لبى وفد عن فريق العدالة و التنمية بمجلس النواب نداء زيارة إلى قبائل أيت عبدي بزاوية أحنصال،بعد أسبوعين من لقاء جمعه بممثلي ساكنة المنطقة بمجلس النواب الذين نظموا بالعاصمة اعتصاما أمام البرلمان شهر يونيو المنصرم لتنبيه المسؤولين للوضعية المزرية التي يعيشونها و قد مثل النائبان عبد العزيز أفتاتي و عبد الكريم النماوي الفريق و تمكنا من الوصول إلى المنطقة في زيارة امتدت إلى أربعة أيام بعد محاولات مناضلي حزب العدالة و التنمية بجهة تادلا-أزيلال زيارة المنطقة شتاء هذا الموسم و التي حالت دون تحققها الثلوج الغزيرة. "كمين" السلطة المحلية قرب إملشيل : من مدينة بني ملال ، انطلق الوفد البرلماني لحزب العدالة و التنمية صباح الخميس الماضي 25 يونيو ، رفقة مناضليه بجهة تادلا-أزيلال ، مرورا بتاكلفت و أربعاء أقبلي و بوتفردة و إملشيل التابعة لإقليم ميدلت حيث تفاجئ بتصرف غير أخلاقي لخليفة مركز"بووزمو"التابع لإقليم ميدلت الذي قام بقطع الطريق بسيارة لاندروفير قبل أن يطلب من صاحب سيارة الوفد معلومات مفصلة عن الوفد البرلماني. لكن رزانة برلمانيي العدالة و التنمية حالت دون وقوع أي ردود من مرافقيهم.ليقوم الخليفة في النهاية بفتح الطريق أمام سيارة الوفد ،الذي قطع أزيد من 25 ساعة مشيا طوال الرحلة التي مرت عبر أمزاغروت زركان تاناتامين تافروات إميضر ماسكو وصولا إلى معبر أكردندوماز في ملتقى الطرق بين زاوية أحنصال و تيلوكيت . العزلة القاتلة : لم يكن الوصول إلى أيت عبدي زاوية أحنصال سهلا بل كان محفوفا بمخاطر وعورة الطريق و احتمال وقوع أعطاب في مناطق معزولة عن العالم الخارجي،إلا أن الرحلة نجحت بحمد الله و كانت تجربة قصيرة و معايشة ما تعيشه الساكنة على مر الأجيال من واقع مر و قاس. بوادر العزلة بدأت تظهر منذ وصول الوفد البرلماني إلى "أمزاغرو" القرية الصغيرة المعزولة التابعة لإقليم ميدلت . وصل الوفد إلى أول دوار بأيت عبدي"زركان" عند الساعة الثانية عشرة ليلا بعد أربع ساعات مشيا على الأقدام . استقبله عشرات المواطنين، الذين بدت في أعينهم فرحة كبيرة ممزوجة بنظرات تساؤل تصرخ احيانا ب" أرأيتم حقا كيف و أين نعيش؟". أغلب الذين التقينا هم بدت عليهم متاعب الحياة و صعوبتها، و استغل المواطنون الفرصة ليبوحوا بطلباتهم إلى برلمانيي العدالة و التنمية ، كان أبرزها بناء طريق يربط بين" امزاغرو" بميدلت و دوار زركان بأزيلال على طول 13 كلم لفك العزلة عن الدوار ، منها ست كلمترات فقط في نفوذ إقليم ازيلال مما يعني ضرورة تدخل و تنسيق بين عدة جهات لبنائه. لم يكن دوار زركان لوحده يعيش في عزلة بل تعتبر العزلة القاسم المشترك بين كل الدواوير "تناتامين" "إميضر" "تفراوت". كانت مطالب الساكنة كثيرة و كأن المنطقة حديثة التعمير. حيث تحتاج ساكنة زركان كما ساكنة تناتامين و تفراوت و إميضر إلى بناء طريق يفك العزلة عنها. فرغم انتظار بناء طريق إلى أيت عبدي يمر من أكرد ندوماز إلى أوجا اميضر وصولا إلى تافروات ، لايزال أمل ربط المنطقة بتيلمي بأيت حديدو قائما ، حيث تعتبر أقرب منطقة إلى أيت عبدي و تتميز باعتدال حرارتها وتتميز بكونها متنفسا لمربي الماشية في زمن العواصف الثلجية. و حسب ساكنة دواوير أيت عبدي فإن بناء طريق إلى تيلمي سينعش اقتصاد المنطقة و يجلب السياح و يسهل جلب و نقل المنتجات الفلاحية و حاجيات الساكنة من و إلى أيت عبدي. لكن الوفد البرلماني لم يكن يتوقعحجم العزلة عن المراكز الحضرية و غياب المستوصفات و توقف الدراسة منذ سنين و انعدام أية مؤسسة تشير لوجود الدولة