عرفت سنة 2017 العديد من الإنجازات الاقتصادية المهمة، وخاصة على مستوى الاستثمارات الأجنبية التي استقطبها المغرب وبالتحديد الاستثمارات الصناعية التي تتماشى مع التوجه الصناعي للمملكة، وإلى جانب ذلك، تميزت سنة 2017 كذلك بالإعلان عن قرار اقتصادي كبير يتعلق بنظام الصرف المرن، وهو القرار الذي أثار الكبير من الجدل بين مؤسسات الدولة فيما بينها وكذا البنوك في جانب آخر. السنة التي نودعها كانت أيضا شاهدة على ميلاد البنوك التشاركية التي عرفت انطلاقتها الفعلية، وأعلنت البنوك عن إطلاق خدماتها التشاركية. ومن الأحداث الاقتصادية التي ميزت السنة الماضية كذلك، طلب انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب افريقيا « سيدياو»، والذي حظي باهتمام وترحيب الدول الافريقية داخل المجموعة في انتظار انهاء الإجراءات المتعلقة بهذا الانضمام. وإذا كانت العديد من الإنجازات والأحداث قد بصمت على أداء اقتصادي فعال، فإن بعض الإنجازات لم ترتقي إلى المستوى المطلوب ومنها ما يتعلق بالحصيلة السياحية للوجهة المغربية، حيث بالكاد حقق المغرب استقطابا لنحو 11 مليون سائح مع نهاية نونبر الماضي، وهو رقم يتحقق بعد سبع سنوات من رؤية 2010 التي راهنت على تحقيق 10 ملايين سائح. رافق الاعداد لإطلاق الأبناك التشاركية منذ نهاية السنة الماضية، الكثير من الجدل بلغ حد تغليفه بثوب سياسي، وهو ما جعل والي بنك المغرب في تصريحات له، يضع النقط على الحروف، ليسمي هذا النوع من المصارف " بالتشاركية" عوض " الإسلامية" وعرف إطلاق الأبناك التشاركية تأخرا حيث كان من المتوقع أن تمنح أولى الرخص مع بداية سنة 2017، لكن ذلك لم يتم إلا في شهر مارس أي بعد ثلاثة أشهر. وبالموازاة مع هذا الجدل، كان هناك أيضا حديث عن الجدوى والقيمة المضافة لهذه المصارف على الاقتصاد المغربي. وكان الجواب على هذا التساؤل الكبير على لسان أحمد رحو الرئيس المدير العام للبنك العقاري والسياحي خلال إحدى اللقاءات الصحفية، حيث أكد أن من بين مزايا الأبناك التشاركية، تسيير ملايير من الدراهم وهي نسبة من الكتلة النقدية التي لا يعتقد أصحابها في ايداعها بالأبناك التقليدية. وبالرغم من كون هذه الميزة ستمكن من جمع أموال مهمة وتعزيز معدل الاستبناك ولو بنسب طفيفة، فإن القيمة المضافة تبقى محل نقاش وتساؤلات عدة. وفي مارس الماضي، أعلن والي بنك المغرب عن إحالة أول ترخيص لإحداث البنوك التشاركية، ويتعلق الأمر بالنبك التشاركي " أمنية بنك" التابع للبنك العقاري والسياحي بشراكة مع بنك قطر الدولي الإسلامي، بالإضافة إلى البنك المغربي للتجارة الخارجية بشراكة مع مجموعة "دلة البركة" السعودية البحرينية. وجاءت هذه الإحالة بعد أن وافقت لجنة مؤسسات الائتمان خلال يناير الماضي على طلبات خمسة بنوك مغربية لإنشاء مؤسسات للبنوك التشاركية، والترخيص لثلاثة أخرى بتقديم منتوجات بنكية تشاركية. وهمت الطلبات كل من القرض العقاري والسياحي بشراكة مع بنك قطر الدولي الإسلامي، والبنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا بشراكة مع المجموعة السعودية البحرينية دلة البركة، والبنك الشعبي المركزي مع المجموعة السعودية غايدنس (وهي شركة مالية متخصصة في التمويل العقاري)، والقرض الفلاحي للمغرب بشراكة مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، والتجاري وفا بنك. كما رخصت اللجنة لثلاثة بنوك هي البنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب والشركة العامة المغربية للأبناك لتقديم منتوجات بنكية تشاركية. وإذا كانت الأبناك التشاركية، ترتبط بحسب خبراء، بمؤسسات جديدة، كمؤسسات التأمين التكافلي ومؤسسات الصكوك، فإن ذلك له علاقة بالحاجة إلى التأمين التشاركي وصناديق الاستثمار، التي تستوجب توظيف المال وخلق صكوك بسلف بمقابل ربحي عوض الفوائد. وبحسب الخبراء، فإن هذا النوع من المعاملات، تستجيب لفئة مهمة من المجتمع