تعتبر الميزانية أهم أداة بيد الحكومة لبلوغ أهدافها التنموية، فهي انعكاس لتوجهاتها على مستوى كل من السياسة الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة، والأولويات المقررة من خلال الاعتمادات المرصودة، بالإضافة إلى المجهود المالي للدولة في تدبير الشأن العام وتنفيذ السياسات القطاعية؛ فإذا كانت الميزانية عبارة عن أرقام إلا أنها في الواقع تخفي خطة عمل إجرائية لتفعيل سياسات معينة. وتتجلى المهمة الأساسية للميزانية من خلال ثلاث أبعاد : البعد المالي ويهدف إلى تحقيق توازن بين المداخيل والنفقات؛ بعد اقتصادي يهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام يحافظ على التوازنات الأساسية؛ وأخيرا بعد اجتماعي يروم توزيع المداخيل والثروات بما يكرس التضامن ويخفف من التفاوتات الاجتماعية والمجالية.[1] وأمام التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة على الخصوص بأثر عولمة الاقتصاد على الموارد والتكاليف العمومية، إضافة إلى تراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتقلبات أسعار النفط، لم تعد المقاربة التقليدية لتدبير الميزانية قادرة على مواكبة هذه التغيرات، فكان لابد من اتخاذ مجموعة من الإصلاحات الجذرية تهدف إلى تحديث التدبير المالي، وهكذا تم اعتماد مقاربة جديدة لتدبير الميزانية في العديد من الدول المتطورة كالولايات المتحدة (1990)، وبريطانيا (1993)، وفنلندا وفرنسا وهولندة (2001).[2] وسيرا على النهج الدولي نحو إصلاح الميزانية لمواكبة التطورات الدولية والداخلية، قامت السلطات العمومية المغربية منذ حكومة التناوب بإصلاحات هيكلية تهم تحديث ميزانية الدولة؛ فما هي دواعي التوجه نحو سياسة تحديث وإصلاح الميزانية؟ وإلى أي حد استفاد المغرب من التجارب الدولية في هذا المجال ونخص بالذكر هنا التجربة الفرنسية؟. وللإحاطة بهذا الموضوع، ارتأينا تناولها من خلال محورين أساسيين، الأول سنتطرق فيه لدواعي الإصلاح وبوادره الأولى في كل من فرنسا والمغرب، في حين سنتطرق في الثاني إلى آليات تفعيل الإصلاح في كليهما.
المبحث الأول: دواعي إصلاح الميزانية ومحاوره الإستراتيجية في كل من فرنسا والمغرب قبل بداية الحديث عن أي إصلاح لابد من دوافع ومسوغات تدعوا أصحاب القرار إلى اتخاذ التدابير الكفيلة بإنجاح الإصلاح، والميزانية ليست استثناء ذلك أن التاريخ أتبث أنه من الضروري تحديثها وملاءمتها مع المتطلبات؛ لذلك سنحاول الوقوف في هذا الإطار على أهم الأسباب التي أدت بكل من فرنسا والمغرب إلى التفكير بانتهاج مقاربة جديدة في تدبير ميزانيتيهما (المطلب الأول)، إضافة إلى أهم البوادر الأولى التي تم التركيز عليها في هذا الإصلاح (المطلب الثاني). المطلب الأول: دواعي إصلاح الميزانية في فرنسا والمغرب لقد عرف كل من فرنسا والمغرب مجموعة من الإكراهات والصعوبات التي واجهت التدبير المالي، منها ما هو اقتصادي وقانوني وسياسي أيضا؛ وهكذا أدت مجموعة من الأمور إلى ضرورة قيام إصلاح جدري في فرنسا من بينها : – جملة من الثغرات القانونية التي كانت تكتنف هذا القانون التنظيمي للمالية لسنة 1959 على اعتبار أن هذا الأخير قد صدر خلال الفترة الانتقالية لوضع مؤسسات الجمهورية الخامسة طبقا للفصل 92 من الدستور الفرنسي[3] الصادر في 4 أكتوبر 1958 و الواقع أن ما يؤاخذ على هذا القانون هو انه تم إصداره في غياب البرلمان و عدم عرضه على المجلس الدستوري بالرغم من أن له قوة القانون التنظيمي؛ – تجاوز مقتضيات الدستور فيما يتعلق بمسألة الرسوم شبه الضريبية ففي الوقت الذي ينص فيه الفصل 34 من الدستور على أن ” القانون يحدد الأحكام المتعلقة بتحديد الوعاء و السعر و طرق تحصيل الموارد كيفما كان نوعها ” فإنه طبقا الفصل 4 من قانون 1959 تخرج الرسوم شبه الضريبية من نطاق تطبيق الفصل 34 المذكور أي أنها لا تدخل في مجال القانون و تندرج ضمن سلطات الحكومة و هو ما يتعارض مع الدستور؛ – إغفال دور الدولة في تمويل و تأطير الضمان الاجتماعي بالرغم من أهمية هذا الدور فضلا عن اتساع مفهوم الإدارات العامة على مستوى الاتحاد الأوروبي، بحيث يشمل هذا المفهوم بالإضافة إلى الدولة الضمان الاجتماعي و الجماعات الترابية؛ – عدم القدرة على مسايرة التحولات المترتبة عن بناء الاتحاد الأوربي و ما نتج عنه من انعكاسات خاصة بالنسبة للتدبير المالي لأعضاء هذا الاتحاد. ورغم التعديلات التي دخلت على هذا القانون، إلا أنها كانت تعديلات مسطرية لم تمس جوهر القانون. أما بالنسبة للمغرب، فقد انخرط المغرب في مسلسل