يقول أهل التنمية البشرية أن عقل الإنسان لا يقبل المجردات،و يحاول دائما ربطها بصور تقريبية تجسدها... مفهوم الزمن من أعقد المجردات، أتخيله شخصيا كخط مستقيم، أو لنقل كحبل يَجُرُّ صاحبه إلى نهاية غيبية المكان و الزمان، مادامت كل نفس لا تدري متى و بأي أرض تموت....للحياة إذن بعدين، عمودي و أفقي. بعدها العمودي مرتبط بأقدار الإنسان التي لا سلطة له عليها، هي اللحظات الزمنية التي تستهلك رصيدَ عُمره دون قدرته له على توقيفها أو إبطائها. و بُعد أفقي، و هو بيت القصيد... البعد الأفقي هو هامش مناورة الإنسان داخل حيز الزمان القسري، هو طريقته في عيش حياته . فالساعة التي يقضيها النائم في نومه أو أمام تلفازه أو حاسوبه هي نفس الساعة بتقديرها الزمني السِّتيني التي يقضيها شخص آخر فيما يُسعده . كيف إذن نعيش بعدنا الأفقي؟ بمقاربة دينية نجد أن كل لحظة غفلة و بُعد عن الله تعالى مَضيعة للوقت ستعود بالحسرة و الندامة. و بمقاربة اجتماعية لا تبتعد كثيرا عن المقاربة الدينية نجد أن رُفقة من نحبهم تمنح امتدادا أفقيا واسعا لحياة الإنسان يُنجز فيه الكثير في الوقت اليسير. فالسعادة بهذا المعنى تبنى في البعد الأفقي، أي نعم قد تأتي الأقدار بمسبباتها، لكن ترجمة الأقدار و أجْرَأتَها لا تكون بالسلبية و التواكل و إنما بالعمل على اقتناص فرص القدر و استغلالها خير استغلال. كيف نبني إذن سعادتنا؟ ترتبط السعادة في نظري بمفهوم الرضا و ما معه من مفاهيم الاقتناع و الضمير و الآخر... فسعادة احتساء الخمر لحظية ينغصها وخز الضمير و نظرة الآخر، و سعادة جمع المال من كسب غير مشروع ينغصها أيضا وخز الضمير و هواجس العقاب .... فالسعادة الحقيقية إذن تتحقق متى وافقت أسبابها الدين و الأعراف و قناعات الذات. نسبية هي، قد تكون ببسمة طفل أو تفتح وردة، أو فوز فريق... لكنها لا تكون قطعا بالوحدة و العزلة، و إلا لكان آدم سعيدا في جنته كما جاء في الأثر... السعادة إذن ليست فعلا ذاتيا منشؤه الذات، و إنما نتاج لعملية إسعاد أتت من شخص بالدرجة الأولى... الدين كمفهوم معنوي مسبب لهذه السعادة يَختزل ضمنيا شخصيات إنسانية أولها رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته و علماؤه ...النجاح كمفهوم معنوي أيضا يختزل معاني تقدير الآخر التي تأتي من توافق مجتمعي على تعريف النجاح ... الحب بديهيا يرتبط بالآخر... راحة الضمير هي موافقة لقواعد المجتمع الدينية و الأخلاقية ... الفوز فرح مع الآخر ... يبقى الحل إذن في اختيار أشخاص نَتَوَسَّمُ فيهم السعادة و الإسعاد، معهم يصبح للحياة كلها معنى و سببا للكينونة و الوجود و العطاء... معهم، كما قالت أم كلثوم، يخاف الإنسان على عمره الذي يجري... يونس حماد