ثمة نقد ذاتي إيجابي في عمومه، بدأ يظهر في صفوف بعض المجموعات الحداثية ويتجه إلى الاعتراف بما سمي «هزيمة للحداثة»، مع تشديده على المفاصلة مع الطرح السياسي والاجتماعي الذي نجح في اقتراع 25 نونبر، وفي مقابل هذا النقد برز موقف مختلف في بعض المراجعات والمواقف الجديدة الصادرة عن توجهات تبنت في الماضي خطا إقصائيا وعدائيا للحركة الإسلامية المعتدلة عموما ولحزب العدالة والتنمية خصوصا واتجهت اليوم إلى طي الصفحة والتأكيد على الضمانات الموجودة سواء في الإطار الدستوري القائم، أو في ارتباط العمل الحكومي بتحالف متنوع يمثل هو الآخر ضمانة، أو في برنامج الحزب الذي عكس توجها نحو الأولويات الاقتصادية والاجتماعية الملحة وإرادة في صيانة الحريات والمكتسبات الحقوقية المسجلة في إطار الدستور والقانون. ما سبق يثير بعض الملاحظات الأساسية، والتي ينبغي التوقف عندها من أجل طي صفحة توترات مبالغ فيها، وضمان انخراط كافة القوى السياسية والمدنية الجادة في سيرورة التحول الديموقراطي، وفي الوقت نفسه ضمان الحق في الاختلاف لكل الأطراف والاقتناع بأن أحد عناصر نجاح هذه السيرورة هو ضمان حق كل طرف في نقد الأخر والرقابة عليه وفق قواعد التدافع الإيجابي والديموقراطي الذي يحفظ الاستقرار والتوازن. إن المطلوب هو أن يذهب النقذ الذاتي إلى أبعد حد ممكن، ويتجاوز النظرة الضيقة والأحادية للحداثة والدذيموقراطية والتي تضع الحركة الإسلامية في حالة عداء، بل وتحول دون تصور إمكانية بناء حداثة في إطار من المرجعية الإسلامية، وتفترض وجود تصادم تناحري بين الديموقراطية والإسلام أو بينه وبين الحداثة، في حين أن الرسالة الأساسية لاقتراع 25 نونبر هي أن المجتمع يتطلع لحداثة إيجابية ولا ينتج عنها تهميش هويته المتعددة المكونات أو تحجم من مرجعيته الإسلامية، كما يبحث عن ديموقراطية تتفاعل مع هذه المرجعية ولا تضعه أمام خيار الحسم لأحدهما، بل التوجه نحو «حداثة مغربية» حقيقية وليس شكلية، وحداثة تضمن للمجتمع الانسجام لا أن تفجر داخله التوترات التمزقات بفعل الاصطدام المفتعل مع المرجعية، وهذا التطلع هو ما انعكس على السلوك التصويتي الذي ينبغي التقاطه من الدوائر التي تعرف وجود مكثفا للطبقة الوسطي والفئات الاجتماعية المحسوبة تقليديا على التوجه الحداثي وخاصة في مدن الرباط والبيضاء ومراكش وفاس ومكناس، حيث ظهر أن القاعدة الاجتماعية لهذا التوجه أخذت تنحاز للتوجه الذي يمثله الحزب وفي الوقت نفسه تنعزل عن القيادة المفترضة لها والمتحدثة بإسمها. اليوم هناك متغير أساسي، وهو الذي ظهرت أرهاصاته في مواقف قطاع آخر من التوجه الحداثي، حيث سعى إلى التفاعل الإيجابي مع نتائج اقتراع 25 نونبر، وتمايز عن الموقف الأول، والذي نعتقد أن مآله في حال تطور الحوار وظهور الآثار العملية له هو تبني الموقف الثاني. المغرب في حاجة إلى طي صفحة توترات وهمية، والانتباه إلى التحديات الكبرى التي تطال نتائجها الجميع، وهو أمر على كافة القوى الوطنية الانتباه إلى ملحاحيته.