تحت استغراب وسخرية الكثير من الحاضرين في اجتماع طنجة بين الحكومة والمنتخبين، فاجأ محمد البشير العبدلاوي، عمدة المدينة، الحاضرين بالحديث عن مقبرة الكلاب الموجودة في طنجة، والتباهي بأن المدينة التي يسير شؤونها تتوفر على هذه “المعلمة التاريخية” ويحق لها أن تفتخر بذلك. ومحمد البشير العبدلاوي، الذي طلب الكلمة ليشتكي من عدم التأشير على ميزانية بلديته، وليعلن اعتزازه بالكلاب النافقة ومقبرتهم، هو في الحقيقة لاعب كرة قبل أن يحوله انتماءه للعدالة والتنمية إلى عمدة على مدينة طنجة التي يعتز المغاربة كونها من أجمل مدن المملكة، وكونها جسرا رابطا بين أفريقيا وأوروبا. والمعروف عن هذا المنتخب أنه حركي ديني حتى النخاع، وأنه تنقل بين أحضان عدد كبير من الجماعات الإسلامية في المغرب، وكأن الانتماء إلى هذه الحركات هواية، وليس إيمانا بالمبادئ والمرجعيات. وهكذا فقد طاف العبدلاوي بين أحضان ”الشبيبة الإسلامية”، ثم ”جميعة الجماعة الإسلامية”، ف”حركة التجديد والإصلاح”، وكذا ”حركة التوحيد والإصلاح” التي ينسق شؤونها حاليا بالشمال. والغريب أن اهتمام العبدلاوي بالكلاب النافقة وبمقبرتهم بطنجة، أنساه ربما أوضاع سكان المدينة، وأحوالهم، وهم الذين أشعلوا الشموع أمام منازلهم، احتجاجا على الفواتير الغالية للماء والكهرباء، والأثمنة الباهظة للمعيشة، وصعوبة التنقل داخل مدينتهم التي يتقاسم العبدلاوي تسيير شؤونها مع إلياس العماري، رئيس الجهة. أما المقبرة التي يتباهى بها عمدة طنجة، فقد تم إحداثها في بداية الأربعينيات، حين تطوع مواطن إنجليزي، كان يسكن في طنجة، بقطعة أرض تخصص للكلاب والقطط النافقة، وبالتالي فصاحب الأرض ليس مسلما، وأغلب الذين كانوا يدفنون كلابهم وقططهم هم إما مسيحيي أو يهوديي العقيدة، كما تشهد بذلك ساكنة المنطقة القريبة من واد إيهود حيث توجد المقبرة. مثل هذه المعطيات تدفعنا إلى التساؤل عن سر العلاقة الجديدة التي أصبحت تربط منسق “حركة التوحيد والإصلاح” و”حزب العدالة والتنمية” بالكلاب؟ هل هو توجه جديد أم انفتاح على طقوس معتنقي عقائد أخرى؟. ولعل عمدة طنجة الذي أضحك أعضاء الحكومة والمنتخبين، تحت أنظار زعيم حزبه، قرأ ما كتبه الفايسبوكيون عن هذه الفضيحة الجديدة التي لحقت بحزبه. فالفيسبوكيون واجهوا العمدة بالمقولة الشهيرة “الله يعطينا وجهك” وهذا يذكرنا ببيت شعري لابن الرومي: وجهك ياعمرو فيه طول وفي وجوه الكلاب طول فأين منك الحياء قل لي يا كلب والكلب لا يقول فالكلب واف وفيك غدر ففيك عن قدره سفول والمغربي يعرف جيدا أن الكلاب وفية تجاه صاحبها، لكنها غير مؤتمنة المزاج والتصرف، ولذلك فهو يشتم خصمه بقوله “دين الكلب” أي أن الكلب لا عقيدة له في حين أصل هذه المقولة هي “ذيل الكلب” وليس “دين الكلل”، لأن العرب يضربون المثل بمن لم يصلح حاله، بأنه يشبه ذيل الكلب الذي لا يستقيم. ولعل عمدة طنجة الذي يبدي اهتماما