الإصلاح الجبائي والمالي الذي عرفته مجموعة من بلدان العالم والذي أملته ظروف اقتصادية وسياسية وقانونية، يمكن إجمالها في الآتي: وجود منظومة قانونية معقدة وغير منسجمة ولا تلبي الحاجيات الراهنة، تعتمد أساسا هشا كما تتميز بمحدوديتها، فقد أدّى الحرص المتزايد على توفير الضمانات الأساسية لحماية المال العام من التبذير وسوء التسيير إلى تعدد النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بتدبير المالية العمومية من جهة وإلى تعدد المتدخلين في مسلسل هذا التدبير من جهة ثانية[4]. ذلك إن الخاصية المميزة للنظام القانوني المالي المغربي تتجلى في تعدد نصوصه وتنوعها وتعقد إجراءاتها المسطرية، بل ويضاف إلى ذلك كثرة المناشير والدوريات التي تحرص الإدارة على إصدارها كلما صادفها غموض أو جمود مقتضياته، غير عابئة بما تخلقه هذه المناشير من إخلال بالمراكز القانونية للأفراد مخلة بمبدأ “استقرار المعاملات”. وحيث إنه غير خفي ما قد يثيره تضخم هذه الترسانة القانونية الخاصة بالمالية العمومية في بلادنا، قد تصل حدّ تنازع هذه النصوص وتضاربها ليس بالنسبة للأفراد فقط، بل حتى بالنسبة للإدارة ممّا ينجم عنه عدم اهتمام كلي بشكليات التصرف في المال العام يقابله ضعف على مستوى مضمونه والغاية منه[5]. وبالرجوع إلى النظام المقارن مجسدا في التجربة الفرنسية التي أدخلت تعديلات جذرية على قوانين المالية بداية من سنة 1970 إلى غاية سنة 2004 التي همّت تعديلاته القانون التنظيمي المؤرخ في 1 غشت 2001، فإننا نسجل أن النظام المالي المغربي حافظ على استقرار مقتضياته وقواعده بالرغم من أن معظمها أصبح متجاوزا وعديم الجدوى بفعل المناشير والدوريات الكثيرة التي كانت تصدرها الإدارة، فأخلّ بالتالي بطريقة تدبير الميزانية التي كانت تنشد إصلاحا جوهريا يتميز بالعقلنة والترشيد. فيما اتسم أيضا نظام المحاسبة الحالي في فرنسا بعدّة عيوب نحددها في الاتي[6]: * الاقتصار على منطق الصندوق دون أية مقاربة حقيقية للتسيير المالي. * استجابة المخطط المحاسبي لحاجيات وزارة المالية أكثر من حاجيات القطاعات الوزارية الأخرى التي تتطلع إلى ممارسة مهام فعلية في مجال التسيير المالي. * بطء وتيرة تسجيل العمليات المحاسبية لعدم اعتبار العمليات بكيفية مندمجة منذ الالتزام بها. * الارتكاز على مصنفة للميزانية من إعداد وزارة المالية ولا تسمح بتطوير الآليات الضرورية لتسيير عملياتي من طرف الآمرين بالصرف. * غياب الاهتمام بالمعلومات المتعلقة بالأصول المادية وانعدام الاهتمام بتحليل التكلفة، وبالتالي غياب الاختيار الأمثل للاستثمارات. كما يعتبر المجال المالي من بين المجالات الأكثر تأثرا بظاهرة العولمة الاقتصادية، وذلك نتيجة التأثير المباشر على موارد الدولة ونفقاتها، والارتباط القوي للاقتصاد المغربي بالاقتصاد العالمي، نتيجة السياسة اللبرالية للدولة، والانفتاح على الأسواق العالمية. إن العولمة الاقتصادية والمالية تجعل المغرب معرضا لتأثيرات وتقلبات الأسواق الدولية، والتي قد تتحول إلى مصدر تهديد للتوازنات المالية والماكر واقتصادية، فالنشاط الاقتصادي أصبح يخضع لتحكم الشركات المتعددة الجنسيات والتكتلات الاقتصادية الكبرى[7]، وهو ما أدى وسيؤدي إلى نتيجة حتمية تتمثل في التأثير على ميزانية الدولة سواء بالنسبة للموارد أو النفقات.
المطلب الثاني: البوادر الأولى للإصلاح انطلق إصلاح تدبير الميزانية في المغرب بداية من 2001 مع الرسالة التوجيهية للوزير الأول التي تدعو إلى تبني المقاربة الجديدة للميزانية المرتكزة على النتائج وتبسيط المساطر ودعم سياسة اللاتركيز الإداري[8]، والذي جاء نتيجة حتمية لتقرير البنك الدولي المؤرخ في مارس 1995 والذي تضمن توصية بضرورة مراجعة أنظمة تدبير المالية العمومية، كما يجد مبرره في موجة الإصلاحات التي عرفتها مجموعة من الميزانيات المقارنة وخاصة فرنسا التي خطت نحو مجموعة من الإصلاحات على المستوى المالي تزامنا مع إصلاح إداري وتقني، فقد تم تعديل القانون التنظيمي للمالية لسنة 1959 بمقتضى القانون التنظيمي المؤرخ في 1 غشت 2001، حيث تركز الإصلاح على توسيع سلطات البرلمان في مجال تدبير الميزانية وعلى اعتماد منطق النتائج في تدبير هذه الأخيرة، إضافة إلى مسألة قياس الأداء وتوسيع مسؤولية الآمرين بالصرف عير شمولية الاعتمادات. قفي أكتوبر 1998 أقدمت الجمعية الوطنية في أكتوبر 1998 على إحداث فريق للعمل حول” فعالية النفقة العامة و المراقبة البرلمانية” و بالفعل تمكن هذا الأخير من انجاز وتقديم تقرير في 27 يناير 