تم، أمس الأحد، انتخاب حسن كمون رئيسا للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف لمدة ثلاث سنوات المقبلة، وكذا أعضاء المكتب التنفيذي، وقبلهما لائحة أعضاء المجلس الوطني أل 69 عضوا. هذا، وشارك 157 مؤتمرا ضمنهم 25 مؤتمرة، في أشغال المؤتمر الوطني الخامس لمنتدى الحقيقة والإنصاف، المنعقد بأكادير أيام 27، 28 و 29 أبريل الجاري، حيث صادقوا أيضا على التوصيات والبيان العام. وليلة أول أمس السبت، تمت المصادقة بالإجماع على التقريرين الأدبي والمالي، بعد إدخال بعض التعديلات عليه، كما قدم المجلس الوطني استقالته وضمنه أعضاء المكتب التنفيذي، وتشكلت لجنة رئاسة المؤتمر من مصطفى المنوزي ومحمد بوشطو وأمينة اوباري وأحمد حبشي وعبد الله مسداد . وفي كلمة ألقيت بالنيابة عنه، يوم الجمعة الماضي بأكادير، في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الخامس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، قال محمد أوجار وزير العدل، إن تأسيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف سنة 1999، شكل إضافة نوعية للحركة الحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية، وقيمة مضافة لنسيج المجتمع المدني المغربي، أغنت الفعل الجمعوي وساهمت في إثراء التجربة المغربية في مجال حقوق الإنسان على مستوى الدفاع عن مبادئها ورصد الانتهاكات المحتملة والتنبيه إليها للعمل جميعا على تصحيحها، أو على مستوى حقيقة الانتهاكات وطي صفحة الماضي وجبر أضراره، أوعلى مستوى النهوض بثقافة حقوق الإنسان ونشر الوعي بها والتربية على قيمتها. وأضاف وزير العدل، بحضور ممثلي الأحزاب السياسية، ضمنهم حزب التقدم والاشتراكية الممثل في شخص الأستاذ عبد اللطيف أوعمو، عضو الديوان السياسي للحزب، والمركزيات النقابية وأصدقاء المنتدى وعائلات مجهولي المصير، أن مسيرة المنجزات المغربية في مجال حقوق الإنسان تتعزز يوما بعد يوم، بتعاون وشراكة بين كافة الجهات المعنية، قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وعمومية وفعاليات المجتمع المدني وأحزابا ونقابات وجامعات ووسائل إعلام ووسائل إبداعية… كل في مجال اختصاصه وبوسائله المناسبة لخصوصيته، من أجل خدمة المواطن المغربي باعتباره المبتدأ والمنتهى والمنطلق والغاية في كل مبادرة أو برنامج عمل. وأكد أيضا، أن الإرادة ماضية لمضاعفة الجهد والتصدي بالحزم اللازم لأي تجاوز أو انتهاك معزول قد يقع هنا أو هناك أو غض الطرف عنه أو التساهل معه وعدم معاقبة مقترفه، وأن العزم أكيد على تسوية كافة ملفات الماضي المتعلقة بجبر الضرر الفردي قبل نهاية السنة الجارية، وعلى إغلاق منافذ الإفلات من العقاب وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وهو مايتأسس عليه، في نظره، مشروع القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية الذي تضمن عدة مقتضيات وتدابير من شأنها تعزيز حماية الحقوق والحريات من قبيل ضمان حضور المحامي خلال مرحلة استجواب المشتبه فيه في حالات غير الوضع رهن الحراسة النظرية، واعتماد التسجيل السمعي البصري عند استجواب المشتبه فيه، واعتماد السجل الوطني للحراسة النظرية، وإلزام وكيل الملك أو أحد نوابه بزيارة الأماكن المعدة للحراسة النظرية، إذا بلغ باعتقال تعسفي أو عمل تحكمي، مع اشتراط الاستجابة لطلبات إجراء الخبرة الطبية عند ادعاء التعذيب وبطلان أي محضر اعتراف في حالة رفض الاستجابة لطلب إجراء هذه الخبرة. واعتبر أوجار، أن حرص المؤسسات الوطنية وجودة قوانيننا التشريعية ويقظة القضاة واعتماد المغرب لخطة وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، هي ضمانات إضافية كبرى يعززها ضمير أعضاء المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وقوتهم الإقتراحية الفاعلة، وأعينهم الراصدة لكل تجاوز أو انتهاك في تكامل بين الأدوار وتنوع في الوسائل من أجل تجاوز الصعوبات والتعاون على حلها، أملا في غد أفضل تحقق فيه الأهداف التي تتقاسم الإيمان بها والدفاع عنها كل من موقعه. ومن جهته، قال محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن جل ملفات انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالماضي، على مشارف الانتهاء من معالجتها، مضيفا، أن المقاربة المعتمدة تتمثل في التعويض المادي، ثم الإدماج الاجتماعي وأيضا الاشتغال على مشروع الذاكرة، مضيفا أن للتجربة المغربية سياق خاص يطبعها الجانب السياسي والإنساني في اتجاه طي هذا الملف على أسس معيارية. ودعا الجميع إلى الانخراط في مسلسل الإصلاحات التي يعرفها المغرب، مشيرا إلى أن العديد من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة تضمنها دستور 2011 كعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، واقتصار المحاكم العسكرية في البث فقط في خمس جرائم المرتكبة من