كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام وحبا لدين الله, و فاتحة خير ونصر و بركة على الإسلام. نتعلم منها أن الالتزام بعقيدة التوحيد هو أول التعاضد و التلاحم بين المسلمين, وقد دعا إلى التوحيد من مكةالمكرمة , وكان من ثمراتها أن انتشر الإسلام في المدينةالمنورة قبل هجرته إليها, لذا فإن دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي ولا ينقطع مداها , فمن هذه الدروس و العبر: - 1- حسن التوكل على الله تعالى: يعني صدق اعتماد القلب على الله , بان لا يعطي الا الله ولا يمنع الا الله و لا ينفع ولا يضر سواه عز وجل,يقول تعالى :( ومن يتق الله يجعل له مخرجا)سورة الطلاق,و يقول صلى الله عليه وسلم:"لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير . تغدو خماصا و تروح بطانا"رواه احمد. و كان صلى الله عليه وسلم في الهجرة الشريفة متوكلا على ربه, واثقا بنصره.. -2- اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين إن الهجرة تعطي درسا واضحا في أن العاقبة للتقوى و المتقين وللذين صبروا والذين هم مصلحون, يقول تعالى: (فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ )سورة هود, الآية 49,) -3- انتشار الإسلام وقوته كان الإسلام مغمورا بظلم الظالم,و جاءت الهجرة إلى المدينة و و كانت بداية تأسيس دولة الإسلام العظمى ورفعت صوت الحق على الباطل الجائر, و رفعت راية الإسلام على ربوع البلاد ... -4- التنبيه على عظم دور المسجد في الأمة: كان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم فور وصوله بناء مسجد قباء,ليكون منطلقا و محاجا للمسلمين, ولتقام فيه الصلوات التي تربط شعائر الإسلام, و هو المرجع الوحيد للمسلمين في كل شؤونهم من العلم و الدعوة و الجهاد.... 5- التضحية في الهجرة : 6- الإيمان بالمعجزات الحسية : وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت معجزات حسية، وهي دلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك على ما روي نسيج العنكبوت على فم الغار ، ومنها ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم معبد التي طلب منها أكلا, و لا تملك الا معزة هزيلة ضعيفة لم يتفجر ضرعها لبنا وحليبا قط, فذهب صلى الله عليه و سلم فلمسها بيديه الكريمتين ففاض منها الحليب بغزارة لمدة ستة عشر سنة كما تقول بعض الروايات... ومنها اختراقه للأعداء و ذر التراب على رؤوسهم ويمضي دون رؤيته والشعور به... 7- الاستعانة بالكافر المأمون: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا مشركاً ليدلهم على طريق الهجرة ودفعا إليه راحلتيهما وواعداه عند غار ثور، وهذه أمور خطيرة أطلعاه عليها ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وثقا به وأمناه ... -6 دور المرأة في الهجرة : وقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير ونصيب وافر من الجهاد : منها عائشة بنت أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة ، وأم سلمة المهاجرة الصبور ، وأسماء ذات النطاقين,التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله ؟ فقد حدثتنا عن ذلك فقالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا) (1) . فهذا درس من أسماء رضي الله عنها تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين من الأعداء، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم؟ وأما درسها الثاني البليغ ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة ، وقد ذهب بصره، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ، قالت : كلا يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه ، فقال: لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك)(2). -7- الصبر و التمكين: وفي الهجرة المباركة لما خاف الصديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذي قريش , وقال موقنا بربه:وما ظنك باثنين الله ثالثهما,فانزل الله تعالى قوله :(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة الآية 40 وقد نالت القيادة المتجسدة في رسول الله صلى الله عليه وسلم الحظ الوافر من كل ذلك فصبر عليه الصلاة والسلام، وصبر من كان معه. لقد علموا أن كلمة العدل والحق يتبعها بذل وتضحية واسترخاص لكل شيء عداها، وأيقنوا إيقانا تاما أن قول الحق والعمل به والتواصي به والدعوة إليه يتبعه ابتلاء؛ فلا بد له من صبر ومصابرة وهم في ذلك ترن في آذانهم قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) . -8- عظم دور الشباب في نصرة الحق: ويتجلى ذلك في الدور الذي قام به علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة. ويتجلى كذلك من خلال ما قام به عبد الله بن أبي بكر؛ حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزود بها النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه. هذه بعض الدروس والعبر والحكم التي مررت عليها سريعاً وللمسلم أن يستنبط غيرها الكثير, فهذا هو المهاجر الأول، وهذا هو الداعية المطارد من أجل مبدئه.... وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم. ¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨¨ ¨ الهامش: (1) الهجرة النبوية المباركة, ص 206 (2) السيرة النبوية , ابن هشام, ص102