لا زال موضوع غلق المعبر الحدودي البري بني انصار الرابط بين مدينتي الناظور ومليلية المحتلة، مثار جدل وسط حكومة الثغر السليب وإسبانيا ووسائل الإعلام المحلية التي تتابع تطور الأحداث على المستوى الاقتصادي والسياسي. ويجري المسؤولون الإسبان من مدريد طيلة الأيام الأخيرة التي تلت قرار غلق المعبر بشكل كلي، سلسلة من الاتصالات مع الحكومة المغربية في الرباط، مفاوضين إياها على التراجع عن الخطوة التي أدى فيها اقتصاد مدينة مليلية المحتلة الثمن، بعدما تكبد أرباب الشركات خسارات مالية كبيرة انعكست على النشاط المالي لحكومة خوان خوسي إمبرودا. فرغم أن غلق معبر بني انصار بمدينة الناظور، لم يتجاوز بعد مدة الشهرين، إلا أن انعكاساته كانت وخيمة وقوية على اقتصاد الجارة الشمالية، التي باءت كل محاولتها للتدخل قصد إعادة فتح المعبر بالفشل، لاسيما وأن الرباط كانت صارمة في قرارها الذي اعتبرته “الأخير” والذي لا رجعة فيه ولا حاجة لمناقشة تفاصيله. قرار الغلق لم يأت بشكل مفاجئ بل كان نتيجة لسلسة من الخطوات التي باشرها المسؤولون المغاربة على المستوى المحلي والوطني، الخاصة بتجهيز ميناء الناظور-المدينة الجديد، الذي ستوكل له المهمات التجارية من خلال الربط الدولي، بالإضافة إلى نقل الأنشطة التجارية من معبر بني انصار البري إلى الميناء الحديث، والذي رصد له بالمناسبة، غلاف مالي قدر ب 510 مليون درهم لتجهيزه، وذلك، وفق الإستراتيجية الوطنية للموانئ بالمغرب في أفق سنة 2030، التي أطلقتها وزارة التجهيز والنقل منذ سنة 2015. وتحاول جريدة بيان اليوم انطلاقا من هذه الورقة إعادة تركيب قرار الرباط السيادي القاضي بغلق المعبر السالف الذكر، وتوجيه الأنشطة التجارية صوب ميناء مدينة الناظور، لاسيما وأن هذه الخطوة عرفت رجة إعلامية كبيرة، وهزة اقتصادية وسياسية بين الرباطومدريد. اتخذت الرباط بتاريخ 1 غشت من السنة الجارية، قرارا مهما، يخص غلق معبر بني انصار البري مع مدينة مليلية المحتلة، الخطوة وصفتها وسائل إعلامية محلية وإسبانية بالقاسية والجريئة، نظرا لتداعياتها الوخيمة على اقتصاد المدينة في المستقبل. غلق المعبر لم يكن فجائيا بل أتى بعد سلسلة من الإشارات والتنبيهات التي بعثها المغرب، انطلاقا من غلق المعبر البري مرات متكررة لمدد زمنية محددة، ليعاد فتحه مرة أخرى، بالرغم من الوضعية المزرية التي تصاحب هذا الفتح، لاسيما على مستوى نشاط المئات من النساء والرجال في إدخال البضائع والسلع من هذه البوابة في صورة يومية مأساوية ولا إنسانية. علاوة على هذا، فإن حكومتي مليلية السليبة وإسبانيا، كانا على إطلاع مسبق بأن وزارة التجهيز والنقل، تجهز ميناء الناظور البحري، تعويضا لمعبر بني انصار، وهو ما لم توليه الحكوميتين أهمية، في استخفاف واستهتار بالإجراءات الميدانية للحكومة المغربية التي كانت تباشر الأشغال في صمت. مجلس جهة الشرق، والسلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، وكذا إدارة الجمارك، إلى غيرها من المصالح، كانت تتابع تقدم المشروع عن كثب، علاوة على قيامها بزيارات بين الفينة والأخرى، قبل أن يتم إعطاء الضوء الأخضر للشروع في استقبال البواخر المحملة بالسلع والبضائع. وكان تاريخ 07 غشت 2018، شاهدا على رسو أول سفينة متخصصة في نقل حاويات البضائع دوليا، وذلك بحضور عامل إقليمالناظور، ورئيس الجهة الشرقية، والسلطات