لا سياسة تنموية فعالة بدون سياسة ثقافية واضحة المعالم. لا تنمية بلا ثقافة، ولا ثقافة بلا خيال ولا ابتكار. هذه واحدة من أكبر خلاصات المؤتمر الوطني السابع للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، المنعقد أيام 21 و22 و23 دجنبر 2018 بمسرح لالة عائشة بمدينة المضيق، تحت شعار: “ربع قرن من الفعل.. ونستمر…”، في جو من التعبئة والحماس والثقة في قدرة مهنيي الفنون الدرامية على مواصلة دورهم الطليعي في تحديث أطر وهياكل وآليات الفعل الثقافي ببلادنا. وبعد مناقشة مستفيضة للتقريرين الأدبي والمالي، وتمحيص حصيلة أداء النقابة في تفعيل مقررات المؤتمر الوطني السادس، والمصادقة على التقريرين، انكب المؤتمرون داخل المجالس الوطنية للشعب المهنية، وفي إطار اللجن التقنية، على دراسة مشاريع وثائق المؤتمر، ولا سيما مشروع الوثيقة التوجيهية التي تحلل طبيعة العمل في ميدان الفنون الدرامية، وترسم منظور نقابتنا لآفاق تطوير ظروفه، ولمهامها النضالية في هذا الصدد؛ وكذا مشروع ميثاق الشرف الذي يجمع أعضاء نقابتنا على طريق نضالي واحد واضح المعالم، ومشروع تعديل القانون الأساسي لتمتين الهيكل النقابي وتعزيز قدرته على مزيد من المبادرة. وقد وقف المؤتمرون في مناقشة هذه الوثائق المتكاملة الأركان، عند القضايا والمشكلات التي تخص العلاقات الشغلية لكل مجموعة مهنية، وما يطبع عملها المهني من تعقيدات، واقتراح الحلول التي يرونها ملائمة لتجاوز المشاكل وتقوية فرص بناء مهن فنية درامية تخدم التنمية الثقافية لبلدنا بقدر ما تضمن حقوق وكرامة المهنيين وحمايتهم الاجتماعية وتقنين علاقاتهم الشغلية وحقوقهم المتعلقة بالملكية الفكرية وسبل تنمية قدراتهم المهنية. وقدموا في هذا الصدد اقتراحات وتعديلات مهمة. كما ركزت النقاشات على الآفاق المشتركة بين المهن الدرامية ومختلف جوانب التنمية الثقافية وعلى رأسها موضوع السياسات العمومية الثقافية، معتبرين أن تنمية أي قطاع ثقافي، مرهونة بالتنمية الشاملة للمجال الثقافي في كل أبعاده. ووعيا من المؤتمرين بحجم الفرص المهدورة في بلادنا من جراء التأخر في فتح ورش الإصلاح الثقافي، بما يبوئ الثقافة مكانتها الكاملة في بناء مشروعنا التنموي، فإنهم يحملون السياسات الحكومية المبتورة في هذا الصدد مسؤولية هذا الهدر. كما يلحون على مسؤولية الجماعات الترابية في محدودية الرهان على المقدرات الثقافية الكامنة لديها وعلى الطاقات الإبداعية لمهنيي الفنون الدرامية حيثما وجدوا على الصعيد الترابي. واعتبارا لمركز الريادة الذي تطمح بلادنا إلى تبوئه على الصعيد الإفريقي والإقليمي، فقد ألح المؤتمرون على أن الريادة الفعلية لا بد أن تكون ثقافية أيضا، تضمن إشعاع بلادنا عبر بناء نموذج تخييلي درامي. وفي هذا الصدد يدعو المؤتمر إلى ضرورة إدماج البعد الثقافي في كل سياسات المغرب الإفريقية، وفق مخطط إرادي متكامل، وبرامج تمولها الدولة ضمن هذا المخطط، تخص تعزيز العلاقات الثقافية وحركية الفنانين والمنتجات الفنية الدرامية في المجال الإفريقي، ضمن منظور بعيد المدى. واقتناعا من المؤتمرين بأن البناء الديمقراطي لبلادنا لن يستقيم ما لم ينهض المجتمع والدولة على السواء بدوريهما كاملين في هذا البناء، وما لم توضع مشكلات الخصاص الثقافي في مركزه، فإنهم يهيبون بالأحزاب السياسية أن تولي التفكير في السياسات الثقافية ما تستحقه من مكانة في تصوراتها وبرامجها ومقترحاتها التنموية، كما تدعو النقابات وباقي هيئات الوساطة الاجتماعية إلى استرجاع مكانة الثقافة في برامجها التأطيرية وعملها اليومي. ويطالب المؤتمرون الدولة أن تضطلع بالتكاليف الدستورية المنوطة بها في هذا المجال، ويدعونها إلى وضع مخطط وطني متكامل عرضاني ومندمج للتأهيل الثقافي واضح الأهداف، يشارك مهنيو الثقافة في صياغته وتفعيله، في إطار تعاقدي مسؤول. إن المؤتمر الوطني السابع للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، وهو ينعقد في ظرفية دقيقة، إن على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي، ويدرك