باسم الله الرحمان الرحيم ؛ \"القشلة مسكونة\" كيف ذلك؟؟؟؟؟؟؟ أجل كل من \"سخط عليه أبواه من العتابيين\" و اضطر إلى زيارة \"القشلة\" لقضاء بعض مآربه الإدارية لا يسعه إلا أن يستعيذ بالله من شياطين الإنس و أن ينثر كمشة من الشب و الحرمل عل الله يحفظه من شر المارد القابع على ذلك التل الإستراتيجي الذي تطلق عليه االساكنة العتابية أسماء مختلفة: \"تادارين\" \"القشلة\" \"البيرو\" و لهذه التسميات كلها دلالات تاريخية لا بأس أن نذكر بها الشباب العتابي للعبرة. لعل إسم المكان الأصلي هو \"تدًارين\" الذي يعني بالأمازيغية منازل و هو جمع \"تدًارت\" و لعل أصل التسمية هو وجود بعد الدور المتناثرة هنا و هناك على التل. أما \"القشلة\" فتعني - كما هو معلوم- التكنة. و السبب في التسمية هذه هو اختيار السلطات الفرنسية المستعمرة هذا المرتفع لإقامة تكنة عسكرية و سكنى للحاكم العسكري آنذاك. تحولت \"القشلة\" بعد التطويع العسكري لساكنة أيت اعتاب إلى مكاتب إدارية لتقديم \"خدمات\" إدارية محضة للمواطن العتابي، إلا أن هذه \"الخدمات\" كانت و لا تزال تحمل طابعا استعماريا يرتكز أساسا على قمع المواطن العتابي و سلبه أدنى حق من حقوقه. أذكر هنا ببعض الأحداث التي أنتجها الفكر الإستعماري في التعامل مع العتابي المقهور و ذلك قصد المقارنة مع سلوكات أبناء جلدتنا المسؤولين عن تدبير بعض الشؤون الإدارية في منطقتنا المنكوبة: لا أظن أحدا من العتابيين نسي قضية جني الزيتون و معصرة سيدي مسري بأيت وابيت حيث كان يمنع على آبائنا و أمهاتنا عصر الزيتون بحرية في دواويرهم، فكم من اعتابية أجبرت على حمل \"القصرية\" على رأسها مملوءة بعجين الزيتون و مشيا على الأقدام بعد الوشاية بها من طرف الشيخ إلى الحاكم العسكري بالقشلة و كم من رجال جلدوا أمام الملء و سجنوا بالقشلة لا لشئ إلا لكونهم تصرفوا بحرية في محصولهم من ثمار الزيتون...و كم من متنازعين قضي بينهم أمام الحاكم العسكري بجرة لسان حسب ما وصل الحاكم من وشاية و قضى بجلد هذا و حبس ذاك و سب و شتم الآخر أمام الملء و قد يأمر بحبس علان لشهور ظلما و دون أدنى تحري. أما طلب الحصول على وثيقة إدارية من القشلة فتلك محنة أخرى، فإضافة إلى المتاعب التي يتكبدها الطالب في التنقل لعدة كيلومترات - قد تزيد عن 15 كلم - في القر و الحر لا بد من إعطاء \"البقشيش\" أو \"القهوة\" أو \"التدويرة\" لعل الموظف يعفي المواطن المسكين من إعادة الزيارة لعدة مرات للحصول على وثيقته. و مع هذا كله فقد كنا نلمس في المستعمر أحيانا بصيصا من الرأفة و الرحمة، فلا زلت أذكر و أنا صغير السن - 4 أو 5 سنوات – مسح إداري فرنسي على كتفي و أنا في حضن أمي قائلا:\"متشاشو beau زوين زوين\" كما أذكر أيضا تعامل الإداريين الفرنسيين مع المسنين بلطف واحترام...