المحلية، حيث تلتها عملية رسو ثانية بتاريخ 19غشت 2018، ليصبح بذلك الميناء جاهزا لاستقبال السفن والبواخير بشكل عادي ومنتظم. وبحسب مصادر جريدة بيان اليوم، وبعد وقت وجيز على إعلان البدء رسميا في نقل اختصاصات معبر بني انصار إلى ميناء الناظور، قدم وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، تقريرا مفصلا أمام مجلس الحكومة، هم أبرز المراحل التي مر بها المشروع، بالإضافة إلى المهام الجديدة بالميناء البحري الحديث الذي جهز ببنية تحتية تستجيب للمعايير الدولية، حيث تدارست الحكومة هذه النقطة التي لم تكن مبرمجة في جدول أعمال الحكومة، حيث وافق المجلس على قرار الغلق بالإيجاب. إجراء عادي.. وفي هذا الإطار، اعتبر الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، أن قرار إغلاق المعبر، يعد إجراء “عاديا وسياديا”، وأن المغرب يتحمل مسؤولية وتبعات هذا المستجد الذي لا حاجة إلى مناقشته، دون أن يقدم مزيدا من التوضيحات والتفاصيل في الموضوع. التصريح الصحافي لمصطفى الخلفي، الذي جاء عقب اجتماع مجلس الحكومة، نزل كالصاعقة على حكومة مليلية المحتلة، وجل مكوناتها الاقتصادية التي كانت تجني من المعبر البري النشيط تجاريا ملايين الأوروات سنويا، منعشة بذلك أرصدتها البنكية على حساب التهرب الضريبي، واستغلال عامل قرب المسافة، ثم رخص اليد العاملة التي كانت تتكفل بشكل يومي بنقل السلع من مدينة مليلية المحتلة إلى المدن المغربية، من قبيل، الأغذية، والملابس، والأجهزة الإلكترونية، وأجزاء السيارات.. حكومة الثغر المحتل، انتظرت كثيرا مراجعة الرباط لقرار غلق المعبر تجاريا كما جرى في التقليد السابق، غير أن انتظارها خاب، لاسيما وأن الرباط قطعت الشك باليقين، وما أكد ذلك هو طول المدة، التي وصلت للشهرين، التي كانت كافية لتدمير الأرقام الاقتصادية لرجال الأعمال الإسبان. أرباب الشركات واجهوا قرار الغلق بالاحتجاج في الشارع على الحكومة المحلية، مطالبين مدريد بالتدخل لإنقاذ الوضع، وإيجاد بدائل أخرى تعوض الغلق، غير أن حكومة بيدرو سانشيز، لم تبال للأمر، الشيء الذي أثار حنق الحكومة وأرباب الشركات. الصمت الذي واجهت به إسبانيا قرار المغرب ورفض التدخل في الموضوع، دفع حكومة خوان خوسي إمبوردا، إلى طرق أبواب بروكسيل، بغية إيجاد أسواق بديلة تعوض المغرب، من خلال إعطاء الفرصة لولوج سلعتها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهو الطلب الذي لم تتفاعل معه بروكسيل هي الأخرى، ولم تصدر أي قرار بخصوص هذا الموضوع. وصرح في هذا الصدد، حاكم مدينة مليلية، خوان خوسي إمبروردا، بأن الحكومة تجري عدة اتصالات مع مجموعة من الدول، تحاول من خلالها ولوج بعض الأسواق لبيع بضاعتها، وتفادي مزيد من الخسارات التي وصفها ب”الفادحة”. وتشير الأرقام شبة الرسمية المتداولة في الصحف الإسبانية إلى أن مبيعات أرباب الشركات تراجعت بنسبة تقارب 50 في المائة، وهو انهيار حاد لم يسبق لهذه المعامل أن واجهته، حيث أصبحت اليوم مهددة بالإفلاس ومن تم غلق أبوابها، خصوصا وأن الأبناك المحلية تطالب بتأدية القروض التي بذمة أرباب هذه المصانع، مهددة بالولوج إلى القضاء من أجل استخلاص فواتيرها. نهاية الفوضى في الوقت الذي لا توجد فيه معطيات كافية، حول قرار غلق المعبر، تشير بعض التصريحات المتفرقة لمسؤولين مغاربة، وكذا بعض الوثائق التي يتم تداولها