" دمنات اليوم" : أهي مدينة حقا أم مجرد اسم تاريخي ؟ الإهداء : إلى السيد مروان عابيد(غفر الله له ) لن نستهل مقالنا هذا باجترار التاريخ ، فلطالما سمعنا و قرأنا أن تأسيس مدينة دمنات سبق تأسيس المدينة الفلانية ، وان دمنات كانت تحتل مكانة مرموقة في القرن كذا ... إن هذا الكلام عفا عنه الزمن وأكل عليه الدهر و شرب ، فما ابعد اليوم عن البارحة ، فاليوم أصبحت دمنات بلا مدنية ، بل مجرد رقعة جغرافية تعاني من تدمير الفضاء واستهلاك المكان و العبث به . و العبث بالمكان يعني العبث بالإنسان نفسه . - تاريخ يحتضر : التاريخ لا يفتح آذانه و دواوينه إلا لخطير الأخبار و الحالات التي لها القدرة على خبطه و هتك أبعاده ، و إذا كان هذا هكذا ، فإن الآثار العمرانية تبقى شاهدة على ما مر من حقب و أحداث . فمن النافلة القول إن الآثار التاريخية تحفظ تاريخ الأمة و تحيي أمجادها و تعين في لحظة من اللحظات على تأمل منجزات السلف ليعتبر الخلف . فأسوار دمنات تحتضر و أبوابها تعاقر الأزبال بعدما كانت تمنع الأذى عمن كان يحتمي بأسوارها . وقصورها تعاني الحرمان ، فقصر الكلاوي لم يبق منه إلا الذكرى ، أطلال ساخطة على سطوة التاريخ ، أما قصر المولى هشام فبالرغم من أنه ينتظر الفرصة الأخيرة لإنقاد ما يمكن إنقاذه ، فإن الدواب المريضة و البشر التائهين يتلذذون بتعذيبه ، ونفي التاريخ من عالمهم الخاص . فالتاريخ بدأ يهجر دمنات كما هجرت اللقالق أسوارها و ذهبت لبغيتها فمن المسؤول ؟ - فضاء مدمر : إذا كانت المدينة رؤية هندسية من ناحية و عمرانا يحقق هذه الرؤية من ناحية ثانية ، فهل الرؤية الهندسية لمدينة دمنات اليوم تستجيب حقا لما يمليه أو يفترضه مكانها الطبعي ؟ حالة المدينة تجيب بالنفي ، فالنموذج المهيمن هو نموذج العبث ، و استنساخ الدور و المنازل ، و تحكيم الأهواء و النزوات ، لا الإستراتيجية العمرانية . شوارع ( أو شارع ) تجسد فسيفساء التضاريس الجغرافية ، حيث الهضاب و السهول و الجبال و الحفر أيضا . و يتوالى نهب الفضاء الأخضر على حساب فضاءات الوقت الثالث ، إذ لا حدائق ( بكل ما تحمله الكلمة من معنى ) ولا أماكن للترفيه تغني الناس عن القيل و القال الذي غصت به مقاهي المدينة ، حيث أضحت هذه الأخيرة صروحا ثقافية من فئة خمسة نجوم . و على ذكر الصروح الثقافية ، فمن باب السخرية أن نعثر على خزانة ثقافية و احدة تحاصرها مجموعة من الأضرحة . " تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى " : من باب تحصيل الحاصل القول إن للبيئة تأثيرا في الإنسان ، لذا فثقافة دمنات كمثل هندستها ، كما أن هندستها كمثل ثقافتها ، هذه الثقافة حمل لواءها النسيج الجمعوي بالمدينة ، فقد تحولت الحركة الجمعوية إلى مشروع سياسي مما أدى إلى انفراد كل جمعية بنهجها الخاص ، وهو نهج – على ما يبدو - شاذ مما يجعل كل جمعية تغرد خارج السرب . فدمنات المحروسة خاصة بالجمعيات لكن مازالت النكسة الثقافية و الفكرية مهيمنة على المدينة ، ويحاول البعض خلع عباءة الحزن و البؤس عن دمنات إلا أن محاولاتهم غالبا ما تلقى معارضة شديدة من قبل بعض الموسوسين . و في الختام إننا لا نسعى إلى رسم صورة قاتمة للمدينة ، وإنما نطمح إلى أن تكون دمنات مدينة حقا لا مجرد اسم تلوكه الألسن ، كما نطمح إلى أن تكون كما أراد شعار وزارة السياحة : " المغرب أجمل بلد في العالم " محمد أبحير – دمنات * اشارة : انظر : - جريدة " الرسالة الجهوية " ، العدد العاشر ، أبريل 2004م ، صفر 1425 ه ، ص : 14 . - بوابة إقليمأزيلال ، باب المقالات .