أكتفي بهذا فقط لنتمكن من المقارنة. أعود الآن إلى صلب الموضوع، فأرواح\"les esprits \" المستعمرين الفرنسيين لا زالت تسكن \"تدًارين\" فلا يكاد أحدُنا أن يُقبل على تلك البناية حتى يعتريه الخوف و الفزع و كأنه سيجلد أو سيزج به في الحبس كما كان يُفعل بآبائنا و أجدادنا: فهذا جندي سابق أبلى البلاء الحسن في قهر بوليزاريو و تحرير صحرائنا تتسارع دقات قلبه و يقشعر بدنه و ترتعش ركبتاه بمجرد ما يقف أمام مكتب ذاك المارد المتربع على ذاك التل؛وقد دعته الضرورة أن يحضُر إلى هذا المكان \"المسكون\" لطلب تعديل تاريخ ميلاده و إضافة اليوم و الشهر، إجراء إداري بسيط من حق كل مواطن أن يستفيد منه بدون مقابل إلا أن القائم على الإدارة المسؤولة بايت أعتاب يطلب مقابل ذلك حوالي 10000 درهم حسب تقديره البصري للحالة المادية للزبون و حسب حدسه \"الإداري المتمرس\" أما معاونيه \"أراو نتمازيرت\" بما فيهم كاتب عمومي يمارس داخل هذه الإدارة العمومية فيدخلون في مساومات تمهيدية أثناء تحرير المقال و التسجيل ليحضوا بنصيبهم من \"الوزيعة\" قبل تدخل سيدهم الجزار الحِرفي. و قد سمعت من أقربائي تفاصيل حالات تفوق بكثير ما كان عليه الوضع أثناء الإستعمار. و ما أثار اشمئزازي من ذاك الوغد القائم على هذه الإدارة نهره و شتمه لرجل مسن جاء يستعطفه لقضاء بعض اغراضه الإدارية. أما ما يعرفه المتمدرس و الأمي من أبناء أيت اعتاب عن سلوكات هذا النمودج من حفريات الإستعمار في قضايا شؤون الأسرة فحدث و لا حرج: فلا أحد يفلت من قبضته و التعريفة معلومة لدى العام و الخاص حيث أن الإدن بالزواج بقاصر قد يصل إلى 20000 درهم و الطلاق 40000 درهم و هكذا لكل خدمة ثمنها و العائدات تخرج كل نهاية أسبوع من منطقة أيت اعتاب إلى مسقط رأس الوغد. الشهادات كثيرة و هي تروج فقط بصوت خافت بين الأصدقاء و الأقرباء وهي جد شائعة بين أبناء أيت اعتاب المقيمين بالمهجر و لا أحد يجرُؤُ أن يجاهر بها مخافة أن يُصعَقَ و يُرمَى أسفل التل. قد يعتقد الملاحظ فعلا أن المكان \"مسكون\" فكلما التقيت باعتابي عائدا من تادارين إلا و سمعته يتحدث مع نفسه مزمجرا و شاتما :\" الله إوكلُو العافية في كرشو، الله ينتقم منه، لهلا يصرفو عليهم...كروش لحرام...\" و الضمير هنا يعود على \"امًالين لمْكان\" الذين سلبوه كل ما ادخر مقابل خدمة إدارية من حق كل مواطن أن يحصل عليها بالمجان. قد يطول المقال هنا في وصف كل ما جادت به قريحة هذا الموظف من ممارسات استبدادية على المواطن العتابي المسكين و الذي تُداس كرامتُه في كل لحظة و لا يحرك ساكنا. لنحاول هنا إمعان النظر في هذا الوضع دون الإدعاء بتقديم تحليل سوسيولوجي متكامل: ما هي إدن العناصر التي تساهم في إبقاء هذه الحال على ما هي عليه منذ عقود من الزمان و باقي مناطق المغرب عرفت تحولات إيجابية في التخلص من ثقافة \"البقشيش\"؟؟؟ و ماذا يمكن للمثقف العتابي أن يقوم به لمواجهة أمثال هؤلاء الأوغاد؟؟؟ أرى شخصيا عدة عناصر تكرس هذا الوضع الإستعماري: • كون المواطن العتابي لم يبدل جهدا في التخلص من الموروث الثقافي السلبي الذي تركه له الآباء و الأجداد مع العلم أن التاريخ يشهد بانتفاضات الساكنة العتابية ضد المستعمرين و الموالين لهم. • جهل الساكنة بأبسط مبادئ القانون و جهلهم بما لهم و ما عليهم و بالمساطير الإدارية التي غالبا ما تكون معقدة. • إيمان المواطن المغربي على العموم بأن \"إمًاهُم\" أي المال تجد حلا لكل مشكل. • كون طلب المستعملين للإدارة أكثر من عرض الخدمات الإدارية. • كون بعض الإدارات العمومية لا زالت بعيدة جغرافيا من المواطن و بعيدة عن كل مراقبة. • كون مساطر رفع شكاية ضد موظف لا زالت مجهولة و معقدة. • كون كل ما يبدل من جهد على المستوى الوطني في مجال محاربة