تتطلع إلى ممارسات مالية تتماشى مع قناعاتها الدينية، كمعطى أساسي، وعلى مستوى الاقتصاد القائم على وجود سيولة كافية وقاعدة تستفيد منها في إطار الدورة الاقتصادية، وهو ما من شأنه أن يساهم في تعبئة الادخار المحلي وضخ أموال جديدة في الدورة الاقتصادية المصرفية بالمغرب. وللمالية التشاركية آليات ثلاث تجعل منها أداة لتفعيل الاقتصاد الإسلامي، في مقدمتها الآليات التمويلية التبادلية القائمة على البيوع (بيع المرابحة الآمر بالشراء) والإجارة (المنتهية بالتمليك والمنتهية بالخدمات)، والآليات التشاركية القائمة على صيغة المضاربة والمشاركة، وتلك المرتبطة بتحقيق التكافل الاجتماعي عبر القروض الحسنة على الخصوص. وتوفر هذه البنوك منتجات من شأنها أن تغير العرض بشكل جدري على الصعيد المالي المغربي، كما من شأنها أن تشجع الاستثمار لدى الشباب الحاملين للشهادات على الخصوص ممن يتوفرون على معرفة علمية وتقنية وينقصهم رأس المال، فضلا عن فتح مجالات تنموية لمساهمة كافة الفئات في تنمية الاقتصاد، وضخ مبالغ مهمة في الدورة الاقتصادية وفي القطاع المهيكل، علما بأنها لا يمكن أن تخوض سوى في المعاملات التي لها سوق ورواج ومحدودة المخاطر. وبالرغم من الانتظارات المتوقعة لهذه التجربة الجديدة التي رأت النور سنة 2017، فإن تساؤلات تبقى مطروحة، ومنها مدى مساهمة هذه البنوك في الرفع من مستويات الاستبناك في أوساط المغاربة. وبالرجوع إلى أرقام بنك المغرب، فإن معدل الاستبناك بالمغرب يصل إلى حوالي 71 في المائة، غير أن هذا الرقم لا يترجم واقع الاستبناك بشكل دقيق على اعتبار تعدد الحسابات البنكية الشخصية لفرد واحد. وكشفت دراسة حول الأبناك التشاركية أنجزها مكتب "كانتار تي ان اس" المغرب مؤخرا، فإن معدل الاستبناك لم يتغير بشكل كبير بعد أشهر من إطلاق تجربة البنوك التشاركية. ويتم احتساب معدل الاستبناك باقتسام عدد الحسابات البنكية على عدد الساكنة، وبحسب الدراسة فإن معدل الافراد المغاربة الذين يتوفرون على أكثر من حساب بنكي واحد يقارب 37 في المائة. ويصل عدد المغاربة الذين يتوفرون على حساب بنكي إلى نحو 12.6 مليون شخص، في الوقت الذي أحصت فيه الأبناك المغربية نحو 24.2 مليون حساب بنكي في نهاية يونيو الماضي. وتشير الدراسة إلى أن 63 في المائة من المغاربة الذين لا يتوفرون على حساب بنكي، 6 في المائة منهم فقط هم من لديهم استعداد ليصبحوا زبناء للبنوك التشاركية، وهو ما يعني أن 57 في المائة من هؤلاء غير مهتمين بخدمات البنوك التشاركية. هذه الأرقام التي كشفتها دراسة لمكتب "كانتار تي ان اس" المغرب، تشير إلى أن البنوك التشاركية يلزمها الكثير من الجهد لاقناع المغاربة قصد الاقبال على منتجاتها، التي لا تختلف كثيرا عن منتجات البنوك التقليدية من حيث المبدأ، إلا فيما يتعلق بكون منتجات البنوك التشاركية تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية عكس البنوك التقليدية. ********* تحرير الدرهم.. القرار الملغوم ما أن أعلن البنك المركزي المغربي عن مخطط الشروع في تحرير الدرهم (العملة الوطنية للمغرب)، والذي كان سيطبق منتصف سنة 2017، حتى بدأت بعض التساؤلات المرفوقة ببعض التخوفات تطفو فوق السطح في أوساط الفاعلين الاقتصاديين المغاربة، وترتبط هذه التخوفات بالتأثيرات المرتقبة لمخطط التعويم أو التحرير على الاقتصاد المغربي باعتباره اقتصادا ناشئا، قد يصعب عليه تحمل الصدمات الخارجية والداخلية. غير أنه وقبل أن يتم تنزيل هذا القرار، خرج والي بنك المغرب ليعلن في نهاية يونيو تعليق العمل بهذا النظام الجديد إلى أجل غير مسمى. إعلان التأجيل، كان وراءه خلاف حول طبيعة الجهة التي ستقرر تطبيق النظام، حيث كان بنك المغرب إلى ما قبل التأجيل، هو الواجهة الرسمية لهذا القرار وهو ما كان يعلن الخطوات والمراحل التي بلغها القرار. وبعد أن أعلن عن التأجيل ظهر أن الحكومة تدخلت في أخر المطاف