كثير من الانتقادات توجه حاليا للإعلام الحزبي، لكن هذا الإعلام، في مرحلة تاريخية، كان السباق لطرح قضايا مجتمعية شائكة، والترافع بشأن حقوق فئات من المواطنين كان من الصعوبة بمكان تداولها أو حتى الإشارة إليها، خاصة فئة النساء اللواتي كن بحكم العادات والتقاليد يعتبرن كائنا ناقص الأهلية، عليهن أن يبقين متواريات أو بعيدات عن المشاركة السياسية ومواقع اتخاذ القرار، سواء منه الحزبي أو المؤسساتي، سواء في المؤسسة التشريعية أو التنفيذية أو حتى وظائف هامة على رأس مؤسسات عمومية. فخلال سنوات السبعينات، حيث كان النضال على أشده من أجل البناء الديمقراطي والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكافة فئات الشعب، لعبت الجرائد الحزبية دورا محوريا في دعم النضال من أجل كل تلك الحقوق ومن أجل حقوق النساء أساسا، حيث كان الوعي بالقضية النسائية قد انبثق في أوساط سياسية محددة، سرعان ما كبر ليتحول ضمن الهموم التي يحملها ويناضل من أجلها السياسيون والإعلاميون على حد سواء. وكذلك كان نهج جريدة البيان، لسان حزب التقدم والاشتراكية، التي رأت النور كأسبوعية باللغة العربية في 24 نونبر 1972، حيث جعلت قضايا الديمقراطية وقضايا النساء تتصدر صفحاتها الأولى منذ ذلك التاريخ، ولم تتخلف عن معظم الأحداث، وكانت من أولى الجرائد التي تحتفي باليوم العالمي للمرأة، بل كانت تخصص صفحة أسبوعية تحمل اسم «بيان المرأة» تشرف عليها الرفيقة الراحلة لطيفة مكرامي، ويساهم فيها رفيقات ورفاق آخرون، إضافة إلى أصدقاء الحزب المؤمنين بقضايا المرأة وحقوقها في تلك الفترة التي كان فيها النضال من أجل حقوق المرأة لا يزال محاصرا سياسيا، بل ومن بين الطابوهات التي لا يتم تناولها أو الحديث عنها. وقالت نزهة العلوي، محامية بهيئة القنيطرة، منسقة «نساء من أجل نساء»، عضوة اتحاد العمل النسائي، أحد مكونات الحركة النسائية والتي قادت إلى جانب أخريات النضال من أجل تغيير أوضاع النساء إلى الأفضل، وتمتيعهن بحقوقهن كاملة، ورفع الظلم عنهن داخل العلاقات الزوجية، بإقرار مدونة أسرة منصفة وقوانين تستمد روحها من مبادئ وقيم حقوق الإنسان، «إن جريدتي البيان باللغة العربية وبيان اليوم حاليا، اهتمتا على الدوام بمواكبة قضايا النساء، بل وكذا النضال الذي كانت تقوده مجموعة من الفعاليات النسائية عبر هيئات من المجتمع المدني، أسسناها خصيصا للترافع من أجل تمكين النساء والنضال من أجل قضاياهن بمختلف أوجهها». وأضافت أن الجريدة انشغلت بالقضايا التي كانت تشتغل عليها مكونات الحركة النسائية عبر نشر بيانات الجمعيات النسائية والحقوقية، وكانت ضمن الجرائد الوطنية خلال سنوات الثمانينات التي انبثقت فيها الحركة النسائية، حيث لم تكن هناك وسائل إعلام غيرها، حيث كانت تلك الجرائد وضمنها بيان اليوم، أهم سند للمناضلات في صف الحركة النسائية، وأكبر داعم لنضالاتها ووقفاتها، مشيرة إلى أن الجريدة لها تاريخ طويل في هذا الجانب الذي يخص دعم صف الحركة النسائية التي تناضل من أجل قضايا وحقوق المرأة وحقوق الإنسان بصفة عامة». وأكدت أن البيان ناضلت وترافعت من أجل تحقيق المساواة وإصلاح قانون الأحوال الشخصية، وتمكنت من فتح نقاش هادئ حول العديد من القضايا، كإصلاح القانون