الخط : إستمع للمقال في لحظة من اللحظات التي تُعيد تشكيل الوعي السياسي العام، أطلق محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل وعضو القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، تصريحاً زلزل الأرض تحت أقدام الأغلبية الحكومية. هذا التصريح، الذي خرج من صُلب التحالف الحكومي نفسه، لم يكن مجرد زلة لسان، بل طلقة نارية وُجهت مباشرة إلى رأس الحكومة التي لم تستطع حتى الآن أن تُصغي للمغاربة أو تُحدث معهم لغةً يفهمونها. "أنا لي عليا درتو أن لا أترأس الأغلبية باش تسوليني هاد السؤال.. أنا لي عليا هو نوصل الرسالة كقطاع الاتصال"، بهذه الكلمات القوية اختار المهدي بنسعيد الرد على أسئلة الصحافية بالقناة الثانية سناء رحيمي، خلال حلوله يوم الخميس 23 يناير الجاري، ضيفاً على مؤسسة الفقيه التطواني، مشهراً في وجه حكومة أخنوش بطاقة حمراء تُنذر بأن التصدعات داخل التحالف الحكومي لم تعد مجرد شروخ صغيرة، بل باتت أقرب إلى زلزال يهدد بانهيار أركان البناء برمته. هذه الكلمات التي نطق بها وزير الشباب والثقافة والتواصل، بلغة التأكيد والجزم، ليست فقط اعترافاً شخصياً بالعجز، لكنها في حقيقتها إدانة جماعية لحكومة لم تفهم بعد أن التواصل ليس مجرد أداة إعلامية تُدار بعقلية شركات العلاقات العامة، بل هو جسر يربط بين الحكومة والمجتمع. حين يخرج عضو بارز في الحكومة لينتقد ضعف زملائه في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والفلاحة، فإن الأمر يتجاوز حدود النقد الداخلي ليُصبح شهادة رسمية على أن الحكومة قد فقدت بوصلتها الاتصالية والسياسية. ولكن، هل المشكلة في الوزراء أنفسهم أم في رئيس الحكومة الذي أطلق الوعود الكبرى ولم يُقدم سوى الصمت المطبق؟ عزيز أخنوش، الذي كان يُفترض أن يكون قائد الأوركسترا، يبدو اليوم وكأنه فقد القدرة على ضبط إيقاع فريقه الحكومي. كل وزير يغني على ليلاه، بينما المواطن المغربي يقف حائراً، تائهاً، يتلقى وعوداً لا تُسمن ولا تُغني من جوع. فالحديث عن ضعف التواصل الحكومي يقودنا إلى زاوية أشد ظُلمة، حيث تتوارى شركات التواصل الخاصة خلف الكواليس، تُدير اللعبة بحرفية متقنة، لكنها لعبة لا علاقة لها بحاجيات المواطن. شركات محسوبة على "الهولدينغ الأزرق"، تفوح منها رائحة المحروقات والمصالح الضيقة، أصبحت الذراع الخفية للحكومة. تُسخر هذه الشركات كل أدواتها لتلميع صورة عزيز أخنوش، بينما الواقع عارٍ تماماً. المواطن لا يريد حملات دعائية براقة تُخفي الإخفاقات، بل يريد خطاباً مباشراً، صادقاً، يُجيب عن أسئلته الملحة، ويرتقي إلى مستوى طموحاته اليومية والمستقبلية. أما الصحافة الحرة، التي كان يُفترض أن تكون الحارس الأمين للديمقراطية، فقد أُبعدت عمداً عن المشهد، بعدما أصبحت ضحية لهذه الآلة الدعائية التي تُملي الروايات وتُحاصر الأقلام الحرة بين مطرقة الإقصاء وسندان التهميش. فيما تُسيطر الماكينات الإعلامية المدفوعة بميزانيات ضخمة على المشهد، تُعيد صياغة الواقع بما يخدم أجندات قلة تتحرك داخل فلك أخنوش ومحيطه. وحتى شكاوى وصرخات المواطنين، التي يفترض أن تجد صدى في وسائل الإعلام الورقية والرقمية، أضحت تُواجه تجاهلاً ممنهجاً من قبل هذه المنابر الممولة، مما فتح الأبواب على مصراعيها لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي لتتحول إلى الملجأ الأخير للمغاربة، حيث تُعبّر أصواتهم عن المعاناة، وتجد مساحة لتداول مشاكلهم بعيداً عن أعين الإعلام المُقيّد. ووسط هذه العاصفة، يبدو حزب الأصالة والمعاصرة وكأنه يُحاول تبرئة ساحته من تركة ثقيلة تُهدد بإغراق المركب الحكومي برمته. هل نحن أمام تمرد صريح على قيادة أخنوش؟ أم أن الأصالة والمعاصرة يُدير تموضعاً سياسياً استباقياً، يهدف إلى إنقاذ صورته قبل انهيار محتمل؟ المؤكد أن تصريحات بنسعيد لم تكن مجرد كلمات، بل كانت رصاصة سياسية مُوجهة بدقة لإصابة قلب التحالف الحكومي. إن المشهد السياسي اليوم أكثر قتامة مما يُراد له أن يبدو، حيث أن حكومة أخنوش، التي جاءت بشعارات الإنصات والتغيير، تحولت إلى كيان يُعاني من الصمم السياسي. لغة الحكومة أصبحت أبعد ما تكون عن المواطن، ولا تُنتج سوى ضجيج يملأ الفراغ، دون أن يضع حلولاً حقيقية على الطاولة. فإذا استمرت حكومة أخنوش في غيّها، متجاهلة هذه الأزمة المتفاقمة، فلن يكون مصيرها مجرد موجة عابرة من الانتقادات، بل إعصاراً سياسياً يقتلع جذور هذا التحالف الهش، إذ أن هذه الحكومة، التي تتحدث بلغة الوعود المنمقة وتدير ظهرها لصراخ المواطن، تبدو كمن يتلاعب ببركان يوشك على الانفجار، حيث أن المغاربة ليسوا بحاجة إلى مزيد من الشعارات المعلّبة ولا إلى مسرحيات ترويجية تُنتجها شركات محسوبة، بل يريدون أفعالاً تُعانق همومهم، وقرارات تُحدث تغييراً حقيقياً في حياتهم اليومية، ووزراء يُحاكون نبض الشارع بدل أن يختبئوا في قصور الصمت. إن تصريحات المهدي بنسعيد كانت بمثابة شرارة فجّرت ما كان يُخفيه صمت حكومة أخنوش، لتكشف عن حالة من التصدع وانعدام الانسجام داخل الأغلبية، وتُرسل تحذيراً واضحاً بأن انهيار التحالف الحكومي بات أقرب من أي وقت مضى تحت وطأة الغضب الاجتماعي المتزايد. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل سيفهم أخنوش أن زمن التلكؤ والمراوغة قد انتهى، وأن المواطن المغربي لم يعد يقبل مزيدا من الوعود الفارغة والتجاهل المتعمد؟ أم أنها ستستمر في سيرها البطيء نحو هاوية سياسية مجهولة، متجاهلة أصوات المغاربة التي باتت تعلو في كل زاوية، باحثة عن من ينصت إليها؟ الوسوم أخنوش عزيز الأغلبية الحكومية المغرب محمد المهدي بنسعيد