الفساد و الدعوة إلى الشفافية يبقى حبيس الورق و الرفوف. و قد يطول بنا التحليل إذا تطرقنا إلى شخصية الموظف و أجلسناه على كرسي التحليل النفسي، و أكتفي هنا بما يُقال بالعامية المغربية \"كرش لحرام\" فهذه إشارة إلى بدانة هؤلاء الأشخاص – و هذا لا يعني أن كل بدين فاسد- إلا أنه من الملاحظ أن العامل المشترك ظاهريا لأمثال هؤلاء هو اكتساب خزان وافر من الشحوم على مستوى \"الكرش\" في غضون شهور من توليهم مهام معينة، كيف يتم ذلك؟ • الربح السهل للمال الحرام مما يؤدي إلى الإنفاق السريع في \"الزرادي\"و الليالي الحمراء مع القانيات و القنينات و مما يؤدي حتما إلى البدانة السريعة. و الأمثلة الحية متوفرة بأيت اعتاب. • دخول الموظف في صراع نفسي ضمن حلقة مفرغة لن يستطيع الخروج منها بدون مساعدة طبية شأن كل مدمن: فهو لا يجهل أنه يقوم بممارسات محرمة دينيا و قانونيا و قد يؤنبه ضميره المريض فيلجأ إلى دس رأسه في الموبقات التي تنسيه ما هو فيه و هكذا يخلق لديه الحاجة إلى مزيد من المال لتغطية هذه المصاريف فيعود إلى الإختلاس و الرشوة. • معاناته النفسية هذه لا تدع له وقتا للإهتمام بصحته بل منهم من يدافع على أن البدانة من علامات سلامة الصحة \"صحيح\" و رأي الطب معلوم في هذا الموضوع. أرجو ألا يُفهم مما سبق تبرئة ذمة الموظف و المستعمل للإدارة، فكلنا مسؤولون و بإمكاننا المساهمة للحد من تفشي هذا المرض العضال، كيف ذلك؟ • التحلي بالصبر أثناء طلب خدمة إدارية و عدم الإستعجال الشئ الذي يستدعي بدوره التفاضل بين زبناء الإدارة و بالتالي وسيلة للتمييز أي \"قهِوة\" للموظف. • معرفة الحقوق و الواجبات، و هنا يدخل دور المجتمع المدني في القيام بدور التوعية الحقوقية ضمن برامجه. • نهج أساليب حضارية للمطالبة بالحقوق من طرف الموظف الذي يتذرع بضعف أجرته و من طرف مستعمل الإدارة الذي يتذرع باستدراج الموظف له. و بالمناسبة ندعو من هذا المنبر كل فعاليات المجتمع المدني بالمنطقة – و ما أكثرهم - أن: 1. تفضح كل هذه الخروقات السافرة بشتى الأساليب العصرية المتاحة. 2. تطالب بإصلاح الإدارة بمراسلات رسمية توجه إلى ولاة الأمور \"فما ضاع حق وراءه طالب\" 3. تنظم أنشطة ثقافية توعوية حقوقية تتناول كل أوجه التعامل مع الإدارة و بأساليب تناسب الساكنة العتابية يؤخذ فيها بعين الإعتبار اللغة و المستويات الدراسية لكل شرائح المجتمع. 4. تنظيم تظاهرات -لا أقول مظاهرات- احتجاجية لتحسيس الرأي العام و السلطات. كما نلتمس و بإلحاح من السلطات المحلية على مستوى السلاليم الإدارية العليا أن: 1. تُفعل قوانين المراقبة التي يخولها لها القانون. 2. تفتح أبوابها في وجه المواطنين و تنصت إليهم. 3. تُفعل مساطر الحركة الإدارية و النقل التأديبي و الإقالة. 4. تُبسط المساطير و الإجراءات الإدارية بالنسبة للخدمات التي يحتاجها المواطن و لا يجد غنى عنها. و ختاما نُذكر مارد القشلة بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم \"اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ؛ فإنه ليس دونها حجاب\" و نسأل الله أن يخلص ساكنة أيت اعتاب من براثين ذلك المارد القابع بتادارين و من أمثاله كما خلصهم من سلفه الفاسد من مستعمرين و مستبدين جدد إنه بالإجابة قدير. آآآآآآميييييين....