الجنائي، والعدل، والمساواة في نظام المواريث والتمثيلية النسائية عبر المطالبة بتبني اللائحة الوطنية للنساء في الانتخابات التشريعية، وهذا الأمر تطلب في الكثير من محطاته، التعبئة والانخراط في شبكات مع الجمعيات النسائية الأخرى بل وكذا الحقوقية. وقد توفقت البيان بالعربية ثم بيان اليوم، إلى حد بعيد، في مواكبة إعلامية مكثفة وموضوعية. وأفادت المتحدثة أن الجريدتين كانتا دائما من الجرائد التي يحرص اتحاد العمل النسائي، كأحد مكونات صف الحركة النسائية، على استدعائها للحضور وبعث مذكراتها الترافعية التي يتم تقديمها لرؤساء الأحزاب والفرق النيابية، معتبرة أن الجريدة مشهود لها بمسارها الطلائعي على هذا المستوى، وكنا دائما نجدها داعمة لتحركاتنا المطلبية، ولها تاريخ نضالي حافل، في مواكبة كل الحركات المطلبية بأوضاع الفئات الهشة والمظلومين. أما فاطمة المغناوي، رئيسة مركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف بالرباط، وهي إحدى النساء الرائدات داخل الحركة النسائية بحكم انتمائها لاتحاد العمل النسائي، فأكدت، في تصريح لبيان اليوم، على أن حزب التقدم والاشتراكية يعد من الأحزاب الديمقراطية التي احتلت قضية المرأة ضمن منظومتها مكانة متميزة، حيث اعتبرتها في قلب النضال الديمقراطي، وشددت على أنه لا يمكن النضال من أجل الديمقراطية دون النضال من أجل المساواة بين الرجال والنساء، وهذا ما تتضمنه أدبيات هذا الحزب، وما تترجمه صحافته التي كانت تتابع كل النقاشات التي تطرح بشأن قضايا النساء وأساسا قضية المساواة بين النساء والرجال. وأضافت أن الحيوية التي كانت تطبع القطاع النسائي لحزب التقدم والاشتراكية الذي يضم مناضلات صادقات، كانت لافتة ومتميزة، بفضل جهود هؤلاء المناضلات اللواتي كرسن حياتهن منذ التأسيس لقضايا النساء، وكن بذلك رائدات في ربط النضال الديمقراطي بقضايا المساواة. وأشارت في هذا الصدد إلى الدور الذي لعبته الجريدة، في دعم مناضلات الحزب خلال مساهمتهن في انبثاق الحركة النسائية، عبر تأسيس الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، لتكون الجريدة سباقة إلى المساهمة في النقاش بل ودعم تأسيس فعل مدني مبني على ثقافة سياسية حزبية لكن دون القطيعة على مستوى الأفكار والمبادئ والقيم التي تحملها تلك المناضلات من أجل كيفية تطوير وضع المرأة. وأضافت أن هذا التوجه كان نبراسا للعديد من المناضلات في أحزاب أخرى تقدمية، حيث يضيء خطوات الدرب لبناء حركة مدنية حقوقية مستقلة، تقوم بعمل سياسي دون أن تنضم لإطار حزبي، وتنبثق من رحم نضال سياسي، دون أن تنخرط في إطار حزبي ضيق له رهاناته. كانت الفترة صعبة التدبير، حيث تمكنت الحركة النسائية من بناء استقلاليتها، وكانت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب من الجمعيات القليلة التي استطاعت تدبير الاختلافات السياسية خدمة للقضية النسائية، وبنت استقلاليتها ليس كخطاب بل كثقافة. وأشارت إلى أن الجريدة عكست مختلف النقاشات العمومية التي كانت تقودها التنظيمات النسائية ومن ضمنها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، التي كانت تضم مناضلات مؤسسات ينتمين لحزب التقدم والاشتراكية، واللواتي بحكم تمرسهن في العمل