تقديم : إن تحليل أنشطة الأممالمتحدة للتنمية على ثغراتها العديدة، و من أخطرها عدم خضوعها لأي مذهب منسجم، و طابعها الارتجالي، و خضوعها لموازين القوى السائدة، و للتمويل التطوعي ، و بالتالي لرغبات و مصالح المانحين الكبار. إنها تتقاسم مع المساعدة العمومية على التنمية التي تشكل في تمويلها جزءا منها- كثيرا من عيوبها. و لعل أخطر الثغرات التي تعاني منها هذه الأنشطة هو ضعفها الشديد أمام تأثير المؤسسات المالية. و اخطر من ذلك، فقد صارت هذه الأنشطة، و نظام المساعدة العمومية على عموما، وسيلة لتمرير سياسات هذه المؤسسات المالية الدولية، و أداة لتلطيف مفعولها السلبي، و لعب دور الإغاثة الإنسانية أكثر من الدور التنموي. و هذا التوجه السلبي أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة في وثيقة هامة حديثة. و الأدهى من ذلك أن المساعدة صارت قاصرة حتى عن لعب دور الإغاثة فبالأحرى دور المساعدة على التنمية. و قد صارت كثير من المنظمات الدولية المعنية بالتنمية تقر أكثر فأكثر بعيوب نظام المساعدة الحالي و عدم خضوعه للأولويات و الأهداف التي يدعى بلوغها كمحاربة الفقر و مساعدة البلدان الأشد فقرا و هكذا فان أي إصلاح فعلي لأنشطة الأممالمتحدة للتنمية يتطلب أولا اندراجها في إطار مذهب منسجم و شمولي للتعاون الدولي لأجل التنمية ، هذا المذهب تنبثق عنه مقاربة عملية للتعاون الدولي بحيث يصير مؤسسا على معايير يجري دمجها في أنشطة التعاون الدولي و تلتزم بها الدول و المنظمات الدولية كخطوة أساسية نحو مقاربة أشمل، يشرف على صياغة هذه المقاربة و تخطيطها و الإشراف على تنفيذها و تنسيقها و متابعتها و تقييمها جهاز أو أجهزة في إطار منظومة الأممالمتحدة تملك السلط القانونية و السياسية و المالية اللازمة للنهوض بهذه المهمة، الطموحة و الصعبة، لكن الضرورية لأي إصلاح جدي للتعاون الدولي من اجل التنمية و حقوق الإنسان . المبحث الأول : ضرورة مذهب شامل و منسجم للتعاون الدولي من اجل التنمية ليس ثمة أكثر خطورة على الممارسة الدولية الحالية في ميدان التعاون الدولي من تعايش مؤسسات تعلب دورا حاسما في ترسيخ تبعية دول العالم الثالث و استنزاف ثروتها الطبيعية و البشرية و تملك الوسائل المالية و السياسية الهائلة لذلك (المؤسسات المالية الدولية)، مع شبكة من المؤسسات و البرامج بعضها يسير في نفس الاتجاه السابق- و بعضها يعاكسه. ولكنه يبقى قليل المفعول أمامه لافتقاره إلى الموارد و الإمكانيات. و يسيطر المذهب اللبيرالي اليوم بلا منازع تقريبا على إيديولوجية التنمية، و الأدهى من ذلك انه يمارس في ظل علاقات القوى السائدة داخليا و دوليا دون احترام حتى لبعض الأركان التي يقوم عليها كلما تعلق الأمر بمصالح الأقوياء. فأمور مثل الحمائية، و تدخل الدولة لصالح بعض الفئات، وممارسة الاحتكار، و عدم الشفافية، و خرق قاعدة القانون، تبقى شائعة في العلاقات الاقتصادية و السياسية الدولية و الداخلية. و قد ضاق مفهوم التعاون الدولي حتى قلص إلى المساعدة، و قلصت هذه بدورها حتى صارت توازي المساعدة المالية، و تقلصت هذه الأخيرة كميا و نوعيا إلى أسوء مستوياتها. و في الوقت الذي دفعت فيه دول العالم الثالث إلى تفكيك الدول الرأسمالية المتقدمة مع استمرار الأهداف المتضاربة و الممارسات السائدة و المؤسسات المهنية حاليا. إن ثقافة التنمية تتولد تدريجيا عن بنى و مصالح على الأولويات الثقافية و السياسية. فإلى جانب الإقناع تحتاج القوى المؤيدة لهذا المنظور إلى الضغط. و في عصرنا الحالي فان النضال بسلاح النقد أي بالفكر يبدو أفضل من النقد بالأسلحة، أي بالعنف. و الخلاصة إن المطلوب اليوم هو إقرار تراض عالمي بشكل واضح و لا لبس فيه حول مذهب منسجم يقوم على التنمية الإنسانية المستديمة و على تعاون دولي لبلوغها، مذهب لا يمكن التسليم بوجود تراض حوله إلا بقبول التزامات واضحة في مجاله و إرساء مؤسسات دولية مواتية لإعماله. ذلك أن \"الاستراتيجيات\" و برامج العمل التي بقيت حبرا على ورق موجودة و كثيرة، فالمطلوب هو أن يبرهن عن التراضي و قبول الغايات و الأهداف المشتركة بالتزامات ملموسة يقع الوفاء بها و لاسيما في مجال التمويل و الإصلاح المؤسساتي الضروريات لبلوغها. و تواجد اليوم مقاربة للتأسيس تشق طريقها، و هي تقضي بدمج اعتبارات حقوق الإنسان في أنشطة وكالات التنمية الدولية، لذلك فسوف نستعرضها قبل أن نحلل ضرورة مقاربة أكثر شمولية. رشيد خليدي - عضو، كاتب و مراقب قانوني في المركز العربي الاوربي لحقوق الانسان و القانون الدولي - عضو الاتحاد المدافعين عن حقوق الانسان العرب - عضو المنظمة العربية لحقوق الانسان - عضو الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان - عضو الجمعية المغربية لحقوق الانسان - عضو الرابطة المغربية للصحافة الالكترونية