1999، و لعل أهم الاستنتاجات التي توصل إليها هذا الفريق أو بالأحرى التي تضمنها هذا التقرير هي كما يلي : * ضعف مساهمة البرلمان في الرفع من فعالية النفقة العامة. * غياب شفافية المساطر المالية. * غياب الإرادة الحقيقية لمراقبة النفقات العامة فضلا عن غياب و سائل تقييم الأداء. وعلى إثر هذا التقرير اتضحت الرؤية، و تبين لدى كافة الأطراف الفاعلة في حقل المؤسسات السياسية بفرنسا على أن الشروط أصبحت ناضجة للإصلاح قانون 1959، وبالفعل شرع مجلس الشيوخ في إعداد دراسة حول مراجعة القانون المذكور و ذلك منذ بداية 1999، وهكذا و في 19 أكتوبر 2000 تم تقديم تقرير حدد فيه هدفين أساسين لهذه المراجعة هما : * تحديث التدبير العمومي . * إعادة التوازن بين سلطات الحكومة و البرلمان في المجال المالي. ولقد ساهم في هذا الانجاز المناخ السياسي الذي كان سائدا ، و الذي كان يتميز بنوع من التعايش بين رئيسي الجمهورية آنذاك جاك شيراك و الأغلبية الحكومية الاشتراكية برئاسة ليونيل جوسبان ، في التوافق بين كل الفاعلين على اعتماد هذا المقترح و المصادقة عليه من طرف كل من الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ بعد قراءة ثانية لكل منهما كما أقر المجلس الدستوري بمطابقته للدستور في قراره رقم 448-2001 بتاريخ 25 يوليوز 2001، و على اثر ذلك تم إصدار القانون التنظيمي للمالية الجديد تحت رقم 692 بتاريخ فاتح غشت 2001
وتفاديا أيضا للسلبيات التي اتسم بها نظام المحاسبة الحالي لجأ المشرع الفرنسي في القانون التنظيمي للمالية السالف الذكر إلى مراجعة الإطار المحاسبي للدولة عن طريق استنباط قواعد المحاسبة العمومية كلما كان ذلك ممكنا من المحاسبة المطبقة في القطاع الخاص، وتبعا لذلك فإن سن القواعد المحاسبية الجديدة ارتكز بالأساس على اقتباس أهم ما تزخر به الأنظمة العالمية من قواعد وممارسات في المجال المحاسبي من أجل تحديث التدبير المالي مع الأخذ بعين الاعتبار للطبيعة الخاصة لتدخلات الدولة[9]. في المغرب وبالنظر إلى العامل الزمني والذي لم يسمح باتباع نفس المنهجية الفرنسية، نظرا لصعوبة اللجوء إلى إلغاء القانون التنظيمي للمالية الصادر سنة 1998 وإصدر قانون جديد خصوصا بعد إصدار القانون التنظيمي الفرنسي لسنة 2001، حيث اكتفت الحكومة باعتماد مقاربة جديدة لتدبير الميزانية من خلال اقتباس بعض المساطر المالية، كما تم إقرارها في فرنسا دون الاهتمام بالجوانب المتعلق بإعادة التوازن بين البرلمان والحكومة في المجال المالي. وقد تم الاعتماد في ذلك على بعض النصوص التنظيمية وبعض المراسيم والتي تبقى قيمتها القانونية ضعيفة، وبالتالي لا ترقى إلى تأطير إصلاح في حجم وأهمية المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية المبحث الثاني: آليات تفعيل الإصلاح في التجربتين المغربية والفرنسية بعدما تطرقنا في المحور الأول إلى مسوغات الإصلاح ومحاوره الاستراتيجية في كل من فرنسا والمغرب، ارتأينا التطرق في هذا الإطار إلى الآليات التي تم اعتمادها لتفعيل إصلاح الميزانية خصوصا على مستوى المنظومة القانونية والرقابية. المطلب الأول: تفعيل الإصلاح في المغرب على ضوء التجربة الفرنسية استندت التجربة الفرنسية في مجال إصلاح الميزانية على مدخل قانوني تجسد أساسا في وضع قانون تنظيمي جديد للمالية، يرمي من جهة إلى تحديث التدبير العمومي، ومن جهة أخرى إلى تقوية سلطات البرلمان في المجال المالي[10] وخاصة كل ما له علاقة بالميزانية. ورغم صدور هذا القانون التنظيمي في غشت 2001 فإنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا في فاتح يناير 2006، فقبل هذا التاريخ كانت الصلاحيات المرتبطة بتحضير و التصويت و تنفيذ الميزانية منظمة بالقانون التنظيمي للمالية لسنة 1959. هذا الأخير جاء محكوما بسياق ” العقلنة البرلمانية” للجمهورية الخامسة.كما لم يصوت عليه البرلمان ولم يخضع لرقابة المجلس الدستوري، لذلك فقد جاء بصلاحيات مهمة لصالح السلطة التنفيذية على حساب البرلمان، كما انه تأسس على مفهوم مسطري فيما يتعلق بالنفقات دون الأخذ بعين الاعتبار كل تصور وظيفي للنفقات يقوم بربطها بهدف objectif و بمهمة mission محددة[11]. يضاف إلى ذلك غموض مجموعة من المقتضيات أو عدم تدقيق بعض المساطر. و أمام هذا الغموض اتسع نطاق الممارسة بكيفية أصبح معها من الصعب أحيانا الإلمام بنطاق العمل المالي للحكومة أو تحديد مداه[12]. وهكذا، فنظرا للثغرات التي شابت القانون التنظيمي للمالية لسنة 1959، ظهرت الحاجة الى عملية تحول جذري على مستوى