بالكلاب، ويتفاخر بوجود مقبرة لهم بطنجة، انشغل في البحث عن أصول وأنواع الكلاب المدفونة في تلك المقبرة، في إطار سياسة جديدة لبلدية طنجة، أو ربما ل”حركة التوحيد والإصلاح” أو ل”حزب العدالة والتنمية”، أولعل هذه الجهة أو تلك تنوي الدفاع عن حق الكلاب في الإدلاء بصوتها في الانتخابات (هاو هاو هاو) فالكلب إن تضربه يعوي وإن تتركه ينبح، إذن فالاستفادة من صوته قد تفيد، علما أن الكلب لا يصبح حصانا حتى ولو قطعت ذنبه، لكن حزب العدالة والتنمية أبهرنا بالفتاوى والبدع العجيبة التي جعلتنا في حيرة من أمرنا هذه الأيام. ومن غرائب التفسيرات التي أعطيت لكلام عمدة مدينة طنجة، هي قول البعض إن الفضيحة القادمة قد يجسدها كلب من الكلاب، وقد ينقلب قياديو العدالة والتنمية إلى هواة لتربية الكلاب ذات الأثمنة الباهضة في فيلاتهم الفخمة “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ”. ولا يخفى على العمدة الذي اعطى انطلاقة سياسة الاهتمام بالكلاب، ربما على حساب البشر، أن الغرب قال في حكمه انه خير للإنسان أن يضع أمامه أسدا جائعا على أن يضع وراءه كلبا خائنا، والله تعالى يقول “وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”. وفي زمن يتم فيه تسيير شؤون العباد بما يشبه تسيير شؤون الكلاب، يحق للكاتب أن يقول أن لا خلاف بين تجسيم عيوب هؤلاء، إلى أن تشبه عيوب الزواحف والحشرات وحتى الكلاب، وأنا لا أعرف كيف لم يفكر عمدتنا في تخصيص مقبرة للزواحف والحشرات تخليدا لقصيدة الشاعر محمد بن إبراهيم وما قاله في المطعم البلدي: إذا كان في كل أرض ما تُشانُ به = فإن طنجةَ فيها المطعمُ البلدي أخلاق سكانها كالمسك في أرج = بعكس أخلاق رب المطعم البلدي يأتيك بالأكل و الذبانُ يتبعه = و كالضباب ذباب المطعم البلدي وفي زمن لم يكن فيه للمنتخب أو العمدة مكانة في المجتمع، هجا بديع الزمان الهمداني قاضي المدينة بهذين البيتين: الكلب أحسن حالة وهو النهاية في الخساسة ممن تصدى للرياسة قبل إبان الرياسة أما المتنبي قد هجا الوالي كافور الاخشيدي بما هو أقسى وأشد: من اية الطرق يأتي مثلك الكرم أين المحاجم يا كافور والجلم جاز الألى ملكت كفاك قدرهم فعرفوا بك أن الكلب فوقهم ولعل خير ما أسداه عمدة طنجة في حديثه عن الكلاب، أنه حول وجهة هذا القلم الظريف، ليكتب بعيدا عن حجاب أمينة ماء العينين، التي يبدو أنها انزعجت من موقعنا “برلمان.كوم”، فألقت بالحجاب وراء ظهرها، في ما يشبه التحدي والصلح مع الذات، في عهد حزب المبادئ والمرجعيات: قوم إذا استنبحت الكلاب ضيفهم قالوا لأمهم بولي على النار فبخلت بالبول أن تجود به وبالت لهم حين بالت بمقدار وأخيرا، نحيي عمدة طنجة على جرأته وخفة دمه، فلولاه لنسينا أن لطنجة مقبرة للكلاب وللقطط، ولولاه لما عدنا إلى أجمل ما قاله العرب في الكلاب تشبيها وهجوا: هوالكلب وابن الكلب والكلب جده ولا خير في كلب تناسل من كلب