عادت الرسائل والرسائل المضادة بين الحزبين الغريمين العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار لتطفو على السطح من جديد، بعد أن هدأت عاصفة التنابز السياسي بينهما التي فجرها تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية حول المحروقات، ووصلت إلى حد الإسفاف والنزول بالأخلاق السياسية إلى الحضيض، وفق ما أكده عدد من المتتبعين للشأن السياسي المغربي. فقد اختار القيادي في “البيجيدي” مصطفى الرميد الرد على الاتهامات التي كالها رئيس حزب “الحمامة” لحزب “المصباح” حين حمله مسؤولية الأزمة التي تفجرت بين الحكومة وفئة التجار بسبب اعتماد نظام “الفوترة”، وقال الرميد في تدوينة له على موقع “فيسبوك” نشرها أمس، مخاطبا عزيز أخنوش ومعقبا على بيان المكتب السياسي للتجمعيين “اطلعت على بلاغ المكتب السياسي لحزبكم الصادر بتاريخ 11يناير 2019 بالناظور، وكان مثيرا طريقة حديثكم عن موضوع (الصعوبات التي يعاني منها التجار) حيث لم تترددوا في تحميلها كاملة للحكومة السابقة والحالية”. وأضاف الرميد “لقد جاءت صيغة البيان وكأن حزبكم يقع خارج الحكومة لا داخلها، حزبا أجنبيا عن التدبير الحكومي، وليس حزبا له وزراء يتحملون النواة الصلبة من المسؤوليات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بالموضوع، (وزير الاقتصاد والمالية ووزير الصناعة والتجارة)”. ولم تتوقف تدوينة القيادي في “البيجيدي” عند هذا الحد بل أمعن في تفكيك عناصر البلاغ الذي أصدرته الهيئة التنفيذية لحزب التجمع الوطني للأحرار عقب اجتماعها الأخير بمدينة الناضور. وقال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان في حكومة العثماني، مخاطبا التجمعيين بصفة عامة وعزيز أخنوش بصفة خاصة “وإذا كنتم مصرين على أنكم غير معنيين بتدبير القطاعين المذكورين ونتائج هذا التدبير بإيجابياته وهي كثيرة، وسلبياته والتي تبقى قليلة، فإنكم بذلك تهدمون مبدأ أساسيا من مبادئ الديموقراطية، التي اعتمدها الدستور المغربي، وهو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة”. ورفع الرميد من حدة الخطاب وهو يسائل قيادة حزب “الحمامة” بالقول “إذا كنتم في التجمع الوطني للأحرار غير مسؤولين عن تدبير وزرائكم، فمن المسؤول إذن عنهم وقت تقديم الحساب في زمن الانتخابات؟” وإذا كان مصطفى الرميد الذي عمل في وقت سابق إلى جانب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على احتواء الأزمة التي اندلعت بين الحزبيين جراء تصريحات عبد الإله بن كيران المهاجمة لأخنوش وحديث عبد العزيز أفتاتي عن توظيف الأحرار لما سماه ب”المال الحرام” في الانتخابات، فإن خروجه الشخصي للرد على التجمعيين عبر تدوينة متاح للعموم الاطلاع عليها وليس عبر قنوات الحوار الثنائية أو عبر اجتماع رؤساء الأغلبية، يحمل في طياته إشارة قوية تؤكد بأن استمرار التحالف الحكومي أصبح على كف عفريت. وقد يفهم من تدوينة الرميد أيضا بأن حزب العدالة والتنمية الذي تلقى ضربات قوية وصفعات متتالية جراء تعاقب الفضائح الخلاقية لقيادييه، يبحث عن مخرج يمكنه من خلاله إعادة تبييض صورته التي تضررت وأضرت بشعبيته، بفعل انكشاف زيف وازدواجية خطاباته ونهجه للنفاق السياسي، وقد يكون هذا المخرج هو التصعيد في وجه التجمع الوطني للأحرار الذي يحاول بدوره التملص من أخطاء الحكومتين السابقة والحالية اللتين استحوذ فيهما على القطاعات المهمة، وتحميلها ل”البيجيدي”. في أفق فك الارتباط بينهما وإعادة خلط الأوراق من جديد. والأكيد أن الحرب التي تستعر نيرانها السياسية بين الغريمين، في كل وقت وحين، لن تتوقف بينهما مثلما لم تتوقف من قبل لأن الحزبين وهما حليفان في الأغلبية الحكومية الحالية، غابت عنهما دقة المرحلة والحاجة إلى تدبير الزمن السياسي بما يتطلبه ذلك من ترسيخ أسس التضامن بين مكونات الحكومة خدمة للوطن والمواطنين. أما وهما يضعان نصب أعينهما استحقاقات الانتخابات التشريعية المقبلة، في صراع سياسوي حول من يسقط الآخر ويقنع الناخبين بأنه الأجدر بقيادة حكومة 2021 فإن ذلك ما يعتبر استهتارا بمصالح الوطن والمواطنين. فهل يمكن في الأخير القول بأن بلاغ المكتب السياسي لحزب “الحمامة” وتدوينة الرميد هما بمثابة رصاصة الرحمة التي وجّهاها نحو صدر الإئتلاف الحكومي؟