يأتي الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة، استكمالا للتدابير والقرارات التي تم اتخاذها بتوجيهات ملكية سامية، منذ ظهور الحالات الأولى للإصابة بفيروس كوفيد 19 بالمغرب، وطيلة الأشهر الماضية. فبعد المبادرة مبكرا، بإحداث صندوق خاص لمواجهة جائحة كوفيد 19، (ودعم ملايين الأسر المتضررة) وما تعكسه من بعد نظر، وبعد القرارات التي أعلن عنها جلالة الملك في خطابي العرش وذكرى 20 غشت، يتضمن هذا الخطاب قرارات وازنة، لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصاديةوالاجتماعية لهذه الأزمة، التي يعرفها المغرب والعالم. وهو بذلك يعكس المنظور الملكي المتكامل، ويحمل إجابات عملية، تجسد المذهب الملكي في الحكم، الذي يقوم على التلازم بين تحقيق النمو الاقتصادي، والنهوض بالمجال الاجتماعي، مع الحرص على اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المحاسبة بالمسؤولية، خاصة في القطاع العام. إنعاش الاقتصاد في مقدمة أسبقيات المرحلة : يؤكد جلالة بأن الخطة التي تم اعتمادها لهذا الغرض، تهدف لدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار وخلق فرص الشغل والحفاظ على مصادر الدخل. وفي هذا الإطار، فقد استفادت من آلية القروض المضمونة من طرف الدولة إلى حد الآن، ما يزيد من 20 ألف مقاولة مغربية، بما يقارب 26 مليار و100 مليون درهم. وهو ما مكن هذه المقاولات من الصمود أمام هذه الأزمة، ومن تخفيف آثارها، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على مناصب الشغل. ولضمان شروط نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، قرر جلالة الملك إحداث صندوق خاص للاستثمار الاستراتيجي. وقد تفضل جلالته بإطلاق إسمه الكريم عليه "صندوق محمد السادس للاستثمار". كما وجه بتخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيآت التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية ؛ مع الارتكاز على صناديق قطاعية متخصصة تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، وحسب حاجيات كل مرحلة. ويشكل إطلاق إسم جلالة الملك على هذا الصندوق ضمانة إضافية ويضفي عليه المزيد من الإشعاع، لتحفيز الشركاء الوطنيين والدوليين لمواكبة تدخلاته والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص. كما يعكس الدور الريادي المنتظر منه في النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد المغربي. ولأن الأزمة الحالية قد أثرت في نفس الوقت على جميع القطاعات، واستحضارا للتوازن بين المجال الحضري والعالم القروي، وفي إطار العناية الموصولة التي يخص بها هذا الأخير، فقد أكد جلالة الملك على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، وضرورة دعم هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يدعو جلالة الملك لتحفيز الاستثمار والتشغيل في المجال الفلاحي، وتثمين المنتوج الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، لاسيما من خلال ما توفره عملية تعبئة المليون هكتار من الأراضي الجماعية من فرص وإمكانات. وهو ما سيساهم في خلق القيمة المضافة (نقطتين إضافيتين سنويا من الناتج الداخلي الخام)، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات القادمة. تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة : يحرص جلالة الملك دائما على أن يكون للتطور الاقتصادي تأثير ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين، والعمل علي تحقيق العدالة الاجتماعية. لذلك، ما فتئ يؤكد على ضرورة تمكين جميع المغاربة من الحماية الاجتماعية، باعتبارها عماد صيانة الكرامة الإنسانية وتوطيد التماسك الاجتماعي، وحماية الفئات الهشة، خاصة خلال فترة التقلبات والأزمات الاقتصادية، وفي حالات الطوارئ الصحية، كالتي يشهدها المغرب والعالم حاليا. وهو مشروع كبير وغير مسبوق، يهدف لتمكين كل مغربي أينما كان، وكيفها كان نوع العمل الذي يمارسه (سواء في التجارة أو الفلاحة أو السياحة أو الصناعة التقليدية...) من تغطية اجتماعية شاملة، بمكوناتها الأربعة : • التغطية الصحية الإجبارية (22 مليون مستفيد إضافي وتهم مصاريف التطبيب والدواء والاستشفاء والعلاج) ؛• الاستفادة من التعويضات العائلية (حوالي سبعة ملايين طفل متمدرس) ؛• الانخراط في نظام التقاعد (حوالي خمسة ملايين مغربي يمارسون عملا ولا يتوفرون على معاش) ؛• الاستفادة من التأمين على التعويض عن فقدان الشغل (كل المغاربة الذي يتوفرون على عمل قار). اعتماد الحكامة الجيدة وإصلاح القطاع العام : يؤكد جلالة الملك على أن نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، في كل مراحل إنجازه، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؛ والمؤسسات العمومية يجب أن تعطي المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها. ونظرا للأهمية الاستراتيجية لهذه المؤسسات والمقاولات، دعا جلالة الملك للقيام بمراجعة جوهرية لهذا القطاع، وهو ما يعني عمليا دراسة الجدوى من وجود بعضها (حذف بعض المؤسسات العمومية التي استوفت شروط وجودها، وتقليص الدعم المالي للبعض الآخر)، وفعالية أجهزة الحكامة والتنسيق فيما بينها (تجميع بعض المؤسسات التي تتكامل مهامها) من أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة والتكامل بين وظائفها، والمزيد من الفعالية والإنتاجية، وتوجيه موارد الدولة إلى عمليات أقوى وقعا اقتصاديا واجتماعيا. وفي نفس الإطار، يتطلع جلالة الملك للدور الهام الذي ستقوم به في هذا المجال، الوكالة التي ستشرف على مساهمات الدولة وتتبع أدائها، التي دعا إلى إحداثها في خطاب العرش. كما دعا جلالته الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية وجعلها أكثر جاذبية، وذلك لتجاوزالنقائص ووضع حد للاختلالات التي تعرفها عملية التعيين، وتحصينها من الاستغلال الحزبي والسياسوي، وتغليب معايير الكفاءة والاستحقاق. وفي ختام هذا الخطاب، يؤكد جلالة الملك بأن هذه الأزمة غير المسبوقة، تقتضي تعبئة غير مسبوقة أيضا، وتضافر جهود الجميع ؛ داعيا كل المؤسسات والفعاليات الوطنية للارتقاء إلى مستوى هذه المرحلة وتطلعات المواطنين. كما يشدد جلالته على أن المسؤولية مشتركة، والنجاح إما أن يكون جماعيا لصالح الوطن والمواطنين، أو لا يكون ؛ معربا عن ثقته في قدرة المغاربة على رفع هذا التحدي في إطار الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي.