جماعة أيت مازيغ بين قساوة الطبيعة والتهميش. تقع جماعة أيت مازيغ القروية في أعالي جبال إقليم أزيلال، في منتهى سلسلة الأطلس المتوسط وبداية سلسلة الأطلس الكبير. تحدها غربا جماعة بين الويدان، وشرقا جماعتي تيلوكيت وتاباروكت، ومن الجنوب مرتفعات الأطلس الكبير، أما من الشمال فتحدها جماعة واويزغت ووادي العبيد. أحدثت جماعة أيت مازيغ بمقتضى التقسيم الجماعي لسنة 1991، وتبلغ مساحتها 140 كلم2، ومناخها حار وجاف خلال فصل الصيف، وبارد خلال فصل الشتاء، يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 1994 أزيد من 5000 نسمة. ويلاحظ أن ضعف هذا العدد قد هاجر في السنوات الماضية إلى المراكز الحضرية المجاورة وخاصة دائرة واويزغت (حوالي 20 كلم من الجماعة)، وذلك بسبب عدة عوامل سنذكرها لاحقا. وتبلغ الكثافة السكانية بهذه الجماعة 22,12 نسمة في الكيلومتر المربع، يتوزع هؤلاء السكان على سبعة دواوير هي: دوار أيت باخوش دوار أيت عيسى ويشو، أيت إيسيمور، تاكونيت، أيت إحروباس، آيت ابراهيم، آيت واحي. تبعد هذه الدواوير في مابينها بعدة كلمترات، ونتيجة لغياب المسالك الطرقية التي تربطها بالمركز، فإن أغلبها يعيش في عزلة تامة. فلاحة بدائية لصعوبة التضاريس وفقر التربة وهجرة متزايدة جراء الجفاف والتهميش. إن وجود جماعة أيت مازيغ وسط المرتفعات الأطلسية جعل منها جماعة فقيرة ومهمشة على جميع المستويات: * فعلى المستوى الفلاحي: تبلغ مساحة الجماعة 6810 هكتار، لايستغل منها للزراعة سوى 1150ه. تعتمد الفلاحة في هذه المنطقة على التساقطات المطرية، ونظرا لصعوبة التضاريس وفقر التربة، فلازالت الفلاحة بدائية تعتمد على المحراث الخشبي والدواب، وأهم إنتاج فلاحي بها هو الحبوب (القمح والشعير)، وتوجه المحاصيل الزراعية للاستهلاك الذاتي بالدرجة الأولى. ويعتمد الفلاح الأمازيغي بالدرجة الأولى على الرعي، إذ تبلغ المساحة المخصصة للرعي 1210 ه، ويعتمد كذلك على منتوج كل من أشجار الزيتون واللوز، إذ تبلغ المساحة المغروسة بهذه الأشجار 85 ه. إلا ان الجفاف أثر سلبا في السنوات الأخيرة على إنتاج هذه الأشجار، الشيء الذي أثر على ساكنة هذه المنطقة، مما جعل العديد من الاسر تهاجر الى المناطق المجاورة للجماعة (واويزغت، أفورار، بني ملال،...). مداخيل الجماعة محدودة وهزيلة أساسها السوق الاسبوعي، والغابة، وقارب بحيرة بين الويدان. تتكون مداخيل جماعة أيت مازيغ من مداخيل السوق الاسبوعي (سوق الإتنين أيت مازيغ)، وهي ضعيفة، نظرا لضعف القوة الشرائية للمواطنين، ولعدم وصول التجار والمتسوقين من الجهات الاخرى إليه لبعده ولانعدام وسائل النقل الكافية. وتشكل الغابة مصدرا آخر لمداخيل الجماعة، إذ تبلغ المساحة الغابوية 4070ه إلا أن الاستغلال العشوائي لهذه الاخيرة وانعدام المراقبة اللازمة حالا دون استفادة الجماعة بكيفية أفضل من هذا المورد الهام والحيوي. وتتوفر الجماعة القروية لآيت مازيغ أيضا على قارب يعمل ببحيرة بين الويدان، يقوم بنقل المسافرين والبضائع والشاحنات بين ضفتي البحيرة وخاصة بين الجماعة ودائرة واويزغت، وقد أحدث هذا القارب منذ عام 1992. مركز صحي بدوار آيت باخوش يفتقر لكل الوسائل والامكانيات المادية والبشرية تتوفر الجماعة على مركز صحي بدوار آيت باخوش ساهم معظم سكان هذا الدوار في عملية اقتناء البقعة الارضية التي شيد عليها منذ 1993، ويتألف هذا المركز من قاعة للعلاج، ومكتب، وسكن خاص للطبيب، وسكن آخر للممرض، إلا أن هذا المركز لا يوجد به سوى ممرض واحد وبعض الادوية