السياسي لعبن دورا كبيرا في النضال من أجل كل القضايا التي تهم المرأة، انطلاقا من حملات الترافع لتغيير مدونة الأحوال الشخصية إنصافا للنساء الزوجات، وامتدادا نحو مطالب تهم رفع كل أشكال التمييز ضد المرأة، مشيرة في هذا الصدد إلى كل من المناضلة أمينة لمريني، الرئيسة الحالية للهيئة العليا للسمعي البصري، ونزهة الصقلي، الوزيرة السابقة المسؤولة عن التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، والمناضلة رشيدة الطاهري، عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إلى جانب مناضلات أخريات عديدات من صف الحركة النسائية ضمنهن ربيعة الناصري، ليلى الرحيوي وأخريات. وأشارت إلى أن الجريدة كانت تضيء مسار القضية النسائية عبر نشر مقالات لهؤلاء النساء المناضلات، خاصة وأنهن لم يقتصرن على التنظير، بل كن في قلب الميدان وخضن معارك على المستوى الوطني والمغاربي من خلال عضويتهن في التحالف المغاربي 95 من أجل المساواة، كما خضن حملات كثيرة من أجل رفع التحفظات على اتفاقية السيداو، وساهمن في وضع تقارير موازية، بل وشاركن في كل المعارك، وأبدعن أيضا عبر فتح مراكز لاستقبال النساء ضحايا العنف. وأضافت المتحدثة أن هذه الدينامية التي شهدها صف الحركة النسائية خلال سنوات الثمانينات لم تفتأ الجريدة عن مواكبتها، بل وكانت حاضرة ليس عبر تغطية الأنشطة حصرا ولكن عبر إجراء حوارات ومتابعة النقاشات العمومية التي كانت تنظم أو تتناول قضايا النساء، والتي شملت مشاكل الطلاق، وقضايا العنف والتمييز بصفة عامة وكذا قضايا النساء العاملات من خلال عرض مظاهر الحيف والظلم الذي كن يتعرضن له. وأوضحت المغناوي، أن تلك الحوارات كانت تتمحور حول الأنشطة التي تقوم بها المناضلات والحركة النسائية سواء على المستوى الوطني أو الدولي، مسجلة أن الخط التحريري للجريدة كان يطبعه انسجام مع المبادئ التي حملها الحزب وناضل من أجلها، مؤكدة، بنبرة إصرار، على الطلائعية التي ميزت مسار الحزب الذي ضم مناضلات لعبن دورا كبيرا في الساحة الوطنية عبر النضال في صف الحركة النسائية والترافع والدفاع عن قضايا وحقوق النساء، كما ناضلن من أجل حق وصول النساء إلى مواقع القرار بمختلف مستوياته.. وأشادت، المغناوي، في المقابل بالتفاعل الإيجابي الذي لقيته مذكرات رفعها اتحاد العمل النسائي في الأشهر الأخيرة للفرق النيابية بالمؤسسة التشريعية حول هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، وأيضا إقرار قانون شامل لمكافحة العنف ضد النساء، حيث لعبت نائبات ونواب فريق التقدم الديمقراطي، خلال الولاية التشريعية السابقة، أي ما قبل إجراء الانتخابات التشريعية لسنة 2016، دورا بالغ الأهمية في الترافع إلى جانبنا ودعم تصوراتنا بهذا الخصوص»، حسب تعبير المتحدثة. وعبرت رئيسة مركز النجدة لاستقبال النساء ضحايا العنف، عن أملها في أن يعتني الإعلام الحزبي، خاصة الذي ينتمي لمنظومة القيم التقدمية الحداثية، والذي تندرج ضمنه جريدة بيان اليوم، بشكل أكبر بقضايا النساء، خاصة وأن عديد قضايا لازالت مطروحة من ضمنها وضع قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء، وتوسيع التمكين السياسي للنساء، وتمتيعهن بحقوقهن كاملة سواء الاقتصادية أوالاجتماعية.