في الميناء الجديد موقعة من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، إلى أن الفوضى التي يشهدها معبر بني انصار، من خلال بعض الممارسات غير القانونية، من بين الأسباب التي أدت إلى غلقه، ومن تم توجيه النشاط التجاري إلى ميناء الناظور البحري. ومن بين الأنشطة غير الشرعية الأخرى التي كانت تتم على مستوى المعبر ذاته، التهرب الضريبي، تهريب السلع وإدخال الممنوعات كالمخدرات، ثم تبييض وتهريب الأموال، علاوة على خنق المعبر بالبضائع وعرقلة السير بالنسبة لمغاربة العالم الذين اختاروا التوجه إلى أوروبا عن طريق بوابة مليلية السليبة، إذ يتجشمون عناء الانتظار والمراقبة ثم الازدحام الكثيف أثناء العبور.. إلى غيرها من الممارسات السلبية التي كان قد خلص إليها بالتفصيل، تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية التي انتقلت إلى عين المكان من أجل دراسة المعبر. ويهدف الميناء البحري الجديد، وفق إدارة الجمارك، إلى تخفيف الضغط على المعبر البري، علاوة على تنشيط الحركة الاقتصادية لمدينة الناظور في إطار قانوني، كما هو معمول به في باقي الموانئ المغربية الأخرى. وفي هذا الصدد، كان قد عقد رئيس مجلس جهة الشرق، عبد النبوي بعيوي، مطلع شهر شتنبر الجاري، بمقر الجهة بمدينة وجدة، لقاءا هم مناقشة مستقبل ميناء الناظور، وسبل تطوير أدائه على المستوى الاقتصادي، انطلاقا من التعريف به لدى المهنيين في القطاع، خصوصا الوكالات الدولية لنقل البضائع، التي يجب بحسبه تشجيعها على ربط خطوط دولية مباشرة بهذا الميناء. وشهد اللقاء عينه، مشاركة كل من المديرية الجهوية للجمارك، ومديرية المكتب الجهوي للاستثمار، وكذا عدد من رجال الأعمال والاقتصاد الفاعلين في مجال الاستيراد والتصدير والنقل بالجهة الشرقية، الذين طالبوا بمساعدتهم على نقل حاوياتهم من المعبر القديم إلى الجديد، لمباشرة النشاط بشكل عادي كما المعتاد. وتراهن جهة الشرق، على ميناء الناظور، لخلق فرص شغل جديدة، من خلال دخول شركات جديدة بشكل قانوني، إضافة إلى التحسن المالي لخزينة الجهة، التي وفق عبد النبي بعيوي في حاجة إلى الاستثمار وخلق جاذبية لذا شركات ذات الأقطاب الدولية. الضربة القاضية يقع ميناء الناظور، استنادا إلى البطاقة التعريفية لوزارة التجهيز والنقل، على ساحل البحر المتوسط، على الجهة الساحلية في أقصى الشمال الجنوبي شرق رأس المذرات الثلاث، على نحو 70 كم من الحدود الجزائرية. ويتموقع الميناء على الحد الشمالي الغربي من سبخة بوعرك (مارتشيكا) مباشرة جنوب ميناء مليلية وتحديدا على التسعمائة أمتار الأولى من سد مليلية. ويعود تاريخ إنشاء الميناء إلى سنة 1955 حيث كانت مدينة الناظور تتوفر على مرفأ صغير شُيِّدَ على البحيرة الكبيرة المسماة (مارتشيكا) المرتبطة بالبحر المتوسط من خلال قناة. قبل أن يتم بناء الميناء الجديد الناظور بني انصار في يناير 1975 في المياه العميقة، يستِهدف أساسا (الواردات والصادرات) للجهة الشرقية (والذي يعد منفذها الرئيسي)، وكذا مجمع الصلب بالناظور (صوناسيد سيفريف). ليشُرِع في استغلال الميناء المذكور بشكل فعلي عام 1978. ويبقى أداء ميناء الناظور- المدينة على المستوى التجاري محتشما، نظرا لدور المعبر البري بني انصار، الذي يعد من أفضل البوابات لأرباب الشركات بمدينة مليلية المحتلة، غير أن الإستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق 2030 لوزارة التجهيز والنقل، أولت أهمية خاصة لهذا الميناء، محاولة إعطائه قيمته التي يجب أن يلعبها في الجهة الشرقية، مقارنة بباقي الموانئ المغربية الأخرى. ويحتل ميناء الناظور-المدينة المرتبة السادسة ضمن الموانئ المغربية، على مستوى القدرة العملية التي تصل إلى 5152، والقدرة النظرية التي تتجاوز 13 ألف، من حيث الطاقة الاستيعابية للمحطة الخاصة بالبنية التحتية المتوفرة وكذا الرواج التجاري. ويعتبر هذا الميناء بحسب الإستراتيجية الوطنية، قطبا للجهة الشرقية الموجه نحو أوروبا والبحر المتوسط وخصوصا المغرب العربي، والخاص بنقل العربات والمسافرين، والفحم، والحاويات، والرحلات السياحية والترفيه.. إلى غيرها من الأدوار التي سيلعبها في المستقبل. وسيكون ميناء الناظور، وفق الوثيقة التي تتوفر جريدة بيان اليوم على نسخة منها، نقطة توازن جهوية في شمال المملكة، في انتظار إنشاء ميناء جديد بمنطقة بطويا غرب الناظور، وذلك، عندما تدعو الضرورة إلى ذلك، لاسيما وأن الجهة الشرقية بحسب وزارة التجهيز والنقل، تعرف في الوقت الراهن دينامية اقتصادية ولوجيستيكية، من تم “ينبغي ترك الخيارات مفتوحة بخصوص القرارات المستقبلية المتعلقة بالتهيئة المينائية”. ويقدر حجم الرواج التجاري السنوي لميناء الناظور في أفق 2030، بعشرة ملايين طن من البضائع و1.9 مليون مسافر، 200 ألف منهم سائح بحري، هذا، دون الحديث “عن المنتجات الطاقية، كالفحم والغاز الطبيعي المسال..”. وترى الإستراتيجية الوطنية للموانئ بالمغرب أن ميناء الناظور هو “ميناء توازن بين الجهات”، حيث من المرتقب أن ينافس “ميناء الدارالبيضاء على المناطق الداخلية البعيدة (منطقة فاس-مكناس)، إذ يتوفر على إمكانات مينائية يمكن تحسين استغلالها وتثمينها في أفق العشر أو خمسة عشر سنة المقبلة بخصوص أروجته التقليدية (كالفحم، منتجات الصلب، وغيرها)”. وترى الوزارة أن هذا النوع من النقل يعد فعالا عوضا عن الطريق البرية، في إشارة إلى المعابر التي تربط المغرب بمدينة مليلة وسبتة المحتلتين، حيث تسعى الوزارة إلى تطوير هذا الميناء على مستوى البحر الأبيض المتوسط، وفتح الفرص له لربطه بشكل مباشر مع باقي الموانئ الأوروبية النشيطة، “وهذا يعني تنظيما جديدا للواجهات مع رحلات أكثر كثافة وانتظاما وقوة بالنسبة لسفن نقل العربات، وتكلفة عبور تنافسية”، تقول الإستراتيجية الوطنية لسنة 2030. وتعود أسباب بناء ميناء الناظور وفق المصدر ذاته، إلى التوجهات الإستراتيجية المتعلقة بالاستقلالية الطاقية (الفحم، الغاز الطبيعي المسال)، وكذا استغلال الفرص المنبثقة عن خيارات صناعية جديدة والحاجة إلى مسافنة المحروقات والحاويات على غرار طنجة المتوسط، الأمر الذي يعد محفزا أساسيا على إنشاء هذا الميناء غرب المتوسط، حيث من المنتظر أن يتم تطويره خلال السنوات القادمة. وللإشارة فإن الإستراتيجية الوطنية للموانئ السالفة الذكر، تقوم على مفهوم الأقطاب المينائية التي تساعد على توزيع جهوي استراتيجي للموانئ الرئيسية ذات الدور الهيكلي من حيث تهيئة المجال وتنفيذ الاستراتيجيات القطاعية، والتي تنتظم في إطار تحقيق التكامل والتخصص. إلى جانب ذلك يساعد القطب على ربط التنمية المينائية بمنطقة ما وبمحيطها، وبالتالي على التعامل مع التدفقات والطلب بغض النظر عن القدرات المينائية المتواجدة في كل ميناء على حدة.