القواعد الموازنية والمحاسبية للدولة والتي ظلت دون تحول يذكر منذ أكثر من أربعين سنة. من هنا تولد الاقتناع وساد التوافق حول ضرورة إصدار قانون تنظيمي جديد للمالية كمدخل لهذا الإصلاح؛ الذي يعتبر نقلة نوعية في الوظائف الجديدة للدولة من حيث اعتماده على مقاربة جديدة في مجال تدبير الأموال العمومية، ووضع البرامج التنموية التي تخدم شريحة واسعة من المواطنين من خلال إعادة تقسيم الميزانية إلى مجموعة من المهام التي بدورها تنقسم إلى مجموعة من البرامج التي تنقسم إلى أنشطة ومشاريع. كذلك تم منح المسؤولين عن هذه البرامج حرية أكبر في التصرف في الاعتمادات مقابل الالتزام بتحقيق الأهداف التي تقاس عبر مؤشرات الأداء[13]. وهكذا تم الانتقال من القانون التنظيمي لسنة 1959 الذي ينظر إلى نفقات الميزانية كوسائل تمويلية دون ربطها بأهداف يجب العمل على بلوغها إلى منطق ميزانية الأهداف والنتائج. على هذا الأساس فإن القانون التنظيمي للمالية لسنة 2001 حاول التأسيس لثقافة جديدة تقوم من جهة على تحديث التدبير العمومي وإعادة هيكلة الميزانية بعيدا عن التعقيد والجمود، ومن جهة أخرى على إعادة التوازن بين الحكومة والبرلمان في المجال المالي[14]. أولا: تعزيز سلطات البرلمان يعد إعادة الاعتبار لسلطات البرلمان في المجال المالي من أهم محاور إصلاح الميزانية بفرنسا، حيث عمل هذا الإصلاح على إعادة هيكلة الميزانية من خلال تعديل طرق تبويبها، فبدل اعتماد ميزانية البنود تم تصنيف الميزانية حسب المهام والبرامج مما يسهل قراءة القانون المالي من طرف البرلمانيين[15]. وينتج عن توفر البرلمانيين على معطيات سهلة القراءة تطور النقاشات البرلمانية حول قوانين المالية، وبروز نقاشات تنصب حول السياسات العمومية وتقييم الأداء. كما تم أيضا تعزيز دور البرلمان في إعداد وتنفيذ الميزانية ومراقبتها، وتقوية دور اللجان البرلمانية في هذا المجال. وعلى العموم يمكن الإشارة إلى المستجدات التي جاء بها القانون في المظاهر التالية[16]: – إمكانية أعضاء البرلمان اقتراح نقل الاعتمادات داخل نفس البرنامج ومن برنامج إلى آخر، أو اقتراح إحداث برامج جديدة داخل نفس المهمة. غير أن إنشاء مهمة جديدة لا يمكن أن يتم إلا بمبادرة حكومية.[17] – تعزيز سلطات البرلمان في مجال الرقابة على عمليات تنفيذ الميزانية، فالبرلمان سيراقب مدى تحقق أهداف هذه البرامج عبر مؤشرات أداء محددة مسبقا داخل البرامج. وستلعب لجنة المالية الدور الرئيسي في هذه المراقبة عبر تتبعها المستمر لعمليات تنفيذ الميزانية ومدى فعالية استعمال الأموال العمومية بحيث يجوز لها استجواب أشخاص تختارهم، والقيام بتحقيقات وثائقية ميدانية وكذلك استلام مختلف الوثائق الإدارية والمالية التي تحتاجها بما فيها تقارير تفتيش الإدارات.[18] – دعم ضمانات الالتزام بمدى الترخيص البرلمانيعن طريق تقييد إمكانية الحكومة في المس بمدى هذا الترخيص.حيث أصبحت صلاحياتها في مجال تغيير طبيعة الاعتمادت بواسطة نصوص تنظيمية تنحصر في نطاق سقف لا يمكن تجاوزه[19]. ثانيا: من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف يعد تدبير الميزانية على أساس النتائج من أهم المحاور الكبرى لإصلاح الميزانية،[20] وذلك خلافا للمقاربة التقليدية التي كانت سائدة في تدبير الميزانية والمرتكزة على منطق الوسائل حيث كان الهدف هو صرف الاعتمادات واحترام المساطر في حين يهدف منطق النتائج إلى فعالية النفقات العمومية واستهداف تحسين عيش المواطنين. ولتحقيق هذه الفعالية يتمتع المدراء بقدر كبير من الحرية في استخدام الاعتمادات والتصرف في الميزانية مقابل التزامهم بتحقيق الأهداف والبرامج، وهكذا أصبح صاحب كل برنامج يلتزم عند تقديمه لتحقيق أهداف محددة في مقابل حرية التدبير التي تمنح له، وكذا الالتزام بتقديم حصيلة النتائج المحصل عليها. وتبعا لذلك أصبح من اللازم تتميم الملاحق التفسيرية المرفقة بمشروع القانون المالي والمتعلقة بكل وزارة بمشروع سنوي لإنجاز البرامج يتضمن بصفة خاصة تقديما للأعمال والتكاليف المرتبطة به والأهداف المتوخاة والنتائج المحققة والمتوقعة خلال السنوات القادمة بالقياس إلى مؤشرات محددة.[21] ولتحقيق هذه الأهداف يتم تحديد السبل والوسائل الأكثر فعالية في تحقيقها، ووضع برنامج على أساس مشاريع وأنشطة متعددة السنوات مع وصف للمسؤوليات عن طريق تعبئة الموارد البشرية والمادية والمالية، ومن بعد ذلك يتم تقييم كل برنامج وتخصيص الموارد العامة لتنفيذه عبر أقساط سنوية ويتم تقييم مدى تحقق هذه الأهداف انطلاقا من المؤشرات المحددة مسبقا.