بعد ثماني جولات من المحادثات تحت إشراف الأممالمتحدة للتوصل إلى حل سياسي لقضية الصحراء لما فيه مصلحة شعوب المغرب العربي والأمن الإقليمي، لم يكن المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات «مقلقا» إلى حد ما وصل إليه اليوم. ويرى دبلوماسيون أمميون أنه «على الرغم من انعقاد عدة جولات، فإن الآفاق على المدى القصير ليست واضحة بما يكفي». وأكد الملاحظون أن «المسلسل وصل إلى طريق مسدود، لأنه حتى تكون هناك مفاوضات، ينبغي أن تكون لدى الأطراف الإرادة والكفاءة والمشروعية لذلك». رغم إرادته وحسن نيته اللتان أظهرهما، لا سيما من خلال مخططه للحكم الذاتي الذي حظي بالإشادة والاعتراف على المستوى الدولي بكونه واقعيا وذي مصداقية، ومشروعه المتعلق بالجهوية، فإن المغرب لا يستطيع وحده تحدي المكائد المضمرة في كل مرة يتم فيها إعداد حل يتجه نحو تسوية نهائية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. وتعمل الرباط بعزم على إيجاد حل سياسي لهذه القضية، وهو ما أبانت عنه في مناسبات عدة كتقديمها مؤخرا لمقترحات ملموسة في إطار مقاربات مجددة للمساعدة على الخروج من هذا الجمود الذي وضع فيه بعض «الخصوم المحرضين» هذه القضية. واعتبر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري أن حظوظ نجاح المفاوضات تبقى «ضعيفة» بل «منعدمة» في ظل غياب الاستعداد لدى الأطراف الأخرى للتوافق وبذل الجهود المطلوبة للتوصل لتسوية سياسية. ويرى أحد الملاحظين أنه يتعين التسليم بأن الجزائر «لا ترغب في حل لهذا النزاع الإقليمي»، معتبرا أن «البوليساريو»، الذي التحق مؤسسوه الرئيسيون بالمغرب، ليس مؤهلا لإعلان موقفه من هذه القضية لأنه لا يملك لا المشروعية لذلك ولا هامش التحرك ولا يقدر الرهان الذي تطرحه القضية». بالنسبة للجزائر، فيتعلق الأمر بمشكل الاستحواذ على الريادة المستوى الإقليمي. أما بالنسبة للبوليساريو الذي لا يحمل مشروعا اجتماعيا فيتعلق الأمر بأصل تجاري يستفيد منه بشكل يومي، تارة من خلال تحويل المساعدات الغذائية، التي كانت «فرانس-ليبرتي»، وهي مؤسسة كانت تدعم الانفصاليين في ما مضى، أول منظمة غير حكومية تكشف الأمر في تقرير فاضح، وتارة أخرى عبر العزف على وتر المبادئ الإنسانية أو اللجوء إلى التهريب والذي لا زال يتعامل معه المجتمع الدولي باستخفاف رغم التحذيرات المتعددة للمغرب. وأضاف هذا الملاحظ أن هذه المناورات التي تظهر بشكل مفاجئ «عند قرب انطلاق جولة جديدة» هي بمثابة تكتيك يرجى منها ربح الوقت، في إشارة إلى ما وقع مؤخرا بمدينة العيون. وأشار دبلوماسي أممي إلى أنه منذ أزيد من 35 سنة يتم اللعب بورقة الزمن والتوقف عند أدق التفاصيل والبحث عن «أكباش فداء»، مبرزا أن، هذا التسخير قد ينقلب على أصحابه. وقد بدأت أصوات ترتفع داخل المخيمات من قبيل (خط الشهيد) الذي ينتقد تمثيلية هذه الإدارة «المرتشية»، وعلى الخصوص أصوات الأجيال الجديدة التي ولدت مجندة في المخيمات دون آفاق مستقبلية. ويتطلع هؤلاء الشباب، الذين أحبطتهم سياسة التسويف السائدة منذ عقود، إلى ظروف أفضل في أماكن أخرى، فماذا تبقى لهم سوى الهروب إلى الأفضل للالتحاق بالوطن الأم إذا ما تحرروا من الاحتجاز، حيث يجتذبهم مكان تحت الشمس في إطار مقترح الحكم الذاتي. لقد عاش مصطفى سلمة ولد سيدي مولود هذه التجربة المريرة. فالأسوأ هو السقوط في براثين الإجرام الذي يسود من منطقة الساحل. وفي تعليق على أحداث العيون حيث تم اغتيال عناصر من قوات الأمن «غير المسلحين بوحشية من قبل الميليشيات الإرهابية للبوليساريو»، أكد السفير السابق للولايات المتحدة بالمغرب مارك جينسبورغ أن المغرب «الحليف الكبير للولايات المتحدة» يعيش وسط «جوار عاصف وخطير». ونشرت وسائل إعلام دولية، خاصة الأمريكية منها، مؤخرا تقريرا حول أنشطة إرهابية وإجرامية تتورط فيها بوضوح عناصر من البوليساريو، تظهر فيه أسماء من قبيل «عمر الصحراوي» الملقب ب»م. مارلبورو» على علاقة بأنشطة لتهريب السجائر المنتهية صلاحيتها والمتهم باختطاف إسبان يعملون في المجال الإنساني في نونبر 2009، و»سلطان ولد بادي» المتورط في تهريب المخدرات. ونقلت وكالة غربية للأنباء مطلع دجنبر خبر توقيف قوات الأمن المالية في الصحراء لستة من «أكبر» مهربي المخدرات ينحدرون من صفوف «البوليساريو» وينتمون لأكبر شبكة لتهريب المخدرات في الصحراء في اتجاه أوروبا. من جهة أخرى، نقلت القناة الإخبارية الأمريكية «فوكس نيوز» عن مصالح استخبارات أجنبية، أن حوالي 60 من قياديي وأعضاء البوليساريو تورطوا مؤخرا في أنشطة لتنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي. وافترض المبعوثون الخاصون للصحيفة الأمريكية«نيويورك تايمز» في تحقيق أجروه في العيون حول أحداث كديم إزيك «تورط عناصر القاعدة». وقد أصبحت منطقة الصحراء الكبرى والساحل التي تعاني من الفقر وغياب السلطة منطقة خطيرة تنذر المجتمع الدولي. وتحدث الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء إيريك جينسن مؤخرا عن «ساحليستان على أبواب المغرب العربي». وأشار محللون إلى أن الأمر لا يتعلق اليوم باتباع الجزائر في رؤاها المتسلطة المتخفية وراء «المبدأ النبيل لتقرير المصير»، لكن بالتحلي بالبرغماتية والتحرك أمام واقع مقلق يتمثل في التهديد الإرهابي الذي يستهدف منطقة الساحل الصحراوي. وأكدوا أن الخطاب الجزائري، لسوء الحظ، لا يحمل جديدا لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع المعيش، وقد يتعلق الأمر برأيهم بمشكل أجيال.