في يوم 26 من شهر رمضان انتصر المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين، وحرروا مدينة القدس بعد أن ظلت تحت سيطرتهم 90 عاما. بداية.. احتل الصليبيون القدس عام 1099م، وكان الإقطاعيون الصليبيون والفرسان قد نصَّبوا أنفسهم أمراء وملوكا على تلك المناطق، ولبثوا فيها أسبوعا يقتلون فيه المسلمين، وقتلوا ما يزيد على 70 ألفا منهم، وجماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعامتهم. وكان المسلمون في ذلك الوقت مختلفين، فبذل نور الدين كل جهده لتوحيد المسلمين في جبهة واحدة، لطرد الصليبيين من ديار الإسلام وردهم إلى بلادهم، فوحد الشام ومصر، ثم مات، فأكمل صلاح الدين هذه المهمة العظيمة. وكان صلاح الدين فارسا يجيد فنون الحرب والقتال وقيادة الجيوش، فنهض ليكمل مسيرة البطولة وطرد الغزاة المستعمرين، واشتبك مع الصليبيين في معارك طاحنة، وفتح مدنا كثيرة، أنقذها من الكفار؛ ففتح يافا وصيدا وجبيل وعكا وعسقلان وما يجاورها، وذلك ليعزل القدس عما يجاورها، استعدادا للمعركة الفاصلة. استعد صلاح الدين لهذه المعركة ووضع لها خطة حربية محكمة، وقام بتجهيز قواته، وتولى بنفسه قيادة الجيش وتقدم إلى مدينة طبرية فحاصرها ونقب بعض أبراجها، ولكن المسلمين انتصروا عليهم، وسقطت المدينة بيد صلاح الدين في ليلة واحدة. كان الصليبيون متجمعين في معسكر صفُّورية قرب مدينة عكا، وهو أفضل الأماكن الملائمة للقتال لأن الماء متوفر مع المراعي للخيول، وإذا انحصروا فالبحر وراءهم تأتيهم منه النجدات والمؤن. خاض صلاح الدين المغامرة وقام بمهاجمة الصليبيين في معسكرهم في صفورية، وهذه المغامرة كان يظن الكثير أن تكون فاشلة وأن تكون فرص النجاح فيها ضعيفة، لكنه وهو القائد الناجح كانت له وجهة نظر أن يستدرجهم ويخرجهم من مخبئهم. وبالفعل نجحت خطة صلاح الدين، فبعد أن احتل طبرية، خاف الصليبيون على القدس، فعقدوا اجتماعا وقرروا فيه التخلي عن معسكرهم في صفورية، والتوجه لملاقاة صلاح الدين. سار صلاح الدين بجيشه عبر التلال حتى بلغ حطين، وهي قرية كثرت فيها المراعي والمياه، في الوقت الذي كان فيه الصليبيون قد غادروا حدائق صفورية وجنانها ومراعيها ومياهها وشقوا طريقهم في تلال جرداء، لا ماء ولا شجر، ولا ظل ولا موارد لخيولهم على امتداد الطريق، فاشتد الإحساس بالظمأ لدى الرجال والخيول. في ذلك الوقت كانت كمائن المسلمين تهاجم مقدمة الجيش الصليبي ومؤخرته، وأمطروا قلب الجيش بالسهام. وصل الصليبيون إلى هضبة حطين الجافة، بينما كان المسلمون معسكرين في الوادي المعشب، وكانت معنوياتهم منهارة تماما، عندما تم تطويقهم تطويقا كاملا، ثم بدأ المسلمون الهجوم. اشتد الصراع بين الطرفين، فلقي كثير من الصليبيين مصرعهم منذ الهجمة الأولى عليهم، وفضل كثير منهم الأسر، ولكن الفرسان منهم استماتوا في القتال وأظهروا شجاعة نادرة مستميتة، وصمدوا لحملات المسلمين عليهم، غير أن أعدادهم كانت تتناقص بعد كل هجمة من هجمات المسلمين، وبدأت قوتهم بالانهيار. بعد أن سيطر صلاح الدين على الأوضاع استعد الصليبيون للدفاع عن القدس، وكان هرقل يتولى هذا الدفاع، ويساعده من نجا من حطين، وحشدوا بالقدس جموعا كثيرة حتى لا يملك المسلمون بيت المقدس. أخذ الجيش موقعه على جبل الزيتون، واندفعوا إلى العدو وهجموا عليه هجمة رجل واحد، فأزالوهم عن مواقعهم، ووصلوا إلى الخندق فجاوزوه والتصقوا بالسور، وأخذوا في نقبه قرب باب العمود، قرب المكان الذي دخل منه جود فري المدينة قبل 88 سنة، يوم دخل الصليبيون القدس في الحملة المشؤومة، وزحف الرماة لحماية المهندسين الذين يحفرون النقب، والمنجنيقات توالي الرمي لتكشف الفرنجة عن الأسوار، واستمر النقب ثلاثة أيام فحدثت ثغرة كبيرة بالسور. واشتدت المعارك واحتدم القتال، وطلب الصليبيون الصلح فأبى صلاح الدين، ثم جددوا هذا الطلب فاستشار أصحابه وقادة حربه، فأشاروا عليه بقبول الصلح. بعد ذلك استسلم الصليبيون لصلاح الدين، ولم يعاملهم بالمثل، ثم تسلم المسلمون القدس من الصليبيين بعد أن ظلت بحوذتهم 90 عاما.