المخاطر التي تحيق ببلادنا ومنطقتنا من جراء تنامي نزعات التطرف، ومخططات التفتيت المرسومة دوليا على أسس عرقية ومذهبية وفئوية، والمشاكل الاجتماعية المتراكمة وحجم انتظارات المواطنين والخصاص المعبر عنه في كل مناطق البلاد، وعلى جميع المستويات؛ يحيي الروح السلمية المتحضرة التي طبعت كل الاحتجاجات الاجتماعية، ويعلن تضامنه وانضمامه إلى كل المطالب التي عبر عنها المواطنون بكل مسؤولية. ويؤكد المؤتمر في هذا السياق أن من بين الأسباب الأبرز للأزمات التي تطفح اليوم في كل مكان داخل المغرب أو خارجه، أسبابا ثقافية يعبر عنها حجم الخصاص والهشاشة الثقافيين الذي نرصده بوضوح. ولذلك يهيب المؤتمرون بالدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني إلى الانكباب بحزم وعزم لإيجاد أجوبة فعالة لمواجهة عوامل ذلك الخصاص والهشاشة. إن النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية المؤمنة بمبادئ العمل الوحدوي، وبجدوى توحيد صفوف العاملين في القطاعات الفنية والثقافية المختلفة، والتي برهنت عن ذلك طيلة مسارها النضالي على مدى ربع قرن، لتجدد تأكيدها على ضرورة مواصلة التنسيق والعمل المشترك مع المنظمات النقابية والجمعيات والتنسيقيات العاملة في مجال التنمية الثقافية من أجل صياغة مخططات متكاملة للنهوض بالشق الاجتماعي للمهنيين العاملين في القطاعات الثقافية المختلفة ولا سيما قطاعات فنون العرض والفنون الدرامية خصوصا الحية منها والمسجلة، بما في ذلك تقوية ودعم الآليات القائمة، وعلى رأسها التعاضدية الوطنية للفنانين، في أفق تأهيلها لأداء دور أوسع في مجال الحماية والضمان الاجتماعيين.، وابتكار آليات جديدة تستجيب لخصوصيات المهن الفنية. وفي هذا الصدد، وانطلاقا من قيم المواطنة والتكافل، التي تشكل أحد الأسس والمبادئ الدستورية، ألح المؤتمرون على ضرورة إقرار إجراء استثنائي، للتكفل بالفنانين الرواد الذين يؤدون اليوم ضريبة وضع سابق لم يكن لهم فيه ذنب. ويطالب المؤتمر بضرورة الإسراع بتبني نص تشريعي خاص للإجابة عن هذه الحالات المحدودة والمعدودة، صونا لكرامة جيل ضحى من أجل توفير المتعة والفائدة لمواطنيه في زمن عزت فيه الوسائل والإمكانيات، وغاب فيه الاهتمام الرسمي المهيكل بقطاع الفنون الدرامية. وحيا المؤتمرون عطاءات الأساتذة الرواد، وثمنوا تضحياتهم وروحهم النضالية المستمرة. كما حيا المؤتمرون، روح الرفاقية النضالية التي أبانت عنها المنظمات النقابية الدولية في تعاونها مع نقابتنا ومواكبتها للجهود التي تقوم بها لتحسين مناخ الممارسة المهنية الفنية بالمغرب في ظل غياب اقتصاد ثقافي دينامي. وعبروا عن اعتزازهم بالغيرة والثقة التي يؤكدها هذا التعاون. إن المؤتمر الوطني السابع وهو يقر الوثائق المعروضة عليه، بعد إغنائها وتعديل ما احتاج منها إلى التعديل، يسجل باعتزاز الروح النضالية العالية لكل أعضاء النقابة من فناني أداء ومؤلفين ومصممين وتقنيين وإداريين، وحرصهم على العمل الجماعي الوحدوي، ووعيهم بحجم المهام الملقاة عليهم من أجل أخذ قدَرهم المهني بأيديهم عبر المساهمة البناءة في ابتكار الحلول واقتراح المسارات والبدائل، والالتزام بتفعيلها. ويعلن المؤتمر بهذا الصدد أن النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية كانت وستظل شريكا إيجابيا في رسم وبناء السياسات الثقافية ببلادنا، آملين أن تتحلى الرؤية الحكومية للموضوع بكثير من الشمول ومزيد من الانخراط والالتزام، داعين الحكومة إلى الاضطلاع بكامل مسؤوليتها في قيادة حوار وطني حول السياسات الثقافية بين مصالح الدولة المركزية، في إطار مقاربة عرضانية وبين – قطاعية، والجماعات الترابية بكل درجاتها، والمجتمع المدني والنسيج الاقتصادي العامل في المجال الثقافي أو المتصل به، بهدف إقرار استراتيجية وطنية مهيكلة للنهوض بالثقافة والاقتصاد الثقافي والتنمية الثقافية. عاشت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية منظمة ديمقراطية مستقلة مواطنة. وحرر بالمضيق: بتاريخ 22 دجنبر 2018