كان المغرب ينتظر ردًا رسميًا من الجزائر بعد الدعوة التي وجهها الملكمحمد السادس لفتح صفحة جديدة من العلاقات بداية شهر أغسطس2021، فعاد بنا بلاغ الخارجية الجزائرية إلى أحداث 1994، وقطيعة 1976، و حرب 1963، في حين لم يتم تسجيل أي "عدوان مغربي" خلال الحقبةالجوراسية، عصر ظهور السحالي المبكرة و الثدييات الوحشية و قنافذ البحرو أنماط جديدة من الديناصورات مثل الصوروبودا، والكارنوصوريات، والشنقريحيات. روج النظام الجزائري في بلاغه لعدد من المغالطات التاريخية و من اللازمالوقوف عليها و تصحيحها. جاء على لسان خارجية الجزائر أن حرب الرمالخلفت ما لا يقل عن 850 شهيدا جزائريا. لا يسعنا إلا أن نتساءل عن صحةهذه الأرقام و عن هذا الارتفاع المهول في الوفيات، علما أن معظم المؤرخينيقدرون عدد القتلى في صفوف الجيش الجزائري بين 60 و 300 شخص. فتارة كانوا 60، و تارة أخرى 300، واليوم باتوا 850، و للمؤرخين قولهم فيهذا الشأن. هل تعاني بورصة قيم الشهداء مثل اقتصاد البلد من التضخم، بحيث 100 شهيد البارحة يعادلون 1000 اليوم ؟ أم أن الأعداد، و خاصةأعداد الشهداء، لا حرمة لها، يجوز تزويرها كلما تغيرت الأهداف الكامنةوراء الابتهال بها، فعندما كانت الغاية الظهور بمظهر القوة، ظلت الجزائر ولفترة طويلة تقلل من خسائرها خلال حرب الرمال. والواقع أن غرضهاالرئيسي اليوم هو تقديم المغرب في حلة الجار الظالم المهيمن العدو، لذا تمتالمبالغة في أعداد الموتى تغمدهم الله برحمته، و نتمنى أن لا تهدر الجزائراحتياطي شهدائها كما أهدرت احتياطي النفط الخاص بها، فلم يتبقىللجارة الشرقية سوى شهداء تحييهم متى تشاء لاستعارة فمهم و النطقبالكذب و البهتان باسمهم، وأحدث مثال على ذلك التمثيل بجثة المرحوم جمالبن اسماعيل مرتين: مرة من طرف قتلته، و الثانية من طرف النظام لتلفيقالتهم للمغرب. لم يقتصر تزييف التاريخ من طرف نظام الجنرالات على العبث بالأرقام فقط، بل تم تحريف الأحداث أيضا. وصف الناطق بحال الخارجية الجزائريةأحداث 1963 بالحرب العدوانية المفتوحة من طرف المغرب. قد يُغفر نسيانالتاريخ لتلميذ غير نجيب نام خلال حصة الدرس و لم يستيقظ فأهدر زمنالتعلم، وسيدفع حتما ثمنه يوم الامتحان والله يغفر الذنوب جميعا. لكن، كيفلنظام أن يتناسى تاريخه و هو أمام اختبار أصعب، هو اختبار الأمانة والمصداقية ؟ كيف لهم أن يحرفوا التاريخ و يخونوا الذاكرة إلى هذا الحد، وهم كانوا من ركاب الدرجة الأولى في قطار الأحداث ؟ خيانة أمانة التاريخمن أعظم الذنوب التي يمكن للأنظمة ارتكابها في حق الشعوب، و توبة خيانةالأمانة لا تتم إلا برد المظالم على أهلها أو التحلل منهم، وما دام أصحابها لميسامحوا بها فإنها تبقى دينا في ذمة خائن الأمانة. خلافا للاعتقاد السائد في الجزائر، لم يكن حلم "المغرب الكبير" لعلالالفاسي سبب هذه الحرب. لم يتبنى المغرب أطروحة حزب الاستقلال ولميأخذها على محمل الجد حتى. الحقيقة أن الجزائر لم تف بوعودها، ففيحين التزم فرحات عباس عام 1961 بمراجعة الحدود الموروثة عن الاستعمار، حنث أحمد بن بلة العهد. كان المغرب يبحث عن تسوية عادلة لمشكلة الحدود الشرقية، فانتظر أن تنالالجزائر استقلالها لفتح باب المفاوضات. لم يرد الملك محمد الخامس مفاوضةفرنسا على الرغم من أنها عرضت على المغرب استعادة وحدته الترابيةشريطة وقف دعم الثورة الجزائرية. رفض محمد الخامس العرض الفرنسيإيمانا منه أن المشكل الحدودي سيحل مع السلطات الجزائرية بعد استقلالالجزائر عن فرنسا. نصت الاتفاقية الموقعة في الرباط في 11 يوليو 1961 من قبل الحسنالثاني وفرحات عباس على أن "حكومة جلالة ملك المغرب تؤكد دعمهااللامشروط للشعب الجزائري في نضاله من أجل الاستقلال واستكمالالوحدة الترابية"، و على أنها "ستعارض بكل الوسائل أي محاولة لتقسيمالأراضي الجزائرية". في المقابل، اعترفت الحكومة الجزائرية بمشكلة "الترسيم التعسفي للحدودبين البلدين من طرف فرنسا، والتي سيتم إيجاد حل لها خلال مفاوضات بينحكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر المستقلة. وتحقيقا لهذه الغاية ، قررتالحكومتان إنشاء لجنة جزائرية مغربية ستجتمع في أقرب وقت ممكنلدراسة وحل هذه المشكلة بروح من الأخوة والوحدة المغاربية ". يمكن للنظام الجزائري اليوم تحريف الوقائع و الكذب على الموتى، لكن ليسبمقدوره مسح حبر التواقيع عن بصماتهم، و سيبقى غدر النظام الجزائريبالعهد والميثاق وصمة عار لن يمحوها التاريخ مهما حاولوا. ذهب بيان الجارة الشرقية إلى أبعد من ذلك، حين ادعى أن "الجزائر ترفضالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية مهما كانت الظروف". فمن ياترى الدولة التي جعلت من ترابها "قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيمودعم سلسلة من الاعتداءات الممنهجة" كما تدعي الخارجية الجزائرية ؟ ومن الدولة التي تحتضن وتسلح وتمول و تدعم جبهة البوليساريو لغرض واحدهو عرقلة مسيرة المغرب ؟ من الدولة التي جعلت من المغرب هاجسها الأول، والتي حاولت يائسة أن تفرض أطروحة الانفصال أمام المجتمع الدولي، حتىسالت مطالبهم من مجارير الأممالمتحدة ؟ لا يخفى عن أحد أن تقسيم المغرب شكل المبدأ التوجيهي الرئيسي لسياسةالجزائر الخارجية منذ الاستقلال. جيء برؤساء ثم عزلوا أو سفكت دماؤهم، تعاقبت الحكومات وقضت أجيال و نشأت أجيال أخرى، و لم يتغير شيئ فيسياسة الجزائر الخارجية. لقد "اتفَقوا على توحيد الله وتقسيم الأوطان"، استشهادا بقول الشاعر محمد الماغوط. عجبا لدولة لا توحدها إلا الحروب و يمزقها السلام، و ها هي اليوم تبحث عنحرب لصرف أزمتها الداخلية. نترك للنظام الجزائري الحنين للماضي وخيانة الذاكرة و الطوابير و الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة، فللمملكةمسيرة تنموية تمضي فيها قدما، و هي غنية عن جورة صناديق البريد المقفلةو سياسة العين والمخرز.