في الوقت الذي يتابع فيه الكل أسعار المحروقات بالأمل الزائف تارة و بالغضب تارة أخرى، وفي ظل هذه الموازنة التي كان من المتوقع أن تخفف عن كاهل المواطن البسيط و لو لحين تكلفة التنقل و تجعل الحكومة عنصرا متفرجا حسب سياسة " بين المستهلك و محطات التزود ". و إن كان من واجبها كمراقب أن تحرص من، خلال لجن للمراقبة، على أن تبقى هذه السياسة فعالة في حدود المعقول. في ظل هذه الوضعية غير المفهومة يبقى المواطن هو الحلقة المتضررة من سياسة الحكومة بين التغيرات المفاجئة لأسعار " المحرقات" ( لجيوب المواطن) و الجشع المفرط و اللامسؤول لأرباب النقل، و خصوصا سيارات الأجرة الكبيرة. المواطن العادي و المقهور بسبب الزيادات المتكررة، له ما يكفيه من الهموم اليومية التي تصرفه عن محاولة تقصي أي زيادة أو انخفاض في أسعار المحروقات أو حتى محاولة فهم المسألة. فهو أكثر منطقا من الحكومة نفسها رغم المعاناة، يعرف أن كل زيادة في ثمن المحروقات يعني زيادة في تذكرة التنقل. لكنه يجهل كل الجهل الطرف الآخر للمعادلة، و الذي يقضي بأن كل تراجع في سعر المحروقات يقابله نقص في ثمن التذكرة. المسؤولية هنا تقع على عاتق الحكومة، فكما بشرتنا بالمنطق الأول يجب عليها أن تشرح نقيضه و تخصص لجنا للمراقبة تحول دون الهجمة الشرسة التي يشنها أرباب سيارات الأجرة الكبيرة ضد جيوب المواطنين المقهورين. في قانونهم الخاص، يكفي أن يرتفع الثمن ببعض سنتيمات في محطات التزود ليرفع هؤلاء المنتهزين سعر التذكرة بدراهم، حيث بإمكان السائق أن يعوض مجمل الزيادة في لترات الرحلة كلها بالزيادة في تذكرة المواطن الواحد ضمن الستة المنقولين. فأين ضريبة الأفراد الخمسة المتبقين إذن؟ صدقت مقولة الفاروق رضيي الله تعالى عنه في هؤلاء السائقين " هذا حق أريد به باطل " و إن كانت الزيادة في أصلها باطلة و مرفوضة منطقا. مجاراة أهواء الحكومة قد تكون لازمة مؤقتة لا محيد للمواطن الصالح عنها، لكن مجاراة جشع السائقين ضرب من الحمق. في تنانت، و كغيرها من المناطق المعزولة في المغرب المنسي، كانت زيادة مقدار درهم واحد في سعر " الكازوال " كافية لإرغام كل فرد على زيادة درهمين اثنين في مسافة لا تتجاوز الخمسة و العشرين كيلومترا. لقد كانت في الحقيقة فرصة لا تعوض لسائقي "الطاكسيات" لينتقموا من مواطن بسيط فقير يعتزل ركوب السيارة إلا لماما، فيعوضها بسبب قصر اليد بانتظار مطول للحافلة أمام أعينهم. تنانت في المحور الرابط بين بلديتي أزيلال و دمنات، و التي لا تفصلها سوى Km 45 عن أزيلال و أقل من Km 30 عن دمنات، خط من المفروض أن تؤمنه حافلة واحدة أو اثنتين بثمن بخس لا يتجاوز دراهم معدودة ذهابا و إيابا. سعر التنقل في هذه المسافات القصيرة من و إلى مركز تنانت تفوق تكلفة التنقل بين الرباط و الدارالبيضاء. مفارقة غريبة ترسخ مفهوم المغرب النافع و مغرب آخر.... لا يستحق حتى لجنة رخيصة تقي المواطن شر أخيه المواطن. و ما يزيد الطين بلة أن كل زيادة لثمن الكازوال في هذه المنطقة تليها مباشرة زيادة مضاعفة في سعر التذكرة، بينما الانخفاضات تقابل بتعنت و وقاحة لا مثيل لها من قبل السائقين في سياسة " طارت معزة " و كأن البلاد ليس فيها قانون ينظم الزيادات و الانخفاضات. الجواب الوحيد و الواحد الذي يرد به السائق كل شكاية في الثمن هو " لي ما عجبو لحال ما يركبش" و كأن رخص النقل ورثوها عن آبائهم. خالد أيت كورو