قبل يومين من انطلاق جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، منحت الحكومة المصرية، المعينة من المجلس العسكري الحاكم، القوات المسلحة سلطة "ضبط" المدنيين على غرار الشرطة، فيما يرى مراقبون أن الأزمات في مصر تقضي تدريجيا على ما بقي من الثورة. فقبل أيام من جولة الإعادة لأول انتخابات رئاسية بعد الثورة، تجددت الأزمات وتفاقمت. وفي خطوة تسعى للعودة إلى الخلف، وتعد تمكيناً لسلطة العسكر في الشارع المصري، قرر وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد، «منح ضباط وضباط الصف في الاستخبارات الحربية والشرطة العسكرية، سلطة الضبط القضائي للمدنيين لحين إقرار الدستور الجديد». وجاء في القرار، الذي نشر، أول أمس، في الجريدة الرسمية للبلاد «الوقائع المصرية»، أن السلطة الممنوحة للعسكر تكون في «عدد من الجرائم التي تندرج تحت قانون العقوبات من الجرائم التي تقع من غير العسكريين، مع عدم الإخلال بالاختصاصات المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري». وهو ما أثار مخاوف في أوساط الناشطين السياسيين، بسبب ما يمكن أن ينطوي عليه من انتهاكات للحريات العامة. كما يعتبر النشطاء أن صدور مثل هذا القرار من قبل وزير العدل فى سرية تامة، على حد قولهم، هو بمثابة إعادة إنتاج قانون الطوارئ، مطلقين عليه «قانون طوارئ جديدا»، وأن هذا القرار صدر عن عمد مع قرب جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة. ويشكل القرار بحسب النشطاء تمهيدا للقيام بحملة اعتقالات موسعة، للتنكيل بأي شخص يشارك فى أي تظاهرة سلمية، فيما اعتبر آخرون أن هذا القانون سيكون مقدمة أيضا لحملة اعتقالات واسعة، سيتم خلالها تصفية الإسلاميين والقوى الثورية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع بوادر تصعيد شفيق وتدعيمه من قبل فلول النظام السابق وأجهزة الدولة الأمنية لفوزه فى جولة الإعادة، على حد قولهم. وأكد الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب أن قرار وزير العدل بمنح الشرطة العسكرية ورجال المخابرات سلطة الضبطية القضائية، والذي صدر في هذه الظروف الخطيرة التي تمر بها مصر سوف يخضع للرقابة البرلمانية من جهتين، الأولى تتعلق بمدى أحقية وزير العدل في إصدار مثل هذا القرار، وهل من حق البرلمان رفضه أم لا. وأشار العريان في تصريحٍ صحفي، نقله موقع «إخوان أون لاين»، أن الجهة الثانية من الرقابة تتعلق برقابة البرلمان على تطبيق القرار حتى لا تخرج هذه الصلاحية عن نطاقها القانوني والدستوري. وشدد العريان على أن الثورة المصرية جاءت لتتخلص من الظلم والفساد والاستبداد وكبت الحريات، وهو ما لن يقبل الشعب المصري أن يعود مرةً أخرى. أخطر من «الطوارئ» من جهتها، أعلنت منظمات حقوقية عن صدمتها البالغة ورفضها القاطع والنهائي للقرار. وقالت إنه من ضمن الجرائم التي مُنح هؤلاء الضباط سلطة الضبط القضائي فيها: «الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج والداخل، والمفرقعات، بالإضافة إلى مقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره, وكذلك إتلاف المبانى والآثار وغيرها من الأشياء العمومية، وتعطيل المواص لات, وأيضًا التوقف عن العمل بالمصالح ذات المنفعة العامة والاعتداء على حرية العمل, وأخيرًا الترويع والتخويف البلطجة. وسجّلت المنظمات الموقعة استغرابها من السياسة المتبعة من المجلس العسكري فى إدارة الملف الأمني، فبدلاً من قيام الحكومة المصرية التى عينها ويحميها المجلس الأعلى للقوات المسلحة باتخاذ خطوات جادة فى ملف إعادة هيكلة وتطهير وزارة الداخلية، يؤسس القرار لأدوار داخلية ومريبة لأجهزة دورها الحقيقي فى حماية مصر من الخارج. وأشارت المنظمات الموقعة على بيان بهذا الخصوص، منشور على موقع «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، إلى أن العديد من الجرائم التي يتضمنها القرار تندرج في إطار حق المصريين المشروع في التعبير السلمي عن الآراء السياسية المعارضة لنظام الحكم والتظاهر والإضراب، أو في المطالبة بتغيير القوانين أو حتى النصوص الدستورية. ووقع على هذا البيان: الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مركز هشام مبارك للقانون، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مؤسسة قضايا المرأة المصرية، جمعية نظرة للدراسات النسوية، جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية، مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، مؤسسة المرأة الجديدة، المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وأكد الموقعون أن