جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    مدرب غلطة سراي .. النادي رخص لزياش بالرحيل    الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي تستعرض حالة تقدم الإنجازات التقنية والمالية برسم سنة 2024    الأمن الوطني يفكك 123 شبكة للهجرة السرية    قوات الأمن السورية تلقي القبض على "سفاح" سجن صيدنايا    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    قيادة "الجرار" تريد إيصال تعديلات مدونة الأسرة بسرعة إلى البرلمان بعد "اجتماع عاجل" مع أطراف الأغلبية    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاعد النسبي أو "La grande Evasion"

المصطفى سنكي : سجلت لوائح المستفيدين من التقاعد النسبي أرقاما قياسية غير مسبوقة، حيث يتوقع أن تقارب إذا لم تتجاوز عتبة الخمسة عشر ألف مستفيد ومستفيدة، وهو ما يطرح أكثر من سؤال تبريرا للإقبال الكبير على طلبات الإحالة على التقاعد في فترة حرجة تتسم بالخصاص المهول في نساء ورجال التعليم، وفي هيئة التدريس تحديدا، حيث يتوقع أن تقفز نسبة الخصاص بداية السنة الدراسية القابلة (2016/2017) إلى مستويات غير مسبوقة. ترى كيف يمكن تفسير هذا السلوك؟ وما هي تداعياته على المنظومة التعليمية وشعارات الجودة التي بشرت بها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح؟
بصرف النظر عن كون التقاعد النسبي حقا للموظف تضبطه قوانين ومساطر معلومة، يبقى هذا الإقبال/التهافت من قبل الشغيلة التعليمية مثيرا لتساؤلات تضع التدبير الإداري لقطاع حيوي في نهضة الأمم ورقيها في قفص الاتهام، لا سيما وهو يتزامن مع تنزيل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم التي راهنت على نساء ورجال التعليم لتفعيل مقتضيات الإصلاح باعتبارهم قطب رحى العملية التعليمية.
ومع تناسل التساؤلات، يبقى قرار "إصلاح" منظومة التقاعد العامل الرئيس في هذا الإقبال الكثيف على التقاعد النسبي الذي تشير المعطيات المتداولة وفي غياب أي تصريح رسمي إلى تجاوز عتبة الخمسة عشر ألف مستفيدة ومستفيد؛ إصلاح رأت فيه شغيلة التعليم نوعا من الاستهداف والإجهاز على مكتسباتها الاجتماعية ونوعا من الاستخفاف بجهودها: تمديد سنوات العمل لما بعد الستين حِجَّة ومراجعة طريقة احتساب مستحقات التقاعد، وهو ما يعني ببساطة خسارة ربع المبلغ الإجمالي للتقاعد دون اعتبار رفع نسبة الاقتطاع لفائدة صندوق التقاعد خلال فترة التمديد. وعليه، فإذا كان المبلغ الذي يُتقاضى قبل تنزيل "الإصلاح" في إطار التقاعد النسبي هو نفسه بعد تنزيل "الإصلاح" وسنوات التمديد والاقتطاع، فسيكون قرار التقاعد النسبي مفيدا ماليا ونفسيا ومعنويا.
من جهة أخرى، يرى جمهور الشغيلة المنخرطون في صناديق الضمان الاجتماعي أنهم ضحية لفساد إداري مزدوج، فالدولة المستأمنة على ودائع المنخرطين (تَحْويشة العمر بالتعبير الشعبي المصري) لم تفِ بالتزاماتها في تحويل اقتطاعات الموظفين إلى الصناديق، كما أنها لم توفر شروط الشفافية المطلوبة في استثمار هذه الودائع، دون الحديث عن التصرف خارج المساطر في هذه الودائع، وهو أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم فتح تحقيق جاد فيما آلت إليه هذه الصناديق تتبعا للملايير المنهوبة في أفق استرجاعها، وهذا ما دفع الحكومة للبحث عن مخارج تقنية صرفة تتحمل الشغيلة/الضحية أعباءها المادية والمعنوية، ما دامت شروط أو إرادة التحقيق النزيه غير متوفرة انسجاما مع قرار "عفا الله عما سلف". وعليه، فضلت هذه الألوف من الشغيلة التعليمية الفرار بجلدها وبأقل خسارة مادية.
كما أن تردد الحكومة في تنزيل منظومة "الإصلاح" وعدم نجاحها في فتح نقاش عمومي ومع مختلف الشركاء الذين تعاملوا مع موضوع بحساسية اجتماعية حادة بمنطق سياسوي رفض توفير شروط تنزيل "إصلاح" يسجل في منجزات الحكومة دون مقابل أو مكاسب نقابية: الزيادة في أجور الشغيلة نموذجا إنعاشا للفعل النقابي واسترجاعا لبعض مصداقيته التي أجهزت عليها الحكومة بإقرار الاقتطاع على الإضراب؛ هذا التردد في التنزيل وما صاحبه من غموض مخارج "الإصلاح" في شقها المادي أنشأ حالة من الحيرة والتخوف دفع بفئات واسعة من الشغيلة التعليمية المتجاوزة عتبة الثلاثين سنة شغل للاستفادة من التقاعد النسبي خلال السنة الجارية لكونها الفرصة الأخيرة قبل الأذى والأداء بلغة الطرق السيارة.