المغربية هناك باستثناء مستوصف زركان و المقدمين و شيوخ القبائل. ناهيك عن غياب شبكة الريزو و حاجة الساكنة لالتقاط موجات الراديو و البث الأرضي لتتبع أحوال البلاد و العباد. و استمرار معاناة الساكنة في التنقل لمسافات كبيرة بحثا عن دار القاضي و مؤسسة الأمن الوطني حيث يكلف عقد الازدياد تكلفة أسبوع عمل في مزراع لوطا "أزغار". أما عقد الزواج فهو بدوره يكلف تنقل الزوج و الزوجة و الشهود لمسافات طويلة لأكثر من ثلاثة أيام مما يشجع الزواج "بالفاتحة" الذي لازالت الظروف الطبيعية تفرضه في أيت عبدي. أما إعداد البطاقة الوطنية فهي تكلف أزيد من سبعمائة درهم. سنوية العواصف المطرية و الثلجية. تتعرض منطقة أيت عبدي كل سنة لموجة من العواصف المطرية و الثلجية تختلف حدتها من سنة لأخرى،إذ قضى عدد من المواطنين نحبهم في السنوات الماضية و هم في الطريق لجلب المؤونة،كما توفيت عدد من النساء الحوامل بسبب غياب دور الولادة و المستشفيات و انعدام الإسعافات الأولية مما يعرض الأطفال للعديد من المخاطر التي تحول العزلة دون إسعافهم.. وينتصب الخصاص الطبي بالمنطقة معلنا خلو المنطقة ولو من ''الدواء الأحمر''، فالمنطقة تتوفر على مستوصف واحد بني سنة 1982 في قرية ''إميضر''، ولم يسبق له أن استقبل أي مواطن. باستثناء ما قامت به مندوبية الصحة بأزيلال بشراكة مع جمعية السكري في دجنبر الماضي، إذ نظمتا قافلتين طبيتين قدمتا علاجات للمرضى وأدوية، ما عدا ذلك، تغيب في أيت عبدي كل المعالم التي تشير إلى وجود الدولة، إذ لا وجود لطريق أو مدرسة أو مستوصف باستثناء ما تم بناؤه بزركان رغم افتقاده للتجهيزات اللازمة و الأدوية. سبات قاس صحبة الشاي و الخبز يمكث السكان بمنازلهم في وقت العواصف الثلجية بأيت عبدي، يتناوبون في كسح الثلوج بالليل والنهار من على سطوح منازلهم مخافة أن تهوي على رؤوسهم من ثقل الثلوج عليها. ويتجمعون حول المدفئة ويتبادلون أطراف الحديث في غياب التلفاز، فالنقل التلفزي الأرضي لا يصلهم، ويلتقطون موجات الراديو بصعوبة. ويفتقر أغلب سكان المنطقة إلى مستلزمات البرد والثلج لحماية أصابعهم وأجسامهم من شدة البرودة، عدد من الشهادات من المنطقة أقرت بأن عددا من المواطنين قطعت أرجلهم وأصابعهم بسبب برودة الثلج، وهم يحاولون جلب الدقيق إبان العواصف الثلجية، التي تجعل الكثيرين يتيهون وسط الجبال، وغالبا ما يموتون أو يتعرضون للإعاقة، وتفاديا لمثل هذه الحوادث المؤلمة، يلجأ السكان إلى اقتناء المؤن لادخارها لوقت الشدة، والتي لا تخرج عن الدقيق والسكر والشاي والشمع والزيت. فأبناء أيت عبدي حرمتهم العزلة والبعد عن الأسواق من أكل الفواكه والخضر واللحوم بشكل دوري، فلا مجال للحديث عن التنظيم والتنوع الغذائي والفيتامينات والبروتينات. فالثنائي الغذائي المعروف يظل هو الشاي والخبز أساسا. كهوف الألفية الثالثة. تسكن العديد من الاسر في كهوف المنطقة ليس عشقا لها، ولكن نظرا لقلة الإمكانيات.صاحب إحدى المغارات وهو موحى (56 سنة) متزوج وله خمسة أطفال، قسم المغارة إلى غرف تفصل بينها قطع من الحجر، وفي الجانب المسند على الجرف استغل ثقب الجدار الحجري لوضع بعض المستلزمات اليومية، وموحى الكساب الذي يسكن مغارته منذ ,1958 . عواصف قاتلة أتت على عدد من رؤوس ماشيته، ففي السنة الماضية نفقت أربعون من رؤوس الماشية التي يملكها، ولم يسبق لبناته وأبنائه أن ولجوا المدرسة. أما "العجوز بري حدو" روت بدورها للوفد البرلماني قصتها في الكهوف بإميضر مع حفيدها الكساب و زوجته و أطفالهما.