❶ بعد تقديم البرنامج الحكومي، كثر الحديث حول مضامينه بين واصف إياها بالإيجابية والطموحة، وبين منذر بفشل قريب للحكومة الحالية.. ما تعليقكم حول مضامين هذا البرنامج في شقه المتعلق بخطة العدالة؟ ●● بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، لقد استقبلنا في الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء التي أرأسها بارتياح كبير ما جاء في البرنامج الحكومي وعلى الخصوص في شقه المتعلق بالعدالة. أولا: أود قبل تفصيل تعليقي عليه أن أوضح ردا على المنتقدين الذين وصموا البرنامج الحكومي بالنقائص لدرجة وصفه بالتشويه الخلقي فيما يخص شقه المتعلق بالعدالة أن عليهم الرجوع إلى مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 88 من الدستور التي تنص بالحرف على ما يلي: «بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ويعرض «البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي «تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة»الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية». فالدستور يوجب اشتمال البرنامج الحكومي على الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني. وبالتالي فلا مجال لنعت البرنامج الحكومي بالقصور لمجرد عدم تناوله التدقيق في التفاصيل المتعلقة بالوسائل والآليات والآجال المرتبطة به. ثانيا: الدستور لا يربط ذلك الوجوب إلا بالنسبة للميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. وبالتالي فإن تطرق البرنامج الحكومي لمجال العدالة ينبغي أن يحظى بالتنويه والاستبشار خصوصا وأن المادة 88 من الدستور التي توجب أن يتضمن البرنامج الحكومي الخطوط الرئيسية ربطت تلك الخطوط بالعمل الذي تنوي الحكومة القيام به وبالتالي فإننا ملزمون أن نفرض في تلك النية الحسن والمصداقية ونبقى حذرين في مراقبة تنفيذ ما تم الالتزام به. بعد هذا التوقف أود أن أجيب عن سؤالك بالتذكير بأن مجال العدالة يقوم على الركائز التالية: - التشريع الذي يضم مختلف القوانين، والعنصر البشري المكلف بتطبيق ذلك التشريع أوتنفيذه، والمحاكم التي تسبك فيها الحقوق وتسلم لأصحابها. ولابد للحديث أن إصلاح مجال العدالة لابد من يتناول الإصلاح هذه الركائز جميعها. وهنا لابد من التنويه: أولا بما تضمنه البرنامج الحكومي من إيلاء الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة صدارة الأولويات مستحضرا دوره الحيوي في البناء الديمقراطي وتوطيد الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وحماية الحقوق وضمان ممارستها الفعلية وتحقيق الأمن القضائي. ثانيا بما تضمنه من التزام بالعمل طبقا للمقاربة التشاركية مع الفعاليات المعنية ومكونات المجتمع المدني ذات الصلة على تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية بما يضمن تعزيز استقلال القضاء والرفع من فعاليته. ونحن في الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء مقيدون بهذا التعاون وقد عبرنا بصفة رسمية عن التزامنا به سعيا وراء صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة والعمل على أن تضمن تلك النصوص تطبيق الضمانات الكفيلة بممارسة القضاة لمهامهم على أحسن وجه. ثالثا وبما تضمنه من الوعد بمراجعة المنظومة التشريعية بما يضمن حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة والتعويض عن الضرر القضائي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن وعد الحكومة هذا لم يكن وعدا عاما وفضفاضا بل تضمن التدقيق في مجالين إثنين: مجال تحسين مناخ الاستثمار، ومجال ممارسة الحريات، مؤكدا بصفة خاصة على التزام الحكومة بمراجعة قانون المسطرة الجنائية ومجموعة القانون الجنائي لمزيد من الملاءمة مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان. وحسبنا في الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء أن المزيد من الملاءمة يصب في اتجاه التصديق على: 1) البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 2) والبروتوكول الاختياري الخاص بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. وذلك بإحداث آلية وطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز. 3) والالتزام بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري. 4) والالتزام بالمصادقة على اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. ❷ صارت وزارة العدل تسمى وزارة العدل والحرياتن وهي فلسفة للتعامل مع مفهوم العدالة في شموليتها ما تعليقكم؟ ●● لابد كذلك من الإشارة إلى أن مجال الحريات الذي يتحدث البرنامج عن تقوية ممارسته قد ألحقت مسؤوليته بوزارة العدل، وبالتالي فإن التزام الحكومة باعتماد مقاربة مندمجة لإعادة إدماج السجناء ومواصلة المجهودات المبذولة لأنسنة ظروف اعتقال السجناء وصون كرامتهم من خلال البرنامج التفصيلي المكون من خمس نقط، لا ينبغي أن يغفل وجوب إلحاق المؤسسة السجنية بوزارة العدل أي بإدارتها الطبيعية من جهة ووجود التفكير في العقوبات البديلة عن الحرمان من الحرية في بعض الجرائم الاقتصادية على وجه الخصوص من جهة ثانية. هذا بالنسبة للركيزة الأولى للعدالة أي كل ما يتعلق بالتشريع الذي لابد من قياس جودته بميزان حقوق الإنسان. ذلك أن التشريع السيء لا يمكن أن ينتج إلا أحكاما سيئة وبالتالي ظلما اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا فضيعا. أما بالنسبة للركيزة الثانية للعدالة المتعلقة بالعنصر البشري الموكول إليه مسؤولية تطبيق القانون أوتنفيذ مقتضياته، فإننا بقدر ما نثمن ما ورد في البرنامج الحكومي من التزام بتطوير الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية بمتابعة تنفيذ برامج تأهيل الهياكل القضائية والإدارية وترسيخ تخليقها، وجعل القضاء في خدمة المواطن بدعم ضمانات المحاكمة العادلة وترسيخ احترافية القضاء وتخصصه. ونزاهة وجودة أحكامه نود أن نركز على ضرورة إيلاء التكوين وإعادة التكوين ومراجعة شروط ولوج القضاء والمهن القضائية عناية خاصة للرفع من مستواها بما يتلاءم مع المستجدات المعرفية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن نزاهة الأحكام وجودتها من نزاهة القضاة المرتبطة بمجال التخليق الذي يحتاج إلى خطة محكمة تروم إعادة النظر في معايير تنقيط القضاة وترقيتهم وإسنادهم المسؤوليات القضائية وذلك بالتركيز على: 1) التكوين المستمر، 2) والإنتاج الفكري والقانوني، 3) والتفتيش وتتبع الاجتهادات، 4) والنشر المبدئي لجميع الأحكام والقرارات لتمكين المواطن والمهتم والباحث من الوقوف على تفعيل القواعد القانونية. أما الركيزة الثالثة للعدالة المتمثلة في المعمل الذي تنتج فيه الأحكام والقرارات الذي يترجم فعالية القضاء فإن البرنامج الحكومي أولاها اهتماما خاصا مؤكدا على: 1) تحقيق فعالية القضاء ونجاعته وقربه، 2) وتبسيط المساطر والإجراءات القضائية وتوحيدها، 3) وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، 4) وتحسين ظروف العمل والاستقبال، 5) ونهج الشفافية والحكامة الجيدة في الإدارة القضائية، 6) والرقي بمستوى الإدارة عن طريق استعمال التكنولوجيا الحديثة في أفق التحديث والمكننة الشاملة لمحاكم المملكة خلال الأمد القريب لتسريع البت في القضايا. 7) وضمان وجودة وشفافية الخدمات القضائية والرفع من القدرة التواصلية للمحاكم مع المتقاضين. 8) وتعميم نشر المعلومات القانونية والقضائية، 9) وتسريع تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة وإقرار تدابير ملزمة وفعالة في هذا المجال، وذلك بغية إعطاء النموذج في احترام القضاء والامتثال لأحكامه. ❸ من خلال قراءتكم المتأنية للبرنامج الحكومي في مجال العدالة، بم تصفون هذا المجهود؟ ●● هذا البرنامج الطموح يستحق التنويه ويستدعي من طرفنا التتبع والمواكبة مؤكدين على أنه ينبغي إعادة النظر في مسألة القرب ومدى تحقيق القرب الجغرافي لمفهوم تقريب القضاء من المتقاضين. وبخصوص تبسيط المساطر والإجراءات القضائية وتوحيدها لابد من التفكير في إعادة النظر في مبدأ مجانبة الولوج للقضاء لأن هذا الولوج أصبح مكلفا جدا والتشبت بالمفهوم الضيق لاستقلال القضاء بتخصيص مداخيل صناديق المحاكم لتحسين ظروف العمل في المحاكم وتحفيز كتاب الضبط والعاملين بها على مضاعفة المردودية. وفي إطار تنفيذ الأحكام لابد من الإيمان القوي بأن نجاعة القضاء تكمن في حصول صاحب الحق على حقه وليس في حصوله على حكم قضائي لا يستطيع تنفيذه. وهنا لابد من الإلحاح على الرجوع إلى مسطرة الحجز التنفيذي للمنقولات ونقلها وبيعها بالمزاد العلني في قاعة البيوعات القضائية لضمان تسريع عملية التنفيذ وجدواه، ونبذ وهجر الطريقة المعمول بها حاليا التي أنتجت مآسي وتراكمات لملفات استحال تنفيذها بالمرة وذلك لاشتمالها على عدة وسائل وطرق احتيالية. وفي نفس السياق لابد لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الشركات التجارية من التفكير في مقتضى قانوني يجعل الموقع على التزامها متضامنا شخصيا بقوة القانون في تنفيذ الحكم الصادر عليها. وأريد أن أختم هذا الحوار بالتركيز على الغائبة الكبيرة في البرنامج الحكومي ألا وهي الشرطة القضائية التي تخضع عمليا لسلطتين: السلطة الإدارية والسلطة القضائية ويوجد مقرها بمكاتب إدارة الأمن ويخضع أعضاؤها للسلطة الإدارية فيما يخص حياتهم المهنية وبالتالي فإن النيابة العامة يتأثر عملها بهذه الوضعية ويتعين التفكير في إلحاق الشرطة القضائية بالنيابة العامة بصورة استشارية وجعلها رهن إشارتها في بناية المحاكم ما دام استنطاق المشتبه فيهم لم يعد من المقبول اعتماده على العنف أوالتعذيب وما دام الاتجاه الحقوقي ينحوإلى حضور المحامي عملية الاستنطاق منذ بدايته فلا دير إذن أن تستقر الشرطة القضائية ببناية المحاكم الزجرية وتقوم بمهامها الإدارية بعين المكان، وبالتحريات في دائرة نفوذها حتى تتمكن النيابات العامة من القيام بواجبها على أحسن وجه.