تبلغ المساحات المخصصة لزراعة الحبوب 75 في المائة من مجموع المساحات الفلاحية في بلادنا. إلا أنه على الرغم من هذه المساحات الكبيرة المزروعة، فإن حصة عائداتها من مجموع رقم معاملات القطاع الفلاحي لا تتجاوز 14 في المائة. وتؤكد هذه الأرقام ذلك الفارق المهول بين حجم المجهودات المبذولة، متمثلة أساسا في حجم المساحات المسخرة والمزروعة من جهة، وضعف المردودية الإنتاجية في قطاع الحبوب من جهة أخرى. على أنه يمكن التعميم والقول بأن إشكال ضعف المردودية هو من أهم العقبات أمام القطاع الفلاحي الوطني، من خلال تأثيره سلبا على تنافسيته وقيمته المضافة. وفي إطار البحث عن الحلول الممكنة لهذه الإشكالات الهيكيلية، انخرطت بلادنا في مشروع المغرب الأخضر، بدءا بالقيام بتشخيص لخصائص الفلاحة المغربية، وتحديد نقاط ضعفها وقوتها، في إطار استقراء التجارب الأجنبية من جهة، ومتطلبات السوق الاستهلاكية من جهة أخرى، في أفق النهوض بالفلاحة الوطنية وتأهيلها أمام المنتجات الفلاحية الخارجية، خاصة الأوروبية، والتي صار بإمكانها اليوم غزو الأسواق الوطنية. وفي إطار هذه المعادلة التنافسية، يبقى السؤال الأهم الذي حاول هذا المشروع الإجابة عنه هو في كيفية تمكين الفلاح المغربي من العمل في إطار إستراتيجية فلاحية إنتاجية، تمكنه من عرض منتجات مطلوبة في السوق، وتضمن له عائدات محترمة وقيمة مضافة عالية ؟ ولعلنا نجد في زراعة الحبوب نموذجا واضحا لإشكالية الفعالية الإنتاجية والمردودية في الفلاحة الوطنية. حيث ارتبطت هذه الزراعة بالبنية التاريخية الاجتماعية للفلاحة المغربية، والتي لم تكن موجهة إلى التصدير، بل إلى الحاجات الاستهلاكية الذاتية للمنتجين. وبين الأمس واليوم، تغير نظام الاقتصاد الفلاحي، من خلال انفتاح الفلاح على محيطه ودخوله في اقتصاد التبادل من جهة، وتحول العمل الفلاحي من أفق الإنتاج المعاشي المحلي إلى ساحة التنافس الدولي. وسار من اللازم التفكير في الإنتاج الفلاحي وفق منظومة اقتصادية متكاملة، تتجاوز تحقيق الكفاية من الحبوب، إلى وضع إستراتيجية إنتاجية تنبني على منطق التبادلات التجارية والاقتصادية الدولية. ووفق هذه الرؤية الجديدة، تغيرت المعادلة الإنتاجية، حيث أصبح منطلقها ليس ما يحتاجه الاستهلاك المعاشي المحلي فقط، بل أيضا ما يحتاجه السوق، سواء الداخلي أو الخارجي. وفي هذا السياق، يمكن فهم منطلقات مشروع المغرب الأخضر، الذي انخرط في عملية جبارة، حشدت أموالا ضخمة، بهدف إدخال الفلاحة المغربية إلى نسق فلاحة السوق، وإخراجها من منطق المعاش. وقد حاول الوصول إلى هذا المبتغى عبر ثلاثة أوراش متكاملة. يتعلق الورش الأول بالرفع من الفعالية والمردودية، من خلال عدد من الإجراءات الهادفة إلى الرفع من إنتاجية الفلاحين، خاصة الصغار منهم، كدعم شراء الآليات أو التشجيع على التعاونيات الإنتاجية والتسويقية. ويتعلق الورش الثاني بتشجيع أنواع جديدة من الزراعات ذات القيمة المضافة العالية، بناءا على قوة طلبها في السوق. وفي هذا السياق، يمكن الاستشهاد بالنجاح الذي صار يعرفه إنتاج الفراولة في منطقة شمال المغرب، كمنتوج جديد داخل النسيج الفلاحي المغربي، وواعد من حيث قدراته التصديرية وقيمته المضافة. أما الورش الأخير، فيتعلق بعقلنة المورد المائي، الذي سيكون على الأرجح أهم المشاكل التي سيكون على الفلاحة المغربية مواجهتها في المستقبل القريب، خاصة وأن 80 في المائة من المساحة الوطنية هي مناطق جافة، إضافة إلى أن 5 أحواض مائية من أصل ثمانية في بلادنا ستدخل في عجز مستديم ابتداء من 2020. وهو وضع استعجالي يتطلب بطبيعة الحال القيام بالعديد من الإجراءات، من قبيل تعميم تقنيات السقي المعقلن، واختيار البذور ذات الطلب المنخفض على الماء...