لتفرض التأجيل لأسباب متعددة، اعتبرها متتبعون أسباب اجتماعية وسياسية بالدرجة الأولى، على اعتبار أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يعتبرون أن الاقتصاد المغربي بلغ درجة النضج وبالتالي فإن قرار الدخول في نظام صرف جديد لن يشكل خطورة كبيرة على صلابة الاقتصاد المغربي ولا على قيمة الدرهم. هذا الأمر يعزز فرضية كون التأجيل يرتبط أساسا بالأحداث السياسية والاجتماعية التي عرفها ويعرفها المغرب ومنها حراك الريف، والاحتجاجات التي تعرفها العديد من المناطق، زيادة على التركيبة الحكومية التي كانت قدر خرجت من مرحلة البلوكاج بأشهر قليلة. وأيا كانت أسباب تعليق هذا القرار، فإن التخوفات التي عبر عنها الفاعلون الاقتصاديون تبقى قائمة في ظل كون الاقتصاد المغربي، اقتصاد يتأسس بالدرجة الأولى على رحمة السماء، ومردودية السنة الفلاحية. فانكماش المبادلات التجارية الخارجية بسبب تقلبات أسعار صرف العملات، يعمق تخوفات الفاعلين بالنظر إلى كون المغرب بلد يستورد أغلب حاجياته من المواد الأساسية المرتبطة بسير عجلة الاقتصاد، خاصة المواد الطاقية ومواد التجهيز والمواد الغذائية، زيادة على أن عجز الميزان التجاري يعرف تفاقما مستمرا وما يزيد من تخوفات الفاعلين والمتتبعين على السواء. هذا وإن كان بنك المغرب، يبدد هذه التخوفات، حيث إن الدخول في نظام الصرف الجديد لتعويم الدرهم سيتم بشكل تدريجي قد يمتد إلى 15 عاما، ، كما أن المغرب لن يتخل بشكل تام عن مراقبة مستويات أسعار الصرف وذلك عبر تحديد سقف أقصى وسقف أدنى لسعر الصرف حتى يتجنب انهيار قيمة العملة والتحكم في أسعار الصرف الداخلية، وهي إجراءات يراها مراقبون من شأنها أن تقي من السقوط في سيناريو دول أخرى عومت عملتها الوطنية. ويعتمد المغرب على موارد أساسية للعملة الصعبة تتمثل في تحويلات المهاجرين المغاربة بالخارج ومداخيل السياحة ثم عائدات الصادرات بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية. ومنذ ما قبل الإعلان عن تنزيل هذا النظام الجديد، شرعت الأبناك المغربية في عقد لقاءات مع زبنائها من المقاولات خاصة المقاولات التي تنشط في مجال التصدير والاستيراد قصد شرح إجراءات تغطية مخاطر الصرف، مع انتقال المغرب إلى اعتماد نظام الصرف الجديد، التي يربط سعر صرف الدرهم المغربي بسعر الصرف في السوق الدولية، وخلال الأشهر الماضية، قامت مجموعة من الابناك بجولات تعريفية في مختلف المدن المغربية، قصد شرح الإجراءات الجديدة التي يجب اتباعها قصد تفادي التأثيرات المرتقبة التي يمكن أن تترتب عن تقلبات الأسعار في سوق الصرف الدولية. الأبناك المغربية، شرعت بعد ذلك في الدخول في عملية تأمين عمليات تجارية خارج المغرب، وهو ما أدى إلى استنزاف احتياطات المغرب من العملة الصعبة، حيث بلغ حجم ما خرج من خزينة بنك المغرب من العملة الصعبة التي طلبتها الأبناك المغربية ما يفوق 42 مليار درهم. وهو معدل قياسي في فترة قياسية، لم تبلغه حاجيات الأبناك من قبل، هذا الارتفاع في حاجيات الأبناك من العملة الصعبة، اعتبره البعض تحايلا على مؤسسات الدولة وقراراتها، وخلق الأمر لبسا كبيرا فيما بين بنك المغرب وبين الأبناك المغربية، حيث انتقدها والي بنك المغرب على هذا السلوك. ورغم كل ذلك، فإن الخبراء، يرون أن دخول هذا القرار حيز التنفيذ، لن يكون له أثر كبيرا على الحياة الطبيعية للاقتصاد المغربي، بالرغم من بعض التغييرات التي ستطرأ على أسعار بعض السلع وكمياتها، ولن تمس هذه التغييرات واردات المغرب من المواد الطاقية أو مواد التجهيز التي تحتاجها المقاولات المغربية. وبالنظر إلى كون النظام في حال تنزيله سيتم بشكل تدريجي، فإن التغييرات المتوقعة لن تكون آنية، بالنظر إلى كون الاقتصاد المغربي اقتصاد ناشئ ولا يمكن للمغرب أن يقدم على مغامرة قد تعصف بتوازن علاقته الاقتصادية مع شركائه وتؤثر بشكل ملحوظ على القدرة الشرائية للمواطن.