لئن شكلت سنة 2011 سنة وضع قواعد وأسس التغيير من خلال إطار دستوري جديد وانتخابات أفرزت تبلور مشروع حكومة جديدة لتدبير الشأن العام بقيادة حزب العدالة والتنمية، فإن سنة 2012 تمثل سنة تنزيل استحقاقات التغيير واستكمال باقي حلقات التحول الديموقراطي، مما يجعلها سنة مفصلية ذات طبيعة استثنائية. ثمة انتظارات كبيرة وضخمة يقابلها إرث كبير من التحديات والإكراهات، ورغم انتشار الوعي بهذه الأخيرة وحصول الاتفاق عليها إلا أن المجتمع يتطلع إلى بدء مسلسل تجسيد انتظارات ورؤية تجليات الإرادة الواضحة في مواجهة تلك التحديات،وذلك بإجراءات واقعية وملموسة تضع البلاد على طريق التغيير الهادئ والمتدرج والجماعي، الشيء الذي يجعل الامتحان الأول والحقيقي للحكومة المقبلة في أشهرها الأولى هو في إطلاق حزمة إجراءات عملية ذات وقع وأثر على الحياة اليومية للناس وتقدم إرهاصات ما سيتغير في الواقع المعاش للمغاربة، واستثمار الموقف الشعبي الايجابي المتولد عن رؤية مقدمات التغيير من أجل خوض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى للبلاد والتي افتقدت الحكومات السابقة للجرأة على مباشرتها وتعبئة المجتمع والفاعلين بخطاب مسؤول قائم على الصراحة والمسؤولية. لقد تمكن المغرب في سنة 2011 من ربح رهان الخروج من منطق التغيير القسري وما يحمله من مخاطر تهديد الاستقرار والوحدة والتنمية إلى منطق التغيير الجماعي القائم على الثقة والالتقاء التاريخي بين الملكية والقوى الحية وإنجاز الإصلاح في إطار الاستقرار، إلا أن استمرارية ذلك رهينة بالتقدم في تطبيق مهام الإصلاح وهو ما يجعل من السنة الجديدة إن لم نقل الستة أشهر القادمة مصيرية لا تبتغي الاستهانة بدورها في توجيه مسار الخمس سنوات المقبلة ككل، وضمان نجاح النموذج المغربي في ربح تحديات الربيع الديموقراطي. نعم هناك استحقاق كسب ثقة مجلس النواب أو النجاح في الرد على انتقادات المعارضة للبرنامج الحكومي والذي من المتوقع أن يكون موضوع نقاش سياسي كبير، لكن هذا الاستحقاق يبقى جزئيا إذا لم يكن عنصرا في حلقة برنامج التغيير، ويستدعي بالتالي التقدم ببرنامج حكومي واضح من حيث اهدافه ودقيق في اجراءاته ووفي لما أعلن في البرامج الانتخابية، والأهم أن يعلن انطلاق حزمة الخطوات العملية للتغيير في الحياة اليومية للناس. ما سبق يقتضي من عموم الأطراف تجديدا عميقا في طرق الاشتغال والتكيف تبعا لذلك مع هذه الاستحقاقات، باعتبارها حاكمة للمرحلة المقبلة وتفرض تخليا عن الأساليب القديمة والمتجاوزة في المبادرة إلى الإصلاحات من جهة الحكومة أو مواجهتها ونقدها من جهة المعارضة، والتمكن من إعمال كل ما يتيحه النص الدستوري الجديد.