ولنعد إلى ياسين، ولننظر إلى النيتيجة التي تفضي إليها تطبيق مفهوم الحرية كما يراها العلمانيون، و لا يلزمني أحد بعكس هذا الأمر ما دمت آخذ هذا من كتبكم، يقول بوعلي: " في بداية المجتمع البشري(في الطور الأدنى من العصر الوحشي) كان إرضاء الحاجة الجنسية حرا. كانت هناك حرية جنسية مطلقة"(ص34). لقد أصابني الذعر من هذا الأمر، والأكيد أنه أصابكم أيضا. تصوروا العالم الذي يبشرنا به بوعلي ومن على شاكلته، ولأقرب الصورة قليلا ننتقل مع أشلي مونتاغيو في كتابها" البدائية" إلى هذا العالم الجديد الذي يريد بوعي أخذنا إليه، وقبل ذلك فكروا هل هذا فكر تقدمي أم رجعي؟!! تقول أشلي: " فالمجتمع الذي يفتقر إلى القانون أو إلى معايير تنظم السلوك الجنسي أو الدين هو، من حيث افتقاده لكل هذه الأمور، مجنذتمع حيواني"(ص267). ثم تنقل لنا صورة عن هذا المجتمع الحيواني من كتاب ( The Letter of Antoine Malfante from That, 1447,Page :89)Antoine Malfante، وهو رحالة يصف " زنوجا" في منطقة جنوب الصحراء:" يمارسون الجنس كالحيوانات: الأب مع ابنته، و الأخ مع أخته...وكانوا يأكلون اللحم البشري"(ص267). أعتذر عن هذا النقل الصريح للتصور البوعلي للمجتمع الإنساني المتحرر. ولنستمر في قراءة كتابه فلربما يتبين لنا أننا أسأنا فهمه، ولن نذهب بعيدا، ( أعتقد أنني لن أحتاج جمع الرحل كثيرا، لأن ما نبحث عنه في الكتاب متقارب بعضه من بعضه) ولنحط رحالنا في الصفحة 62: " إن مؤسسة الزواج غير قادرة على إشباع الحاجة الجنسية للإنسان". قد يلومني كثير من العلمانيين في إسفافي هذا –هكذا سيرون الأمر- وسيعبرون بصريح العبارة عن رفضهم لآراء بوعلي ياسين، فهم علمانيون يعيشون داخل بيئة محافظة شاءوا أم أبووا. بل أعرف من الملاحدة من يزاحمك في سوق الأضاحي لشراء أضحية العيد، لأنه بكل بساطة يعيش في مجتمع لا يقبل أفكارهم، لذلك لابد أن يتخلى عن بعض مفاهيم العلمانية، أو على الأقل يحاول تطويعها. إن العلمانية يا سادة وُضعت لبناء مجتمع حر!! و أنتم تريدون بناء مجتمع يزاوج بين هذا وذاك، بين مشية الحمام ومشية العقاب. لذلك ستتلقَّون من بوعلي ياسين توبيخا شديدا، يقول: " التنوير في البناء الفوفي( الدين، الأخلاق، الجنس...) كان ضعيفا لدرجة رأينا شيوعيين مازالوا متمسكين بالأخلاق الرجعية" (ص:79). إنه لصراع نفسي يعيشه العلماني بالمغرب، صراع يصل حد الفصام غير الظاهر. لا أعرف إن كان في علم النفس فصام ظاهر وفصام غير ظاهر، لكن الحالة عندنا في المغرب وفي بلاد المسلمين كلها تنبئ بإمكانية إدراج مرض نفسي جديد اسمه الفصام الحاد الخفي في لائحة ألأمراض النفسية. تعالوا لنستقصي – غير بعيد – نظرة بوعلي ياسين للدعوة الإسلامية، وهي نظرة تطابق ما يجف حلقنا لشرحه، وما جفافه إلا لجحود وعناد المخاصمين لنا في الرأي. ولعل العلمانيين سيلصقون لبوعلي تهمة الإساءة للعلمانية، وتهمة التواطؤ مع الإسلام والمسلمين برأيه هذا. هل الإسلام دين و دولة؟ سؤال نضبت الأقلام للإجابة عنه نفيا أو إثباتا. ولقد كانت آخر فصول هذا النقاش مادار في مصر منذ 25 يناير 2012 إلى 30 يونيو 2013، حيث كان الصراع بين العلمانيين والإسلاميين ( الإخوان وحزب النور السلفي) على أشده، لدرجة أنه بلغ مبلغا عظيما أثناء مناشقة مواد الدستور الجديد الذي ألغاه انقلاب السيسي في الثالث من يوليوز 2013. فهل الإسلام دين فقط يا بوعلي؟ يقول في الصفحة 112: " في الماضي، في فترة نشوء الإسلام كان هناك انطباق بين انتماء المرء للإسلام و موقفه السياسي". كأنني أقرأ لكاتب متحمس للفكرة والدعوة الإسلامية، يدافع عنها دون هوادة، دعونا نسير القهقرى قليلا إلى الصفحة 103 لنتأكد فربما نكون قد أخطأنا الفهم:" والإسلام – على الأقل منذ الهجرة – *( وعلى الأكثر منذ نزول اقرأ) لم يكن حركة دينية بحتة، بواقع أنه سيطر على المجتمع بأسره...الإسلام دين ودولة، هذا يعني أن النصوص الدينية تقدم أو تنبع منها تعاليم وتشريعات للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسلوك الفردي". وهذا ما لا تريده العلمانية. العلمانية الحقة تعرف أن الإسلام دين ودولة، والعلمانية المراوغة تجاهد لإقناعنا بعكس ذلك. والعلمانية الحقة لأنها تعرف حقيقة الإسلام ترفض بشدة أن يأتي من السماء ما يرسم لأهل ألأرض خطواتهم الاجتماعية والاقتصادية والفردية.