من يطالع تدوينة "التأبين" التي نشرها المعطي منجب بمناسبة نعي الراحل نوبير الأموي، قيدوم النقابيين المغاربة، يجد نفسه محاصرا بين سؤالين عريضين: هل هي تدوينة خالصة لرثاء وتأبين رجل خدم الطبقة العمالية من زاوية العمل النقابي؟ أم أنها تدوينة فايسبوكية تنضح باستغلال سياسوي لهذا المصاب الجلل من أجل تصريف رسائل لا علاقة لها بالبعد الأخروي لحادث الوفاة؟. مبدئيا، لا يحتاج الرأي العام الوطني لكثير من الاجتهاد والعناء ليدرك بأن المعطي منجب إنما كان يمارس رياضته المفضلة "الركمجة" للتزحلق على أمواج القضايا والأحداث الوطنية، مستغلا وفاة نوبير الأموي ليصدح برسائله السياسية و"نضالاته المعهودة" حسب تعبيره. فالمعطي منجب لم يكلف نفسه في التدوينة إياها عناء الابتهال من أجل الفقيد، ولا التضرع إلى خالقه ليحسن مقامه ويكرم وفادته، بل لم يعدّد حتى مناقبه في الدنيا مثلما يقوم بذلك جمهور المُعَزّينَ والناعين. وإمعانا في تسييس وفاة الفقيد نوبير الأموي، وإخراج هذا الرزء الفادح من سياقه المؤلم لأسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة ممثلة في الشغيلة المغربية والكونفدرالية الديموقراطية للشغل، تلاعب المعطي منجب كثيرا في توضيب الأحداث التاريخية التي عاشها المرحوم. فالمؤرخ التاريخي كما يحلو للبعض تسميته كناية عن "فهمه الزائد في التاريخ، مارس انتقائيته عندما استعرض بعض محطات الاعتقال التي عاشها المرحوم، بينما استنكف عن ذكر معطيات أخرى بالغة الدلالة في مسار الرجل. فالمعطي منجب تنصّل من واجب الحياد، وتخلّى عن الموضوعية المفروضة في المؤرخين الحقيقيين، وتسلّح كبديل عن ذلك بمقص الرقيب الذي يحرّف الحقائق التاريخية ويتلاعب بذاكرة المغاربة. والسؤال المطروح هنا، والذي يحاصر المعطي منجب في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الجماهيري، هو لماذا تعمد نسيان الدور الحاسم للنقيب السابق محمد زيان في إدانة نوبير الأموي؟ ولماذا لم يتحدث، بشكل مريب، عن دور هذا الأخير كمحامي للحكومة في "تغريق" الفقيد وسياقته نحو مقصلة الإدانة بالحبس النافذ؟ فالتاريخ المغربي المعاصر دائما ما يذكر اعتقال نوبير الأموي مقرونا بوزير حقوق الإنسان الأسبق محمد زيان، كما أن جميع الشهادات التاريخية التي توثق لمرحلة التسعينات غالبا ما تذكر الرّجُلَين كوجهين متلازمين لقطعة مالية معدنية. فالمغاربة لن ينسوا ولن يتناسوا بأن محمد زيان اجتهد وقتها أكثر من القضاة في جلد زعيم الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، بل إن مرافعاته في هذا الملف يحتمل في كونها كانت وراء قربه من "أثداء" الدولة التي كثيرا ما حلب منها قبل أن يتم فطمه ويختار المعارضة كضرب من ضروب الانتقام. وحده المعطي منجب من تعمد نسيان "الدور غير النظيف" الذي مارسه النقيب السابق والوزير الأسبق في قضية نوبير الأموي، ووحده -من دون المغاربة جميعا – من أقصى هذه المحطة المؤسفة من تاريخ كبير الكونفدراليين الذي ترجل مؤخرا عن صهوة الحياة. فهل المعطي منجب استحضر "المصلحة النضالية" عندما تعمد عدم الحديث عن دور محمد زيان في إدانة نوبير الأموي؟ وهل ارتداد النقيب السابق عن حضن الدولة وارتمائه اليوم في أحضان المعطي منجب يشفعان له فيما قام به ضد الهالك؟ أم أن المعطي منجب بريء من كل ذلك وهو مجرد مستمع غير ملم بالأحداث التاريخية؟ والملاحظ في الختام، أن المعطي منجب قام ب"تسفيه" التاريخ في قضية نوبير الأموي، وهو بذلك إنما "يسفه" نفسه في كل تدوينة ينشرها في حسابه الفايسبوكي. لكن من تحوم حول ذمته المالية شبهات التلاعب بالتحويلات المالية الأجنبية وضخها في قنوات "غير مشروعة" للاستثمار الفلاحي والعقاري، لا يستبعد أن يزور مسار التاريخ ويتلاعب برصيد الشخصيات الوطنية، ولا يخجل أيضا من أن يترامى على وفاة مناضل مغربي، يوجد حاليا بين يدي ربه، ليزايد بذكراه في الفايسبوك ويغسل بها الوجه البشع لصاحبه محمد زيان.