[22] إن تطبيق القانون التنظيمي للمالية الجديد في فرنسا منذ 2006 قد حقق نتائج مهمة، اولها يرتبط بعقلنة التدبير العمومي وكذا تسهيل قراءة السياسات العامة، بسبب أن النفقات لم تعد تعرض بحسب طبيعتها ( نفقات تسيير، نفقات استثمار…) ولكن بحسب الأهداف والمهام (الأمن، الثقافة، الصحة، العدل…)[23]. إذا كان إصلاح منهجية تدبير الميزانية في فرنسا قد ارتكز على قانون تنظيمي للمالية جديد، حدد توجهات هذا الإصلاح ونظم مساطره وآلياته، فإنه في بلادنا اقتصر الأمر على الترويج لإصلاح المنهجية المذكورة في ظل قانون تنظيمي للمالية تكرس مقتضياته المنهجية التقليدية لتدبير الميزانية، وهو ما لم يسمح ببلورة إصلاح حقيقي لهذه المنهجية فضلا عن ضعف قيمة المرجعية القانونية للإصلاح المنشود[24]. والمعروف أن التشريع المالي المغربي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتشريع الفرنسي، لكن ورغم ذلك فالعامل الزمني لم يسمح باتباع نفس المنهجية الفرنسية، نظرا لصعوبة اللجوء إلى إلغاء القانون التنظيمي للمالية الصادر سنة 1998 وإصدر قانون جديد خصوصا بعد إصدار القانون التنظيمي الفرنسي لسنة 2001، حيث اكتفت الحكومة باعتماد مقاربة جديدة لتدبير الميزانية من خلال اقتباس بعض المساطر المالية، كما تم إقرارها في فرنسا دون الاهتمام بالجوانب المتعلق بإعادة التوازن بين البرلمان والحكومة في المجال المالي. وقد تم الاعتماد في ذلك على بعض النصوص التنظيمية وبعض المراسيم والتي تبقى قيمتها القانونية ضعيفة، وبالتالي لا ترقى إلى تأطير إصلاح في حجم وأهمية المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية[25]. حيث تم ابتداء من سنة 2001 الشروع في مسلسل تحديث المساطر المتعلقة بإعداد وتنفيذ قانون المالية، ومن بين هذه النصوص التنظيمية نجد: – منشور الوزير الأول الصادر في 25 دجنبر 2001، وتم فيه الربط بين دعم اللاتركيز الإداري وتدبير ميزانية الدولة وتضمن هذا المنشور الإعلان عن اتخاذ مجموعة من التدابير على مستوى المساطر المالية ابتداء من سنة 2002[26]. – المرسوم الصادر في 31 دجنبر 2001 المتعلق بتعديل المرسوم رقم 2.98.401 الصادر في 26 أبريل 1999، والمتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، وتضمن هذا التعديل تبسيط مسطرة تحويل للاعتمادات من سطر إلى آخر داخل نفس الفقرة في فصل الميزانية المتعلق بنفقات المعدات المختلفة، ويندرج هذا التبسيط في إطار شمولية الاعتمادات[27]. – منشور الوزير الأول رقم 12/2001 بتاريخ 25 دجنبر 2001 والمتعلق بتكييف برمجة وتنفيذ ميزانية الدولة لإطار اللاتمركز. – منشور وزير المالية والخوصصة رقم E/483 بتاريخ 28 فبراير 2002 المتعلقة بإجراءات تطبيق المادة 17 من المرسوم رقم 2676.01.2[28]. إضافة إلى مجموعة أخرى من النصوص القانونية التي عملت الحكومة من خلالها على إدخال إصلاحات على المنظومة القانونية المتواجدة أصلا بغية مسايرة تدبير الميزانية وفق مقاربة جديدة[29]. ومهما كانت أهمية هذه النصوص والوثائق، فإنها لا ترقى إلى مستوى الإطار القانوني الملائم لتأطير إصلاح جوهري لتدبير الميزانية، وذلك لأن مضامين النصوص الصادرة توجه فقط لإصلاح بعض المساطر الإدارية لتنفيذ الميزانية، وهي تدابير داخلية للحكومة، في حين أن المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية لاتهم الحكومة بمفردها، بل لا بد من تدخل البرلمان[30]. هذه المسألة تداركها المشرع المغربي ولو نسبيا من خلال دستور 2011، حيث تم من خلاله تعزيز وتقوية دور البرلمان في المجال المالي سواء من خلال الدراسة والمناقشة والتصويت، أو من خلال مراقبة تنفيذ الميزانية[31]. بعد هذا الإصلاح الدستوري الهام، أصبح الحديث أكثر جدية حول ضرورة إصلاح القانون التنظيمي للمالية، هذا الإصلاح الذي استهدف كما رأينا سابقا 3 محاور أساسية، والمتمثلة في: تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي، تقوية شفافية المالية العمومية، وأخيرا تعزيز دور البرلمان في مناقشة الميزانية. إضافة إلى هذه الإصلاحات التي همت المنظومة القانونية، كان لابد بالموازاة مع ذلك إصلاح منظومتي الرقابة المالية والجبائية أيضا. فعلى مستوى الرقابة المالية، فقد حدد القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية[32] ، اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات، كما تضمن الدستور المغربي الجديد في بابه العاشر مجموعة من الفصول[33]تبرز وتوضح الأدوار والاختصاصات المنوطة بهذا