الثورة جاءت لكي تضع الجميع تحت سيادة القانون، وتبطل الصلاحيات اللامعقولة التي تمتع بها ضباط الجيش والشرطة، فإذا بهذا القرار يعود بمصر لعصر قد يكون أسوأ من عصر مبارك الذي ثار عليه المصريون. وقد سبق للمنظمات الحقوقية أن حذرت مرارًا من أن غالبية النصوص المشار إليها في القرار تستعصي على الضبط القانوني وجرى توظيفها على نحو هائل من قبل في قمع أشكال مشروعة للحراك السياسي والاجتماعي وفي قمع كافة أشكال التنظيم السلمي، بحسب ما ذكرت في البيان. وقال البيان: صدور القرار في هذا التوقيت وقبيل أسبوعين فقط من تنفيذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتعهداته بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب يضاعف من الشكوك المثارة حول مصداقية هذا التعهد ويرجح الاستنتاجات التي تذهب إلى أن التسليم الصوري للسلطة لن يمنع المؤسسة العسكرية من أن تظل لاعبًا رئيسيًا في إدارة الحياة السياسية. وأضاف: هذا القرار بما ينطوي عليه من صلاحيات استثنائية لا سند لها في القانون تشكل التفافًا صارخًا على الإنهاء الرسمي لحالة الطوارئ. وأردفت المنظمات الحقوقية: هذا القرار أسوأ بمراحل من القيود والانتهاكات التي كانت حالة الطوارئ توفر غطاءً قانونيًا لها، وإذا كان عشرات الآلاف اعتقلوا وعذبوا وبعضهم قتل باسم قانون الطوارئ، فإن هذا القرار الجديد سيوفر الغطاء القانوني لتدخل الجيش فى الحياة اليومية للمصريين. وحذرت المنظمات الموقعة من أن آلاف المدنيين قد يكونوا عرضة للملاحقة والإحالة للقضاء العسكري بموجب هذا القرار المشئوم، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن صدوره يقترن بحالة من التأزم والاحتقان السياسي الهائل وثيق الصلة بإخفاقات المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد. زيادة في الاحتقان وينذر هذا الاحتقان في اللحظة الراهنة بمصادمات هائلة في الشارع المصري في ضوء احتمالات حل البرلمان أو في ضوء ما قد تؤول إليه الانتخابات الرئاسية من نتائج إذا ما كتب لجولة الإعادة أن تتم أو إذا ما تقرر إعادة الانتخابات برمتها مما قد يرتبه أيضًا من إطالة أمد الفترة الانتقالية وإطالة بقاء حكم العسكر. ومن المتوقع أن تكون المحكمة الدستورية العليا قد قررت، أمس الخميس، مصير قانون ممارسة الحقوق السياسية، والمعروف إعلامياً ب»قانون العزل السياسي»، وسط مطالبات شعبية بتطبيق هذا القانون على الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي وذلك قبل إجراء جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بيومين فقط. وعلى إثر قرار المحكمة سوف يتحدد مصير جولة إعادة الانتخابات الرئاسية، حيث يسود الشارع السياسي المصري حالة من التوتر والقلق انتظارا للحكم، إما بعزل الفريق أو استمراره وما سوف يترتب على قرار المحكمة من ردود أفعال في الشارع أو رأي القانونيين حول الانتخابات الرئاسية. كما من المتوقع أن تكون المحكمة قد أصدرت قرارا حددت بموجبه مصير البرلمان المصري، وحسمت في صحة دستورية قانوني الانتخابات، وتقرر إما الإبقاء عليه أو حله. ويأتي كل هذا الارتباك، قبل يومين فقط من انطلاق جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، التي ستجري خلال يومي السبت والأحد. وبينما ازدادت حدة المعركة بين المرشحين للرئاسة محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في نظام المخلوع حسني مبارك، يصر قطاع واسع من الناخبين على مقاطعة أو إبطال أصواته في صناديق الاقتراع. ومن المقرر حسب اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، أن تبدأ فترة الصمت الانتخابي للمرشحين من الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم الجمعة. ويحظر خلالها على أي مرشح إقامة مؤتمرات أو لقاءات جماهيرية مع بدء فترة الصمت الانتخابي. كذلك يحظر على مؤيدي أي من المرشحين الدعاية لهما بأي طريقة لحين إجراء الانتخاب. وأكد الأمين العام للجنة العليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية، المستشار حاتم بجاتو، أن اللجنة «تتعهد إجراء الجولة الثانية من الانتخابات في جو من النزاهة والحيادية التامة». ولفت خلال مؤتمر صحافي إلى أن «القضاة تعهدوا للجنة أن تخرج الانتخابات على مستوى يليق بقضاء مصر الشامخ»، نافياً في الوقت ذاته وجود أزمة بين البرلمان والقضاء. وأكد أن «الأزمة بين بعض النواب وبعض القضاة». وشدد بجاتو على أن اللجنة «قامت بعملها على أكمل وجه من ناحية انتقاء الأسماء وفرزها، في قاعدة البيانات الخاصة بمن يحق لهم التصويت في الجولة الثانية لانتخابات رئاسة الجمهورية».