كانت دمنات من أوائل المدن المغربية التي خرجت فيها الى الوجود المدارس الأولى للبنات التي أحدثتها المغرب بعد الاستقلال، في اطار محاربة عزوف الاسر على تعليم بناتها ،وهو ما يصطلح عليه اليوم ب "تشجيع تمدرس الفتاة" وهذه المدارس عبارة عن ورشات سواء من حيث شكلها او من حيث محتوى ما يقدم فيها من دروس في حرف صناعة الزربية او الطرز او الخياطة او التريكو ( التربية الاسرية بالمفهوم الحديث ) أقيمت هذه المؤسسة في دار الحجوجي وهو منزل مغربي دمناتي أصيل وتحفة معمارية فنية تراثية تنم عن براعة الفنان الدمناتي وعن الذوق الرفيع للدمناتيين ، وكانت تحمل رسميا اسم " النادي النسوي " وكانت تعرف اختصارا عند الدمناتيين باسم " النادي". ونظرا لأنها كانت خاصة بالإناث فقط ومؤطراتها من الاناث كذلك ، فقد عرفت اقبالا منقطع النظير من طرف النساء والفتيات الدمناتيات من كل الطبقات والاعمار ، وفي اعتقادي فقد كانت هي الحافز الكبير على التحاق الفتاة الدمناتية بالمدرسة العمومية بعد ان كان عدد التلميذات الممدرسات رمزيا فقط ، وكان حكرا على بعض الاسر. ساهم النادي النسوي بدمنات كمؤسسة تربوية واجتماعية، في تكوين وتوعية المرأة والفتاة الدمناتية بدورها في المجتمع كأم، وكربة بيت، وكعنصر فاعل وإيجابي، وكمواطنة لها دور أساسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، وذلك من خلال مجموعة من الأنشطة التي توجه لفائدة الفتيات والنساء من مختلف الشرائح والأعمار ، وقد برعت الدمناتيات في صناعة التريكو والكروشيه والطرز بفضل ما تعلمنه على أيدي المعلمتين " عايدة" و "حادة" ثم بعد ذلك على أيدي معلمات دمناتيات أصبحن مشهورات بما تبدعه أيديهن، أمثال المرحومة فاطمة تاروروت ، وإن ما يعرض في المعارض التي تقام محليا وإقليميا وجهوريا ووطنيا من منتوجات لدليل على الباع الطول للدمناتيات في المجالات السالفة الذكر ومجالات أخرى تم تطوريها والإبداع فيها والتي يرجع فيها الفضل بالدرجة الأولى للنادي النسوي . وبالإضافة إلى المهمة التربوية والتعليمية للنادي النسوي فقد كان كذلك متنفسا للنساء حيث يقضين وقت تعلمهن في جو يملأه الحب والاحترام والتقدير، كما أن للدورات التكوينية في التربية الأسرية أثره الكبير في نفسية المستفيدات. وأتذكر ومعي أبناء جيلي يوم تدشين النادي النسوي بحي الفلاح قرب الزاوية التجانية وكيف استعدت دمنات لاستقبال الأميرة للا عائشة في أول زيارة لها لدمنات للإشراف على تدشين هذا "النادي "، في حفل كبير أقيم أمام باب حي القصبة ، ويتذكر الأطفال استغراب الناس وخصوصا النساء للباس الذي ارتدته «بنت السلطان»، التي حضرت إلى دمنات بلباس أوروبي ، بشعر مصفف بطريقة لم يألفها الناس. بعد أن كبر الأطفال فهموا أن محمد الخامس كان يريد لبنات المغرب أن يقلدن كريماته ليس فقط في خروجهن للتعلم ولممارسة الرياضة بل وعلى مستوى اللباس كذلك. وعلى هامش هذه الزيارة أشرفت الأميرة على توزيع مساعدات غذائية " الدقيق والزيت الأمريكي" وألبسة مستعملة على المحتاجين. ماذا بقي اليوم من " النادي" هذه المعلمة التاريخية وهذه التحفة المعمارية ، التي تركت لمجابهة عوادي الزمن ؟ من المسؤول عن التردي الذي أصبحت عليه هذه البناية التي تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ دمنات بل وتاريخ المغرب ؟ هل هي تابعة لوزارة الشباب والرياضة ؟ هل هي تابعة لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية؟ هل هي تابعة للتعاون الوطني ؟ التاريخ لا يرحم وسيسجل بمداد من عار أن هذا النادي الذي دشنته بنت السلطان محمد الخامس كدلالة على حب المرحوم لهذه المدينة ورغبته في اخراج نسائه من براتين الجهل والامية ، سيسجل ان مسؤولي هذا الزمان وخصوصا مناديب الوزارة بازيلال لا يكترثون بتراث ولا تهمهم معالم تاريخية ، ولا يهمهم احياء هذه المعلمة وإعادة النشاط النسوي الحيوي الذي كانت تشهده جنباتها ، خصوصا بعد عصر كل يوم حيث كان النادي يعج بالرائدات كخلية نحل . هل توجد في دمنات جمعيات نسوية ؟ هل تعلم هذه الجمعيات بوجود معلمة هي في الأصل ملك لهن ؟ إذا وجدن فإن من واجبهن التحرك لذى الجهات المختصة لاسترداد تراث في طريقه الى الاندثار . انا على يقين ان النادي ليس في ملكية المجلس ولكن في جميع الحالات فهو في ارضه وتحت نفوذه ، فهل قام هذا المجلس بواجب تحسيس المسؤولين بضرورة ترميمه ليعود الى ماضي عهده الزاهر ؟ هذه رسالتي الى الجهات المسؤولة والى جمعيات المجتمع المدني الى التحرك من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه قبل ان يضيع من أيدينا كما ضاعت معالم أخرى . وهذه بعض الصور التي تبين مستوى الدمار الذي لحق بهذه البناية ، والتي تستغيث بكم فهل من مغيث ؟