المجلس، حيث تنص على سبيل المثال الفقرة الأولى من الفصل 147 على أن:”المجلس الأعلى للحسابات هو الهبأة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاله.” وفيما يتعلق بإصلاح النظام المحاسباتي للدولة، فمن بين أهدافه نجد إعادة تحديد تعاملات الدولة بشكل شمولي، وإعداد معلومات محاسباتية ذات مصداقية وسريعة، وتسهيل مراقبة المالية العامة وترشيد تدبير مالية الدولة. حيث أن هذا الإصلاح يقوم على ثلاثة مكونات تمكن من إتاحة مجال واسع للمعلومات المالية والمحاسباتية، منها بصفة خاصة محاسبة الميزانية التي تعكس احترام موافقة البرلمان، والمحاسبة العامة التي تتجاوز مجرد التحصيل والصرف، ومحاسبة تحليلية للتكاليف. أما على مستوى المنظومة الجبائية وتقرير لسلسلة الإصلاحات التى طالت المنظومة القانونية لتدبير المال العام بالمغرب اتخذت عدة إصلاحات في مجال السياسة المالية والجبائية خلال السنوات الأخيرة وذلك من اجل تعزيز الموارد الجبائية وترشيد النفقات العمومية، وهكذا تم وضع كتاب المساطر الجبائية خلال سنة 2005 وأخر خاص بالوعاء والتحصيل ستة 2006.ثم تتويج هذه المجهودات بوضع المدونة العامة للضرائب خلال قانون المالية لسنة 2007 بهدف تنسيق وتبسيط وتجميع التدابير المتعلقة بالوعاء والتحصيل والمساطر المتعلقة بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة…إلخ[34]. فإصلاح النظام الجبائي أصبح يشكل أولية ملحة من أجل تحديثه حتى يتأهل لموجهة تحديات العولمة التي تفرض حتما مراجعة النظريات والمبادئ الجبائية التي ترسخت في ظروف جد مختلفة، وبالفعل فإنه مند بداية الألفية الثالثة تراجعت وظائف الدولة وأدى تطور التكنولوجيا ت الحديثة إلى تغيير طرق الإنتاج وإلى تغيير أساليب البيع والشراء والاستهلاك وهو ما أدى إلى تغيير طبيعة المادة الضريبية وإلى عدم ثباتها في مكان معين وتبعا لذلك أصبح من المفروض وضع نظام جبائي حديث يتلاءم مع المتطلبات الجديدة للقرن الواحد والعشرين. ويبدو أن هذه المقاربة الإصلاحية بالمغرب لم يتحكم فيها المنظور الشمولي، فهي تعطي الأفضلية لمرتكز النفقات العمومية على حساب المداخيل الجبائية. فهذه الحدود وغيرها، تعكس الثغرات التي تعتري المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية والتي لا يمكن تجاوزها إلا بالتزام سياسي حقيقي على غرار ما تحقق بالنسبة للنموذج الفرنسي، حيث عبر الوزير الأول الفرنسي آنذاك ليونال جوسبان بتاريخ 16 مارس 2000 عن رغبته في إصلاح القانون التنظيمي للمالية لسنة 1959 لتقوم الجمعية الوطنية، على ضوء التقارير المنجزة بخصوص هذا الموضوع، بطرح مقترح تعديل هذا القانون التنظيمي (مبادرة برلمانية عكس مشاريع الإصلاحات المالية التي غالبا ما يكون وراءها الجهاز التنفيذي) والمصادقة عليه من قبلها وكذا من قبل مجلس الشيوخ الذي عمل من جانبه على تدعيم مضمون هذا المقترح. وبعد تأكيد مطابقته للدستور من قبل المجلس الدستوري الفرنسي، أضحى القانون التنظيمي للمالية الجديد لفاتح غشت 2001 جسرا لتحقيق مطلب الحكامة المالية الجديدة للدولة. وفي ظل النطورات التي عرفها المغرب كما سبفت الإشارة، وكذا مع المطالب التي عبر عنها ممثلوا الأمة وعلى الخصوص رؤساء الفرق البرلمانية بالمغرب أثناء مناقشة مشروع القانون المالي للسنوات الأخيرة والقاضية بتجاوز محدودية البرلمان في التعامل مع مشاريع قوانين المالية في كل مراحلها وبالتالي ضعف سلطته المالية، بدأ العمل لإعادة النظر في القانون التنظيمي للمالية لسنة 1998 المغير والمتمم بالقانون التنظيمي رقم 14.00، وبالفعل فقد وضعت وزارة المالية مشروع إصلاح القانون التنظيمي وهو ما خصصنا له المطلب الموالي المطلب الثاني: المحاور الإستراتيجية المرتقبة لإصلاح القانون التنظيمي للمالية في المغرب
بالرجوع إلى التجارب الدولية[35]، فيلاحظ أن هناك تفاوت من حيث آليات ووثيرة تفعيل الإصلاح، إلا أنه يمكن الوقوف عند مجموعة من الأهداف المشتركة و المتمثلة أساسا[36]في: – تعزيز فعالية النفقات العمومية و تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين؛ – تحسين شفافية التدبير العمومي من خلال تحمل المدبرين مسؤولية النتائج المحققة؛ – ملاءمة إطار واليات الميزانية و المحاسبة مع مقاربة حسن الأداء. وفي إطار نهج المغرب لمقاربة جديدة لتدبير الميزانية فقد عمل بدوره على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير بهدف إصلاح ميزانيته مرتكزا على واقعه المالي والاقتصادي من جهة، وعلى التجارب الدولية ومنها الفرنسية