مناسبة لإحياء صلة الرحم مع منشوراتي التي صدرت عن بعض دور النشر العربية وهذه الكتب غير متاحة المكتبات المغربية، فأقتني منها بعض النسخ، كما أقتني باقة من الكتب الإبداعية والفكرية التي لا يتاح الحصول عليها إلا في معرض الكتاب. **** أحدث إصداراتي كانت أعمالي الشعرية (1986 2016) التي صدرت عن مؤسسة مقاربات بدعم من وزارة الثقافة والاتصال، وطبعا تضم مجموعاتي الشعرية الصادرة طوال هذه المشوار بدءا من ديوان خطاب إلى قريتي، مرورا بسقوف المجاز، وعصافير الوشاية، وهذا جناه الشعر علي، وانتهاء بلحن عسكري لأغنية عاطفية. **** ساهمت سابقاً في بعض الأمسيات الشعرية التي يقترحها برنامج فعاليات المعرض، وكذلك وقعت بعض كتبي في أروقة دور النشر التي أصدرتها. هذه السنة أنا مدعو لإدارة ندوة أدبية في محور (الشاعر ومترجمه) والتي تجمع بين الشاعر المغربي محمد بنطلحة والمترجم والأديب المغربي المقيم بفرنسا نصر الدين بوشقيف. **** عملية تنظيم معرض دولي للكتاب بحجم معرض الدارالبيضاء ليس أمرا سهلا، ولا أملك تصورا مثاليا لذلك، ولكن على المنظمين أن يقرأوا بعين المحبة ما يوجه إليهم من ملاحظات، فبإمكان ذلك أن يرقى بهذا المستوى التنظيمي. على سبيل المثال: يشكو بعض المشتغلين بالكتابة من إقصاء أسمائهم في كل دورة. أتحدث هنا عن أسماء لها إسهامات مؤثرة ولم يسبق لها أن دعيت للمشاركة. بالمقابل هناك أسماء لا يمكن زحزحتها عن برنامج المعرض، حتى وإن كانت تفتقد لإصدارات جديدة. فالشعور بالتهميش أمر محبط لبعض ذوي الكفاءات. صحيح أن البرنامج لا تهيئه مديرية الكتاب وحدها، فهناك مؤسسات المجتمع المدني التي تنسق هذا البرنامج مع المديرية ، وعلى الطرفين معا أن ينتبها لهذه النقطة. وهناك ملاحظة أساسية يجب طرحها هنا، وتتعلق بمحاور الندوات واللقاءت، فهذه تتطلب وقتا للإعداد؛ لذلك عندما تدعو مديرية الكتاب لاجتماعات تهيئ برنامج اللقاءات والمحاور، ففي الغالب يتم تهييء ذلك على عجل، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على البرنامج. وعليه يجب على الجمعيات والمؤسسات المشاركة في إعداد البرنامج الثقافي للمعرض الدولي أن تخصص وقتا كافيا للتشاور والإعداد. **** في نظري لا ينبغي تفصيل البرنامج على الأسماء، بل ينبغي قلب المعادلة؛ بمعنى يجب تسطير محاور الندوات واللقاءات أولا، ثم السعي إلى البحث عن الأسماء التي لها كفاءة الخوض في تلك المحاور. من جهة أخرى يجب التركيز على بعض الجوانب التي لها صلة بإشكاليات التبادل الثقافي، منها توزيع المطبوعات والكتب وسبل تيسيرها بين الدول العربية وهذه تتطلب لقاءات وأوراش عملية وتقنية لا محاضرات نظرية. هناك مشكل توزيع الكتاب المغربي داخل المغرب نفسه. هذا فضلا عن قضايا أخرى ينبغي أن تحظى بالأهمية كقضايا الترجمة وبحث الوضعية الاجتماعية والاعتبارية للكاتب المغربي. **** لم تعد وضعية النشر تطرح مشكلا كبيرا كما في الماضي، خصوصا بعد أن وجد الكاتب المغربي متنفسا في دور النشر العربية، والكتاب المغربي جد مرحب به فيها. تبقى مسألة القراءة، وهذه لا تكفي فيها اقتراحات مرتجلة ومتسرعة، نظرا لطبيعتها الإشكالية، ومع ذلك أرى أن المدخل لإنعاش القراءة ينبغي على المدى المتوسط والبعيد أن يمر عبر المناهج التعليمية وبتنسيق كامل بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الثقافة والاتصال. كما أن برامج مؤسسات المجتمع المدني الحالية مهمة ويجب أن تعيد النظر في استراتيجياتها لتحقيق الأهداف المنشودة. **** لا ننكر دور وزارة الثقافة في السياسة التي تنتهج لدعم طبع الكتاب المغربي، وهذا أمر مؤكد بعدد المنشورات التي تدعمها سنويا. لكن هذه السياسة ينغي أن تركز على العمليات التي تعقب عملية الطبع. من ذلك مثلا أن الناشر هو المستفيد الوحيد ههنا. فليست هناك متابعة لتنفيذ بنود العقود التي يوقعها الكتاب مع الناشرين. وهنا تثور بعض الأسئلة: هل يطبع الناشر عدد الكتب المتفق عليه في العقد؟ هل يمول الناشر الجزء الخاص به حتى يكون الكتاب في حلة مقبولة؟ وماذا عن حقوق المؤلف؟ ذلك أن بعض الناشرين يتذرعون بكساد بضاعة الكتاب، وهم أصلا لا يطبعون إلا عددا محدودا ولا يعملون على تسويق الكتاب وتوزيعه. انطلاقا من ذلك نطالب الوزارة بإنشاء لجان للمتابعة والتقصي، ومن ثم إعادة النظر في الاستراتيجية الحالية للدعم على الأقل على مستوى المساطر. **** واضح من التطورات التكنولوجية الحاصلة أن الكتاب الورقي مهدد بالزوال في المدى المتوسط؛ ذلك أن عالم الرقميات سار أشواطا بعيدة في طبع الكتب ونشرها وتوزيعها وتداولها بسلاسة.