لم يعيشوا حياتهم جزافا، بل كانت لهم رسالة أرادوا إيصالها للناس، إنهم أولياء الله الصالحين الذين خاضوا تجربة روحية وتأملا وجوديا لتحقيق الوعي بمقامات التقوى، وبما أننا في شهر العبادة والذكر، تأخذكم "بيان اليوم" طيلة أيام شهر رمضان المبارك، في صحبة أشهر أعلام التصوف في الإسلام، لنسافر معهم إلى عوالم العشق الإلهي، ونسبر أغوار عالم التصوف وخباياه، ولنتعرف أيضا على التنوع الكبير في أشكال الولاية والطرق إلى الله. الرحلة الحادية عشر: أحمد الرفاعي "علامة الأنس بالله الوحشة من الناس" كان الإمام أحمد الرفاعي يأمر في مجلس وعظه بالتزام حدود الشرع، ويحذر الناس من الشطح والغلو، إذ يقول: "هؤلاء قطاع الطريق فاحذروهم"، كما كان يكره أصحاب القول بالحلول والوحدة المطلقة الذين يقولون أن الله يحل بالعالم، قائلا: "هؤلاء قوم أخذتهم البدعة من سروجهم، إياكم ومجالستهم" وكان يأمر باتباع هدى الشريعة والسير على طريقة المصطفى،بقوله "اتبع ولا تبتدع، فإن اتبعت بلغت النجاة وصرت من أهلا السلامة، وإن ابتدعت هلكت". يلقب ب" شيخ الطرائق"، "الشيخ الكبير" و"أبو العلمين" (578 ه /512 ه)، من قبيلة عربية كانت تستوطن المغرب، فانتقل أبوه بأسرته إلى قرية (حسن) بالطائح في العراق حيث رأى النور، وتوفي ببلدة أم عبيدة في العراق بعد أن بقي مريضا لأكثر من شهر بسبب داء البطن. من أشهر مؤلفاته (الصراط المستقيم)، (النظام الخاص لأهل الاختصاص)، ( الطريق إلى الله) و (كتاب التنبيه في الفقه الشافعي). كان فقيها، محدثا، مفسرا وعالما في الدين، قرأ القرآن الكريم حفظا عن المقرئ الشيخ عبد السميع الحربوني، ثم تولى تربيته على أبو الفضل الواسطي، فبرع في العلوم النقلية والعقلية، كما توسع في العلوم الشرعية على يد خاله منصور الباطحي، حيث اعتاد على تعليم الناس أمور دينهم وأعطى الكثير في الوعظ والإرشاد وتنظيم حلقات العلم، وهذا ما أكده أحد مشايخ عصره حين قال: " كل ما حصل للرفاعي من المقامات إنما هو من كثرة شفقته على الخلق وذل نفسه، وكان يعظم العلماء والفقهاء ويأمر بتعظيمهم واحترامهم ويعتبرهم أعمدة الأمة". عرف عنه زهده وحسن خلقه، فكان لا يجمع بين لبس قميص وقميص لا في صيف ولا في شتاء، وينفق كل ما يحصل عنه من أملاكه في سبيل الله من أجل إسعاد الفقراء وعابري سبيل، وكان يقول: " الزهد أساس الأحول المرضية والمقامات السنية، ويضيف "طريقي دين بلا بدعة، عمل بلا كسل، نية بلا فساد، صدق بلا كذب وحال بلا رياء"، وإليه تنتسب الطريقة الرفاعية التي تتميز عن باق الطريق الصوفية الأخرى بالراية ذات اللون الأسود. تعتبر الطريقة الرفاعية من أكبر الطرق في مصر والعالم حيث تشير الأرقام إلى أن عدد المنتسبين إليها يصل لسبع ملايين شخص، إلا أن بعض أتباع الطريق عرفوا باللعب بالثعابين والدخول في النيران دون أن تحرقهم وغيرها من الخوارق، لكن هذه الممارسات لم تعرف عن الشيخ الرفاعي على الرغم من براعته في السيطرة على الثعابين وهذا راجع إلى مدينته التي نشأ بها والتي كانت تمتلئ بالزواحف. يروى أن الإمام كان يمشي مع جمع من مريديه فعلم بذلك يهوديّ، كان يسمع أن الإمام حليم ومتواضع فأراد أن يمتحنه هل هو كما يصفه الناس أم لا فأتى وقال له: يا سيد أنت أفضل أم الكلب أفضل؟، فأجابه "إن نجوتُ على الصراط فأنا أفضل"، فأسلم اليهوديّ وأسلم أهله وكثير من معارفه. فلولا تواضع الشيخ الرفاعي معه لما أسلم، ولو ظهر في وجهه أنه غضب أو اكفهرّ في وجهه وأو شتمه، ما رغب في الإسلام لكن أعجبه شدةُ حلمه وتواضعه فاعترف اليهودي في نفسه بأن دين هذا الرجل صحيح.