القليلة التي تعطى في جميع الحالات المرضية. وغياب الطبيب بهذا المركز يفرض على المواطنين التنقل لمسافات طويلة للعلاج في أقرب مستشفى بواويزغت (20 كلم)، أو الى المستشفى الاقليمي ببني ملال (50 كلم)، أو الى المستشفى الاقليمي بأزيلال حوالي (70 كلم). مع العلم أن الجماعة لا تتوفر على سيارة الإسعاف، ولا تتوفر بها كذلك سيارات لنقل المسافرين تعمل بشكل منظم. كما أن المركز الصحي يغلق أبوابه خلال فترة العطلة السنوية للممرض دون تعويضه وهو ما حصل خلال شهر غشت الماضي الامر الذي كان وراء استياء العديد من النساء في هذه المنطقة خصوصا اللواتي كن على موعد مع تلقيح أبنائهن، وكذلك كل المواطنين الذين كانوا في حاجة الى الاسعافات الاولية الضرورية، خاصة وأن المنطقة جافة وتكثر فيها الافاعي والحشرات السامة خلال فصل الصيف. ويطالب سكان المنطقة الجهات المسؤولة بضرورة تعيين طبيب وممرض آخر بهذا المركز. وقد استنكر السكان بشدة إهمال هذه المطالب الحيوية من قبل المجلس الجماعي خلال دورة غشت الماضية، وقيام الاغلبية داخل المجلس بإدراج نقطة تتعلق ب \"تغيير إسم المركز الصحي\" ضمن جدول الاعمال. فالسكان يتساءلون: هل من المفروض على المجلس ان يطالب بتعيين الطبيب والممرض وبالادوية ام أن يراسل الجهات المسؤولة لتغيير إسم المركز؟ \" إنها مفارقة غريبة تستدعي إعادة النظر في المستوى الحقيقي للمستشارين الجماعيين بهذه المنطقة\" يقول العديد من السكان!! غياب إعدادية يؤدي إلى الانقطاع عن الدراسة جراء البعد ومشكل السكن تتوفر الجماعة على مجموعة مدرسية واحدة، هي مجموعة مدارس آيت مازيغ وتوجد بمركز الجماعة القروية بدوار آيت باخوش، ولها خمسة فرعيات موزعة على جميع الدواوير الأخرى، ويتطلع السكان إلى تشييد إعدادية بهذه المنطقة او على الأقل ملحقة لها، تغني التلاميذ وأوليائهم من تحمل عبء التنقل إلى مركز واويزغت (20 كلم) او إلى مركز افورار (30 كلم)، حيث يواجهون مشكل السكن. الامر الذي كان وراء توقف العديد من التلاميذ عن متابعة دراستهم الاعدادية. فقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن 99% من التلاميذ الحاصلين على مستوى السادسة من التعليم الأساسي لا يصلون إلى مستوى التاسعة، بل أن أكثرهم يقضون سنة واحدة بالاعدادي ويرجعون إلى أسرهم وذويهم بالجماعة (بسبب قلة الإمكانيات المادية، وضعف المستوى الدراسي، وغياب مراكز الايواء، باستثناء (الخيرية الاسلامية بواويزغت) والتي تعاني بدورها من الاكتضاض). لذلك فإن أغلب الآباء والأولياء يفضلون إرجاع أبنائهم إلى البادية ليساعدوهم في بعض الأشغال المنزلية. أما تعليم الفتاة بهذا الوسط القروي فهو لا يتعدى مستوى السنة الخامسة أو السادسة أساسي على أقصى تقدير. إن العملية التعليمية بجماعة آيت مازيغ تفرض على جميع المتدخلين (وزارة التعليم، الداخلية، الجماعة،أولياء التلاميذ) التدخل من أجل ايجاد بعض الحلول المناسبة لوقف التسرب المدرسي وحماية هؤلاء الأبناء والتلاميذ من التشرد والتعاطي للمخدرات.... انعدام الماء الصالح للشرب إحدى المشاكل الرئيسية لسكان الجماعة في السنوات الأخيرة ومع قلة التساقطات المطرية والثلجية، نقصت كمية المخزون المائي الذي يزود العيون الطبيعية بالماء، وهو ما كان له بالغ الأثر على ساكنة آيت مازيغ وخصوصا خلال فصل الصيف. واليوم، يعاني السكان من مشكل انعدام المياه الصالحة للشرب نتيجة جفاف بعض العيون والنقط المائية القديمة، خصوصا بدوار أيت باخوش وآيت عيسى ويشو. فقد أصبح الماء بالنسبة لهؤلاء الهم اليومي الذي يحملونه ليلا ونهارا، فكيف يتم الحصول على الماء بهذه الجماعة ؟ لكي يحصل أي إنسان على خمسين ليترا من الماء (وهي الكمية التي يمكن أن تنقلها الدابة)، عليه أن يستيقظ على الساعة الرابعة صباحا مصحوبا بدابته ومصباحه التقليدي، وبعد أن يقطع مسافة 2 كلم (على الأقل بالنسبة للبعض)، يجد هذا المواطن نفسه أمام حفرة /عين طبيعية (انظر الصورة ) ذات صبيب ضعيف تستلزمه على الأقل ساعة كاملة من الزمن لملء قنيناته البلاستيكية، ويكون محضوضا إن كان هو الأول الذي يحضر لاحتلال الرتبة الاولى في الطابور الذي سيتشكل سريعا، إذ بعد ذلك بقليل يبدأ الناس في الإقبال من كل الجهات مشكلين مسيرة في اتجاه نقطة واحدة هي العين، ويستمر هذا الوضع طيلة النهار. أما الكمية التي يتم الفوز بها فيحسب لها ألف حساب بعد وصولها إلى المنزل. إذ أن هؤلاء الناس رغم بساطة تفكيرهم وثقافتهم، ورغم جهلهم لترشيد النفقات، إلا أنهم يدركون جيدا ما معنى ترشيد استهلاك هذه الكمية القليلة من الماء، فهم يخصصونها فقط للشرب ولشرب الحيوانات الموجودة بالمنزل. أما من أراد الحصول على كمية أكبر فعليه أن يستغل الفترة الليلية التي تبدأ من الساعة العاشرة مساء وحتى مطلع الفجر. يقول إدريس ويوسف وعزيز وقد صادفناهم وهم يتوجهون ليلا للحصول على الماء \" .... إننا نذهب بعد تناول وجبة العشاء مباشرة لأن عدد الناس يكون قليلا مقارنة مع فترة النهار، حيث يكثر الازدحام وهو ما يؤدي إلى توثر الأعصاب وأحيانا يتم استعمال العنف للفوز بكمية من الماء (...) إنها حرب الماء إن بقينا حتى مطلع الشمس....\" إن المشكل اليومي لسكان هذه الجماعة يتكرر باستمرار، الأمر الذي يستلزم إيجاد حل في أقرب وقت ممكن سواء بحفر آبار بوسائل حديثة أو باستعمال الصهاريج المائية المتنقلة ... وخلال السنة الماضية قامت وزارة التجهيز بتمويل مشروع يرمي إلى حفر بئر وتزويد المنازل بالماء الشروب عن طريق حفر حوالي 12 كلم من القنوات وبناء خزان واقتناء مضخة ومحرك، وقد كلف هذا المشروع أزيد من 140 مليون سنتيم. إلا أنه بعد حفر كل هذه القنوات وتغطيتها وايصالها إلى أغلب الدواوير فوجئ الجميع بقلة الماء في البئر، ومن ثم توقف المشروع برمته في انتظار امدادات مالية جديدة لمتابعة الحفر. وفي الأيام الأخيرة قامت جهة تادلة أزيلالTadla-Azilal بتمويل مشروع يهم التنقيب عن الماء الصالح للشرب بأحد الدواوير البعيدة عن مركز الجماعة وقد رصدت الجهة مبلغ 68 مليون سنتيم لهذا المشروع، إلا أنه في الأخير تبين للساكنة بهذا الدوار أن نسبة الملوحة مرتفعة بهذه المياه وبالتالي يتساءل الكل لماذا لا تحول الجهة هذا المبلغ الممنوح لتتميم المشروع الأول ولتتم استفادة جميع الدواوير بالمنطقة. ونشير الى ان الجماعة القروية لآيت مازيغ تقع على ضفاف بحيرة سد بين الويدان ويبعد مركز الجماعة عن هذه البحيرة بحوالي 3 كلم، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: لماذا لا تتدخل الحكومة لتزويد هذه الجماعة انطلاقا من هذه البحيرة ؟ مع العلم أن مياه هذا السد تنقل لعدة مناطق عبر قنوات كبيرة في اتجاه أقاليم: بني ملال، وقلعة السراغنة، وتادلة , وأفورار.... حيث تكثر الأراضي الزراعية المسقية. ويطالب سكان الجماعة من مؤسسة محمد الخامس للتضامن \"التفكير في ايجاد حل ودعم في هذا الإطار\". وتتأثر المدارس والمركز الصحي والمرافق الإقتصادية بالإضافة إلى الساكنة من غياب وانعدام الماء الشروب. مشروع كهربة دواوير الجماعة حلم يراود الساكنة القروية في سنة 1996، تم وضع الحجر الأساسي بجماعة أيت مازيغ لتزويد 120 منزلا في مرحلة أولى موزعين على دواوير آيت باخوش وآيت عيسى ويشو وتكونيت وجزءا من دوار آيت واحي بالإضافة إلى السوق الأسبوعي، ومقر الجماعة القروية، والمركز الصحي، والمجموعة المدرسية، وذلك مقابل اقتطاع 60 الف درهم سنويا من ميزانية الجماعة، وقد تم وضع وإعداد التصاميم والدراسات التقنية من طرف المكتب الوطني للكهرباء للمناطق التي ستشملها التغطية في المرحلة الاولى، إلا أنه منذ ذلك التاريخ والمواطنون ينتظرون انطلاقة هذا المشروع الهام مع العلم أن جماعة آيت مازيغ لا تبعد عن محطة توليد الطاقة الكهربائية التابعة لسد بين الويدان سوى ببضعة كلمترات. فهل يتعلق الأمر بالإمكانيات المادية للجماعة؟ أم بسياسة التهميش تجاه هذه المنطقة ؟ خصوصا وأن أغلب الجماعات القروية المجاورة لآيت مازيغ قد استفادت منذ سنوات من مشروع كهربة العالم القروي. كما أن العديد من حاملي الشواهد والمعطلين بشكل عام بهذه المنطقة، ينتظرون تحقيق هذا المشروع على أرض الواقع، ليتمكنوا من القيام ببعض المشاريع الاقتصادية (مقاهي، تربية الدواجن، مطاحن، مخادع هاتفية، محلات تجارية ....) التي تنعدم كليا في الوفت الراهن. هشاشة البنية التحتية يعوق استغلال المنطقة سياحيا تتوفر جماعة آيت مازيغ على عدة خصائص طبيعية ومواقع أثرية قد تجعل منها قطبا سياحيا في المنطقة ونذكر منها: * بحيرة سد بين الويدان الواقعة وسط مرتفعات جبال الأطلس. * وادي العبيد الملتوي وسط المرتفعات والهضاب الاطلسية * وادي أحنصال الذي يصب في البحيرة المذكورة. * الحصون والقلاع أو ما يسمى بالامازيغية \"إغرم\" والتي يعود تاريخ تأسيسيها إلى أواخر القرن 19 * منطقة تامكة المشهورة بكاتدرائيتها القديمة. * القارب القديم الذي يعود إلى الستينات من القرن الماضي والذي لازال يعمل ببحيرة بين الويدان. بالإضافة إلى بعض المظاهر الطبوغرافية المتنوعة التي تضفي سحرا على المنطقة... إلا أن غياب البنية التحتية يحول دون استغلال هذه المؤهلات ونذكر هنا على سبيل المثال هشاشة الطريق الوحيدة الرابطة بين جماعة آيت مازيغ ودائرة واويزغت، إذ أن غياب الصيانة أدى إلى تدهور هذه الطريق بشكل كبير. * عدم الاهتمام بالطريق الرابطة بين مركز الجماعة وبحيرة بين الويدان (طريق آيت عيسى ويشو)، وعدم تعبيدها أدى إلى منع وصول الزوار والسياح إلى البحيرة المذكورة. * عدم الاهتمام بالحصون والقلاع القديمة عن طريق الترميم أدى إلى سقوط العديد منها. * غياب دور مندوبية وزارة السياحة في التعريف بالمنطقة عن طريق حملات إشهارية، إذ يلاحظ أن السياح الأجانب يقتصرون فقط على منطقة أوزود وزاوية أحنصال دون غيرها. وفي الختام، فإن سكان جماعة آيت مازيغ رغم قساوة الظروف الطبيعية، وغياب مشاريع استثمارية تمكن من إدماجهم في التنمية المحلية، يلتمسون من السيد الوزير الأول ووزير الداخلية التدخل لتوفير الحد الأدنى من المرافق الاجتماعية كملحقة الاعدادية ، والإسراع بتنفيذ مشروع كهربة الجماعة، والعمل على تزويدهم بالماء الصالح للشرب عن طريق إتمام المشروع المتوقف بمركز الجماعة، وكذلك توفير وسائل النقل وحمايتهم من المضاربات اليومية، وتوفير الحماية والسلامة الطرقية، والاهتمام بإصلاح وتعبيدالطريق الرابطة بين الجماعة ودائرة واويزغت وبحيرة بين الويدان، وكذلك تعيين طبيب بالمركز الصحي وتزويده بالأدوية اللازمة وترميم الحصون القديمة بالمنطقة وذلك في أفق النهوض بها ورد الاعتبار لساكنتها.