قدمت المنهجية المتبعة في تدبير المشاورات الحكومية عناصر التحول الأولى في المسار السياسي للبلاد بعد انتخابات 25 نونبر، حيث نقلت تدبير هذا الملف من منطق الاختفاء خلف الأبواب واحتكار تدبير التفاوض عند طرف واحد، وتركيزه في نقطة واحدة تحتفظ بالقرار بعيدا عن المؤسسات الحزبية، وتختزله في مجرد عملية توزيع حقائب بدون رؤية سياسية مؤطرة أو تعاقد برنامجي واضح الالتزامات والضوابط، وذلك إلى منطق جديد يقوم على مقاربة تشاركية يساهم فيها كافة أعضاء التحالف بشكل جماعي، ووفق مراحل متدرجة وتراكمية، لا يقع الانتقال إلى التي تليها إلا بعد حسم الأولى، حيث كانت البداية ببناء التحالف وبعده موضوع رئاسة مجلس النواب ثم الحسم في مشروع الهيكلة الحكومية، مع جعل النقاش حول الهيكلة الحكومية مرتبطا بقواعد النجاعة والفعالية والانسجام والتكامل وربط المسؤولية بالمحاسبة، وبموازاة ذلك البدء في مدارسة مشروع البرنامج الحكومي وصياغته وفق أسس تعاقدية وبمقاربة مستقبلية تستحضر الالتزامات البرنامجية والاستحقاقات الدستورية والسياسية القادمة، وذلك في أفق حسم الهيكلة وتوزيع المسؤوليات الوزارية على أعضاء التحالف ثم انطلاق مرحلة تقديم الترشيحات والاتفاق على مشروع الحكومة المقبلة. ما يجري حاليا يؤسس لتقاليد جديدة في تدبير عملية الانتقال السياسي من الحكومة المكلفة بتصريف الأعمال إلى الحكومة المقبلة، وهو موضوع يعرف حالة فراغ قانوني، وسيمثل الحسم فيه وتدقيقه أحد محاور القانون التنظيمي لسير واشتغال الحكومة والذي نص عليه الدستور الجديد، حيث سيكون الانتقال أكبر بكثير من أن يختزل في مجرد تسليم ملفات بين وزير سابق ووزير لاحق، ونعتبر أن ما مكن من تجاوز هذا الفراغ هو اعتماد تلك المقاربة التشاركية ذات الفعالية في تسريع مسلسل بناء الحكومة المقبلة، والتي يمثل استمرارها والاحتكام إليها أحد ضمانات إنجاح هذا المسار الاستثنائي. من الواضح أن النجاح في كل هذا المسار لن يكون سهلا خاصة وأن ما تبقى هو الأصعب في مسلسل بناء الحكومة المقبلة، إلا أنه ينبغي التنبيه على أن الخطأ في الولادة يكون مكلفا وتستمر آثاره طيلة فترة العمل الحكومي، مما يفرض على الأجهزة الحزبية المعنية بإنجاح هذه التجربة التعبير عن درجة عالية من المسؤولية في إدارة باقي المراحل، وتجاوز ما قد يضعف الانطلاقة الديموقراطية لبلادنا، ولاسيما في ظل انتظارات مجتمعية ضخمة و معها حالة ترقب خارجية تنظر للمغرب باعتباره نموذجا لطريق ثالث في انتقال ديموقراطي آمن.