بالتحديد من جهة أخرى. وقد همت هذه الإصلاحات مجموعة من المحاور الأساسية[37]: 1. تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي ؛ 2. تقوية شفافية المالية العمومية ؛ 3. تعزيز دور البرلمان في مناقشة الميزانية. الفقرة الأولى: تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي. يرمي اعتماد مقاربة حسن الأداء بالقطاع العمومي إلى تحسين فعالية ونجاعة التدبير العمومي وتعزيز جودة الخدمات العمومية من خلال توجيه التدبير الميزانياتي نحو بلوغ الأهداف المسطرة[38]. وقد تم في هذا الإطار التركيز على ثلاث نقط أساسية في هذا المجال، حيث سيتم الاعتماد على التوقع المتعدد السنوات في الميزانية من خلال إعداد قانون المالية على أساس برمجة متعددة السنوات، إعداد جميع الوزارات لبرمجة متعددة السنوات على مدى ثلاث سنوات يتم تحيينها سنويا، وذلك على أساس أهدافاستراتيجية مع الأخذ بعين الاعتبار التكاليف المرتبطة بالموارد البشرية، بالتسيير، بالاستثمار…، إدراج مرحلة جديدة في الجدول الزمني لقانون المالية خاصة بإعداد البرامج المتعددة السنوات، إضافة إلى تعزيز البعد الاستراتيجي لقانون المالية الذي سيحافظ على طابعه السنوي[39]. وفيما يتعلق بالنقطة الثانية، فهي ترتبط بربط النفقة العمومية بتحقيق النتائج، وذلك من خلال إعادة هيكلة تدبير الاعتمادات المرصودة. حيث سيتم وفق مشروع إصلاح القانون التنظيمي للمالية العمل على هيكلة الميزانية حول البرامج، أي بدل العمل بالمادة، الفقرة، السطر سيتم وفق الإصلاح الانتقال من البرنامج نحو الجهة إلى تحديد المشروع. كما سيتم الانتقال في هذا المجال من منطق الوسائل الذي يهدف إلى صرف الاعتمادات إلى منطق النتائج والذي يهدف نحو فعالية النفقات العمومية واستهداف تحسين عيش المواطنين[40]. حيث يستند منطق النتائج إلى تحديد الحاجيات والأولويات، حيث يصبح صرف الاعتمادات في ظل تركيز الميزانية على تحقيق النتائج مجرد وسيلة فقط وليس هدفا.وهو ما سيمكن من الانتقال تدريجيا من نظرة قطاعية و عمودية للبرامج إلى مقاربة مندمجة و متكاملة وأفقية( تترك لكل الوزارات و القطاعات) مما سيؤدي كنتيجة إلى ترشيد النفقات مع ضمان نجاعة أكبر في نوعية التدخل و في الأثر الناتج عنه[41]. كما يقوم هذا الإصلاح الذي يعتمد منطق النتائج على دعامتين أساسيتين هما: الدعامة الأولى و تتمثل في الإطار التنظيمي باعتماد ثلاث آليات هي شمولية الاعتمادات و التعاقد والشراكة؛ الدعامة الثانية تتمثل في إطار تحليل للواقع الاقتصادي والاجتماعي بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي، حيث تمت جندرة الميزانية[42]. هذه الأخيرة تم تعريفها على أنها مسلسل يتخذ من خلال إقرار سياسة أو مخطط أو ميزانية أو برنامج أو مشروع لتحليل الميزانية حسب النوع الاجتماعي ويقاس أثر الاعتماد المرصود بمدى تحسن ظروف عيش الساكنة المستهدفة وتأثير نتائج ذلك التحسن على النساء و الرجال والبنين والبنات. إذ تشكل جزءا من مقاربة مندمجة ومتناسقة تستهدف تحقيق الإنصاف والمصالحة والمساواة عبر التنسيق بين السياسات والبرامج والميزانية ، ويتعلق الأمر بإدماج تحليل النوع الاجتماعي في كافة مراحل برمجة و تنفيذ الميزانية. النقطة الثالثة التي ركز عليها في إطار تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي، هي اعتماد التقييم وتقديم الحسابات، حيث سيتم افتحاصات سنوية للأداء بشكل مشترك بين المفتشية العامة للمالية والمفتشيات العامة لباقي الوزارات، حيث سيتم العمل على تقييم نظام المراقبة الداخلية و تحليل البرامج انتقالا إلى تحليل المؤشرات و تتبع النتائج[43]. الفقرة الثانية: تقوية شفافية المالية العمومية سيتم في هذا الإطار تعزيز المبادئ الأساسية المنظمة للمالية العمومية[44]، وذلك من خلال إدراج مبدأ صدق الميزانية بشكل صريح في القانون التنظيمي لقانون المالية، مع الالتزام بالمبادرة إلى تقديم قوانين مالية تعديلية حين حصول تغيرات في أولويات الاستحقاق وإفراز مبدأ صدق المحاسبة من خلال حصر مجموع أنشطة الدولة وممتلكاتها وتتبع تطوره وإنتاج معلومات محاسبية موحدة مع إفراز المحاسبة التحليلية وقياس وتقييم الأداء[45]. كما سيتم أيضا العمل على إدراج المؤسسات والمنشآت العامة في مجال القانون التنظيمي لقانون المالية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فقد تم اعتماد قواعد مالية جديدة من أجل تعزيز التوازن المالي وشفافية تدبير الميزانية، من خلال إضفاء طابع المحدودية على اعتمادات الموظفين وإشراك