وارتباطا بحالة التردد، لا بد من الإشارة إلى عطب كبير في تدبير شؤون العباد والبلاد يرتبط بما يعرف مغربيا بالسنة الانتخابية، حيث تتعطل الأوراش المفتوحة وتؤجل أخرى مخافة ما قد يتمخض عن سوء تدبير بعض الملفات من تبعات سياسية تترجم عقابا انتخابيا للأحزابِ المشكلة للحكومة، أو تفويتا لفرص استثمار نجاح الحكومة في بعض الأوراش والملفات وهو ما يصنف حملة انتخابية أو استغلالا للنفوذ.
وبعيدا عن الشق المادي، تنتصب الظروف العامة في المؤسسات التعليمية، حيث تغيب شروط العمل زادها تفاقما تدني المستوى التعليمي لمتعلمي المدرسة العمومية وفي سائر الأسلاك نتيجة اعتماد المعيار الكمي تحسينا لمؤشرات التمدرس، وإلا ما معنى أن تلح المذكرات الوزارية نهاية كل سنة دراسية على تبسيط مساطر الانتقال بين الأقسام وتسهيل نظام التقييم/الامتحانات في المستويات الإشهادية، لا سيما في السلكين الابتدائي والإعدادي؛ ينضاف إلى ذلك استقالة الأسرة في الغالب من وظيفتها التربوية انعكس سلبا على سلوك المتعلمات والمتعلمين وفوت فرص التحصيل وطبع علاقة المتعلم بالمعلم بالصدامية والتوتر تفسرها حالات الاعتداء التي يتعرض لها الأساتذة، خاصة في السلك التأهيلي.
عوامل تضافرت جعلت قرار التقاعد النسبي مخرجا آمنا لشغيلة تعليمية لم يعترف بتضحياتها، بل إن التقارير الرسمية غالبا ما تتهمها تصريحا أو تلميحا بتدهور المنظومة التعليمية، دون التفات لمعاناتها ومطالبها المعنوية قبل المادية، وإلا كيف تفلح أمة تتخذ نساء ورجال التعليم أضحوكة وتنتج كما هائلا من الطرائف الحاطة لكرامة من طلب القيام لها تبجيلا وكادت برساليتها أن تكون رسولا.
أما تأثير الإقبال الكثيف على التقاعد النسبي على المنظومة التعليمية، فأكيد أنه سيزيد من حالة الإرباك والاختلال التي تعاني منها المنظومة على مستوى الموارد البشرية، فانسحاب الآلاف في إطار التقاعد بنوعيه العادي والنسبي في ظل خصاص مهُول لهيئة التدريس يعني تلقائيا تفاقم حدة الاكتظاظ واختزال ساعات بعض المواد الدراسية والعلمية بالأخص، ذلك أن نسبة مدرسات ومدرسي هذه المواد مرتفعة ضمن قوائم المستفيدات والمستفيدين من التقاعد النسبي، وهذا معناه أيضا تراجع كبير على مستوى التحكم في التعلمات الأساسية في مواد يعول عليها في تخريج أطر وكفاءات تقنية تسهم في توطين التكنولوجيا والتنمية.
في ظل هذا الخصاص المهُول لهيئة التدريس، أي معنى للجودة التي تبشر بها الرؤية الاستراتيجية؟ وقبل الجودة، هل شروط تعميم التعليم وعلى مستوى التعليم الإلزامي ما تزال قائمة؟ ألا يحيل هذا الوضع، وضع الخصاص على سنوات سبعينيات القرن الماضي حيث تمت الاستعانة بأطر من بلاد الشام وأوروبا الشرقية؟
وعلى العموم، لا يملك المتتبع للشأن العام المغربي إلا أن يستغرب لهكذا تدبير لن يزيد المنظومة التعليمية إلا تأزما والأسر المغربية محدودة الدخل، والتي لا قبل لقدرتها المادية بنفقات التمدرس في القطاع الخاص، إلا تخوفا على مستقبل أبنائها في ظل إصرار صريح على الإجهاز على الحق في التعليم مجانية وجودة، وهو ما ينذر لا قدر الله بتهديد الاستقرار والسلم الاجتماعيين.
لذلك، وطمأنة للرأي العام قياسا على بلاغات تطمين المواطنين مستهل كل شهر رمضان بتوفر المواد الغذائية يبدو أن الحكومة مطالبة بتقديم توضيحات في شأن تداعيات إقبال الشغيلة التعليمية على التقاعد النسبي بهذه النسب غير المسبوقة على واقع المنظومة التعليمية وما هيأته الوزارة الوصية من بدائل للتصدي للخصاص الكبير في صفوف هيئة التدريس تحديدا، وهل قرار فصل التكوين عن التوظيف ما يزال خيارا وتوجها ذا مصداقية وواقعية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.