قبل العسكريين. ودعا المؤتمرين إلى التفكير العميق مع استحضار التجارب الأخرى، للخروج بخلاصات تنير الطريق وتدفع باتجاه القطع النهائي مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإرساء ضمانات حقيقية لعدم التكرار ووضع استراتيجية أمنية بمقاربة حقوقية. وبدوره، قال مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، إن اختيار مدينة أكادير لعقد المؤتمر الخامس للمنتدى، لم يكن اختيارا اعتباطيا، بل هو احتفاء بضحايا وشهداء هذه المدينة المناضلة، مضيفا في كلمة له، أن اختيار شعار" الإفلات من العقاب إنكار للعدالة"، لليقين الراسخ للمنتدى، أن الضمانة الأساسية لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، هي في القطع مع كل أشكال الإفلات من العقاب. واعتبر أيضا أن قضايا الحقيقة وجبر الضرر الفردي والجماعي وحفظ الذاكرة ومساءلة المسؤولين هي حقوق ثابتة للضحايا وثابتة للمجتمع، وهي بهذه الصفة غير قابلة للمقايضة، غير أنها، يشير المانوزي، لا تشكل سوى مدخلا ضروريا لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، طالما أن الهدف النهائي لهذه المعالجة هو تقعيد هيكل مؤسساتي يمنع احتمال العود إلى ممارسة الانتهاكات، وبهذا المعنى، فإن عدم التكرار له معنى واحد وأوحد، هو الانتقال نحو الديمقراطية، أي إلى حالة تدبر فيها النزاعات السياسية والاجتماعية على أسس ديمقراطية. وعن مسارالحقوق والحريات في بلادنا، فقد سجل المانوزي، أن هناك توقفا في التقدم، وأن التراجع بدأ على العديد منها وإفراغها من مضامينها، رافق هذا، أيضا في نظره، تراجع كبير في مكانة ملف الانتهاكات الجسيمة في جدول أعمال تدبير الشأن العام الوطني والاستعداد الجاري من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان لرفع " تقريرتكميلي نهائي" حول منجزه في مجال تتبع تنفيذ توصيات هيئة الانصاف والمصالحة وإعلانه النية في تضمينه لهذا التقرير توصية تتعلق ب " إغلاق الملف في شقه المتعلق بجبر الضرر". وأوضح المانوزي، أن التحسن الذي عرفه الواقع الحقوقي خلال التسعينات من القرن الماضي، وبداية العقد الأول من القرن، يشهد اليوم توقفا بل وتراجعا بينا عن أغلب مظاهره، حيث توقفت الدولة المغربية عن تنفيذ التزاماتها الوطنية والدولية في العمل على مواصلة تحسين أوضاع حقوق الإنسان، بل، يؤكد المانوزي، تم تسجيل تراجع كبير عما تحقق من مكاسب في هذا المجال وعن توفير الشروط اللازمة للقطع النهائي مع انتهاكات الماضي. هذا الواقع، يقول المانوزي، لم تخلص إليه المنظمات الحقوقية الوطنية لوحدها، بل وتؤكده أغلب المنظمات الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، بالإضافة إلى تقاريرلجن وآليات المراقبة الدولية التابعة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان. واعتبر المانوزي أيضا، أن مكاسب مهمة تحققت، بعد مرور أزيد من 18 سنة على إطلاق مسلسل معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحوالي 12 سنة على إنهاء هيئة الإنصاف والمصالحة لأشغالها، غير أن أجزاء أخرى، في نظره، لا تقل أهمية تتعلق بالحقيقة وبجبر الضرر وبضمانات عدم التكرار، لازالت تحتاج إلى مزيد من الجهد من أجل تحقيقها وهو ما سيتطلب تجديد أساليب عمل المنتدى وبنياته التنظيمية واللوجيستيكية ومنح مقاربة المنتدى نفسا جديدا يتناسب مع المتغيرات التي عرفها محيط وأطراف الملف. وختم كلمته بالقول، إن إحقاق العدالة ووضع حد للإفلات من العقاب لن يتحققا إلا باستكمال الكشف عن الحقيقة وتحديد المدافن وهويات المتوفين، وتنفيذ التوصيات المتعلقة بالإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع القانونية والإدارية والمالية للضحايا وإنعاش الذاكرة وتحويل مراكز الاعتقال السرية إلى فضاءات ثقافية واجتماعية وتنموية وبسحنة رمزية، وبإرساء هيكلي لمؤسسات مانعة لكل أشكال الاستبداد، أي يناء الديمقراطية. وباسم هيئة تتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، قال أحمد الهايج، إن هذا المؤتمر مناسبة للوقوف على ماشاب وما لاحق مسار الانصاف والمصالحة منذ تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة لتقريرها سنة 2005 وإقرارها رسميا سنة 2006، مسجلا بالمناسبة، أن التوصيات لم تتم أجرأتها ولم يشرع في تنفيذها وأن جزء كبير منها بقي حبرا على ورق. وأضاف في كلمته، أن حركة 20 فبراير، أخرجت المغرب من الجمود والعطالة، انطلاقا من الشعارات والمطالب التي رفعتها آنذاك، والتي استجاب دستور 2011 لبعضها. وسجل الهايج، أنه بالرغم من مجموعة من الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية التي عرفها المغرب، واتساع هامش الحرية، إلا أن ماعرفته بلادنا منذ 2013 من تراجعات ومضايقات ومحاكمات والمس بالحريات والحقوق، أدى إلى حدوث مايمكن تسميته بالردة الحقوقية.