و هي قصص لا تخرج عن ذكر تفاصيل عن حالات الحرمان الشامل و العزلة القاتلة للمنطقة عن العالم. طفولة بئيسة و حرمان من التعليم تعيش طفولة أيت عبدي حرمانا شاملا ، وأول مظاهر هذا الحرمان هو بُعدها عن المدرسة في مناطق وغيابها نهائيا في عدد من الدواوير، حيث حرم عدد منهم من التمتع بحقهم في التدريس،فقد توقفت الدراسة في المنطقة بشكل نهائي منذ 2005. فيما يشكل الاستثناء وجود المدارس في مناطق التجمعات السكنية؛ لكن بدون أطر تربوية، هذا المشكل يتحمل مسؤوليته الجميع من دولة ومجتمع مدني وغياب روح المواطنة لدى بعض رجال التعليم الذين يتم تعيينهم في منطقة أيت عبدي،في بداية الألفية الثالثة لكنهم يرفضون الالتحاق،حيث سجل بنيابة التعليم بأزيلال انقطاع عدد من المعلمين وتخليهم عن مناصبهم لعدم قدرتهم على تحمل قساوة طبيعة أيت عبدي في الفصل الممطر. حيث أطفال أيت عبدي كبروا بسرعة وأصبحوا رجالا قبل الأوان، وتحولوا إلى رعاة ومصادر عيش لأسرهم.. والتحقوا بطوابير الأميين الذين يعيشون بالمنطقة. حَرْزني يجيب ب"عدم التخصص". تتلقى عدد من ساكنة أيت عبدي التي مستها تجاوزات سنوات الرصاص بقلق كبير ردود المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حول طلباتهم بخصوص تجاوزات سنوات الرصاص حيث تلقوا وابلا من الأجوبة من المجلس تحمل عبارة "عدم التخصص" رغم أن هناك من المعالم التي تشهد على تعسفات سنوات الرصاص ففي منطقة إميضر أبت الساكنة إصلاح المباني التي دمرتها سنوات الرصاص لتبقى شاهدة على تجاوزات في حق أبناء المنطقة في انتظار الإنصاف ضمن مشروع جبر الضرر الفردي الذي لم ينصف الكثيرين منهم. و عن الجماعي الذي تتساءل الساكنة عن ضبابيته و عدم إنصافه للكثير من المتضررين.. ففي أحداث سابقة و على إثر اتهام أسرة أيت التوس في شخص شيخ القبيلة آنذاك" أداد حدو أومحا نايت التوس و إخوته" في أحداث 1960 و 1973 نالت منطقة إميضر بأيت عبدي التابعة لجماعة زاوية أحنصال خلال فترة سنوات الرصاص حظها من التعسفات و الاعتقالات القسرية و إتلاف و إحراق للمباني و مصادرة المواشي و إتلاف الممتلكات .و في إطار تضميد الجراح جاء مسلسل الإنصاف و المصالحة الذي لم ينصف بعد الكثير من أسر الضحايا.عدد من المتضررين يتساءلون حول مدى الجدية في إنصافهم و من الحالات رقية شاكو و أفراد من أسرة أيت التوس و عائلة أوداد و الزهير و عبيدي..مواطن من المنطقة عبر عن استيائه من قيمة التعويض عن زمن الانتهاكات حيث وصلت إلى ألف و خمسمائة درهم، أي أقل من قيمة كبش عيد الأضحى. أموات وحوامل و مرضى يقتسمون وسيلة نقل واحدة فصول حكاية وفاة العديد من النساء الحوامل في الطريق أصبح مألوفا لدى قبائل أيت عبدي، حيث تنقل النساء الحوامل على النعوش و يتناوب رجال المنطقة على حملهن على طول الطريق الجبلية الشاقة، وفي غالب الأحيان تقع الكوارث حيث توفيت العديد من النساء بسبب الوضع ، و أحيانا بسبب النزيف الذي يليه و أحيانا يفقدن مواليدهن نتيجة البرد القارس. لا ثقة في المسؤولين لم تفقد ساكنة أيت عبدي الثقة في المسؤولين بمحض رغبتها بل أجبرت على ذلك حيث تلقت على مدى عقود من الزمن وعودا كثيرة بفك العزلة عنها ،عبر عنها "موحا" من دوار تناتامين بقوله " نعيش على الوعود الكاذبة لعمال صاحب الجلالة على إقليم أزيلال ،لكن بالمقابل أكد أن أول من زارهم في عقر الدار العامل علي بويكناش ، بعد أن انتظروا تحقيق وعود والي جهة تادلا أزيلال التي تبخرت بعد سنتين من تعهده بزيارة المنطقة على متن الدواب أو طائرة الهلكبتر. لحسن أكرام أسبوعية المصباح عدد 255