الإدارات في إنجاز توقعات كتلة الأجور وتنفيذها في علاقة مع تدبير موظفيها؛ إضافة إلى منع تفعيل تدابير مراجعة الأجور التي لم تكن موضوع توقع أو ترخيص في إطار قانون المالية، كما سيتم أيضا العمل على منع إدراج نفقات التسيير بميزانية الاستثمار من أجل ضمان مزيد من الانسجام مع المحاسبة الوطنية وقدر أكبر من شفافية تدبير الميزانية[46]. ومن جهة ثالثة، سيتم العمل على تبسيط قراءة الميزانية، مما سيمكن من تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة من 6 إلى 4، وهي الحسابات المرصودة لأمور خصوصية والتي يشترط لإحداثها تخصيص موارد أخرى غير تلك المتأتية من ميزانية الدولة، وحسابات الانخراط في الهيئات الدولية، وحسابات العمليات النقدية، وحسابات التمويل. كما سيتم اشتراط تبرير موارد ذاتية متأنية من الخدمات التي تقدمها المصلحة لإحداث مرفق للدولة مسير بصورة مستقلة[47].
الفقرة الثالثة: تعزيز وتقوية دور البرلمان في مناقشة الميزانية أبانت الممارسة مدى ضعف تدخل البرلمان في تدبير المال العام سواء تعلق الأمر بمرحلة إعداد قوانين المالية والتصويت عليها، أو من خلال تتبع وتنفيذ الميزانية والرقابة عليها، إلا أنه ومع الدستور الجديد لسنة 2011، فقد تم توسيع نسبي لصلاحيات هذه المؤسسة بالمقارنة مع الدساتير السابقة. ومن هذا المنطق يقتضي الأمر تعزيز صلاحيات البرلمان لمواكبة التدبير المالي، حيث سيتم في هذا الإطار العمل على مراجعة الجدول الزمني لإعداد مشروع قانون المالية من خلال إدراج مراحل جديدة، كمرحلة التشاور وإخبار البرلمان باختيارات وأولويات الميزانية، وذلك قبل تقديم مشروع قانون المالية؛ أيضا التصويت على قانون المالية التعديلي من طرف البرلمان في أجل إجمالي يصل إلى 20 يوما من تاريخ إيداعه من طرف الحكومة في مكتب مجلس النواب، مع مراجعة الجدول الزمني للدراسة والتصويت على مشروع قانون التصفية، حيث سيتم إعداده سنة بعد تنفيذ قانون المالية والمصادقة من طرف البرلمان في أجل 6 أشهر من تاريخ إيداعه[48]. سيتم إغناء المعطيات المقدمة للبرلمان من طرف الحكومة من خلال إضافة تقارير جديدة مرافقة لمشروع قانون المالية منها: تقارير حول المساعدات العمومية ونفقات المقاصة، تقارير وزارية حول الأداء وتقرير سنوي حول الأداء وتقارير لافتحاص الأداء لكي ترفق بمشروع قانون التصفية[49]. وإضافة إلى كل ذلك يتطلب تعزيز دور البرلمان ضرورة مراجعة التصويت على قانون المالية، وذلك وفق المهمات عوض التصويت عليها وفق الفصول[50]. كما لابد أن تصاحب هذه الإجراءات تخصيص دورات تكوينية في التدبير المالي لفائدة البرلمانيين مع التركيز خصوصا على أعضاء لجنتي المالية في كلا المجلسين، ووضع هيئة استشارية متخصصة رهن إشارتهم. خاتمة : إذا كان المفهوم التقليدي للميزانية القائم على منطق الوسائل قد عجز عن مسايرة التحولات في عالم متغير وسريع التطور في شتى المجالات، بما يضمن الاستفادة من الموارد المحدودة و استخدامها استخداما امثل، فإن الاتجاه نحو تطوير الميزانية كأداة لتحقيق السياسات العامة قد أصبح توجها سائدا وسط الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، وإن اختلفت التجارب هذا المجال أداء ونتيجة. أما في المغرب فإن التجربة الفرنسية في مجال إصلاح الميزانية شكلت مثالا حاولت بلادنا ان تستند عليه من اجل تحديث تدبير ميزانيتها، وإذا كانت فرنسا انطلقت من القانون التنظيمي للمالية لسنة 2001 كمدخل للإصلاح منهية بذلك ما يزيد عن أربعين سنة من العمل بالقانون التنظيمي السابق وبكل ما رافقه من عيوب وثغرات؛ فإن محاولة المغرب اعتماد مقاربة جديدة في تدبير وإصلاح الميزانية قد تمت وفقا لآليات لارتقى إلى هذا الإصلاح من خلال اقتصاره على مجرد مناشير و قرارات حكومية. إن إصلاح القانون التنظيمي للمالية أصبح الآن ضرورة ملحة، خاصة بعد المستجدات التي جاء بها الدستور الجديد في الميدان المالي، والتي لم يعد القانون التنظيمي للمالية 7.98 قادرا على تنظيمها؛ من هذه المستجدات ما ورد في الفصل 77 من أن البرلمان و الحكومة يسهران على الحفاظ على توازن مالية الدولة، كما يعقد البرلمان جلسة برلمانية كل سنة لتقييم السياسات العمومية ، في حين أن الفصل 75 يحيل على قانون تنظيمي للمالية لتحديد شروط التصويت عليه وكذا طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز مناقشة مشروع القانون المالي. وكل ذلك في إطار تعزيز سلطات البرلمان في المجال المالي وتقييم السياسات العمومية. يوسف جابر منير اليزيدي يوسف اليونس محبوب محمد