سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المقرئ الإدريسي أبو زيد، في حوار شامل مع «التجديد»حول ثورتي سوريا وليبيا، ومستقبل القضية الفلسطينية الغرب له تاريخ معروف في اختطاف الثورات من الإسلاميين وتسليمها إلى العلمانيين
تأسف المقرئ الإدريسي أبو زيد، لكون "الموقف المغربي كان تابعا للموقف الفرنسي"، بخصوص الثورة الليبية، إذ اعتبره "لم يكن في سياق تطوير الدبلوماسية المغربية، في اتجاه أن تصبح دبلوماسية فاعلة"، ورغم ذلك، يرى أبوزيد، أن الموقف المغربي سيحيي نوعا من التوافق الذي حصل سنة 1986، بين المغرب وليبيا، "في سياق دعم المغرب العربي، وليس في سياق علاقات ثنائية تحاصر الجزائر"، وبخصوص تطورات الأحداث في ليبيا، تمنى أبوزيد، أن يقع بين العلمانيين والإسلاميين توافق، وأن لا يمضي الطرف الإسلامي إلى الضغط، أو الطرف العلماني إلى الاستقواء بالغرب، وأن يحصل بينهم "نوع من التفاهم يسمح بحد أدنى من مسايرة القوى الداعمة الآن للثورة الليبية". وتحدث أبوزيد، عن الوضع العربي الإسلامي بعد الثورات العربية الأخيرة، وقال، "أنا نصف متفائل، متفائل بقدرة هذه الشعوب على إزاحة هذه الأنظمة، أو إرغامها على الإصلاح، ومتشائم نظرا للخبرة الطويلة التي عند أمريكا وأوروبا في الالتفاف على هذه الثورات". "التجديد" تحاور المقرئ الإدريسي أبوزيد، حول ثورتي سوريا وليبيا، وموقفه من آخر التطورات، وكذا رؤيته لمستقبل القضية الفلسطينية بعد الثورات العربية الأخيرة. ❍ ما تعليقكم على آخر التطورات التي تشهدها سوريا الآن، من جرائم دموية يرتكبها نظام بشار ضد الشعب السوري؟ ● ليس عندي من تعليق، فالأحداث ناطقة بنفسها على درجة من الوحشية والبشاعة والعنف تصل لدرجة الشذوذ في تاريخ السلوك البشري عند الدكتاتوريين والدمويين، فأحرى عند الحكام ذوي الطبع السوي والأنظمة ذات الطابع المعتدل، فبالمقارنة مع أسوأ ما في الدنيا من دكتاتوريات، يبدو أن وضع سوريا متقدم جدا في السوء وفي الكارثية. وعندي تعليق على أمرين: أولا، بلغ عن بشار الأسد أنه في البداية كان يحاول أن ينحو منحى التجاوب الإيجابي مع هذه الثورات، وأنه هدد من قبل الأجهزة الأمنية المتنفذة والطعمة العسكرية وعلى رأسها أخوه ماهر الأسد فتراجع، كنت أتمنى لو أنه مضى في اتجاه الاقتراب من شعبه والإنصات إلى مطالب النخب المتعطشة للحرية والجماهير المتضررة من أربعين عاما من الاستبداد عوض أن ينصت إلى الطعمة الفاسدة التي ركب معها الآن في مركب اللاعودة. أما التعليق الثاني، فمرتبط بمواقف الأنظمة الأوروبية والأمريكيةالغربية المنافقة التي تتحدث وطبيعة تفاعلها مع الأحداث، واليوم سمعنا أوباما وأمثاله يتكلمون في الأممالمتحدة ويخطبون على الشعب الليبي، يتحدثون على الحرية والكرامة والديمقراطية، في حين لا يسمعون صوتا عن سوريا إلا بكلام نظري، ولا يسمعوننا صوتا عن اليمن بالمرة، هذا يدل على درجة من التواطؤ حسب المصالح وليس حسب المبادئ للأسف الشديد. ❍ وبالنسبة لليبيا، والتطورات الأخيرة، والمساعي لتشكيل الحكومة الانتقالية؟ ● طبعا في ملامح الحكومة المرتقبة، أثر للضغط الغربي الذي يريد أن يغلب التيار العلماني، أو على الأقل التيار التقليدي على التيار الإسلامي، علما بأنه بمسمى الديمقراطية التي يزعمون، التيار الإسلامي هو الذي قاد الثورة الشعبية، وهو الذي قاد الثورة المسلحة، والقادة الميدانيين، ليس أغلبهم وإنما بالكامل، هم خريجو معتقلات القذافي الإرهابية من الإسلاميين، وبالتالي يراد اللعب على ورقة التهميش، وهذا تاريخ معروف ومضطرد عند الغرب في أن يختطف الثورات من الإسلاميين ويسلمها إلى أعدائهم من القوميين والعلمانيين، وإن لم يكن فمن المحافظين. وأرجو أن يقع بين الطرفين في ليبيا تفاهم، وأن لا يمضي الطرف الإسلامي إلى الضغط، أو الطرف العلماني إلى الاستقواء بالغرب، وأن يحصل بينهم نوع من التفاهم يسمح بحد أدنى من مسايرة القوى الداعمة الآن للثورة الليبية والتي لا مناص من مسايرتها، ولكن ليس على حساب اختيارات الشعب الليبي، وليس على حساب هذه الفرصة الناذرة التي سقاها بدمه ورواها بدموعه. ❍ الغرب وأمريكا خصوصا، لهم ملاحظات على المجلس الوطني الانتقالي، وخصوصا مسار بعض قيادييه، هل تعتقد أن المجلس الانتقالي سيصمد أمام الضغوطات الغربية؟ ● هو لم يصمد قط، بالعكس، تحت الطاولة هناك ابتزاز كبير للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، هناك عقود نفط سرية كثيرة وقعت، حسب بعض وسائل الإعلام ذات المصداقية، بل إنه أخذ على نفسه بتعويض ضحايا البريطانيين، من دعم القذافي للجيش الأيرلندي، وتورط في موقف تهميشي للحركة الإسلامية، لم تستبن ملامحه بعد، فالمجلس الانتقالي هو أعلم بنقط الضعف التي من خلالها يمارس عليه نوع من الابتزاز، وعلى رأسها التراجع أحيانا عن قصف مواقع القذافي، أو إغماض العين عن كتائبه الإجرامية، بقيت مصراتة تقصف قصف وحشي لأسابيع من قبل قوات القذافي، أمام سمع وبصر المدمرات البحرية الأمريكية والطيران، أيضا في قضية تسليم الأموال المجمدة بالقطارة، في كل محطة تسليم هناك ابتزاز تحت الطاولة، فالانتقالي يبدو أنه متورط في مسايرة الضغوطات الغربية، وأظن أن الدور العربي المتمثل في جامعة الدول العربية دور محايد، والدور العربي المتمثل في قطر والإمارات دور ممالئ، فالرهان هو التفاهم بين المجلس الوطني الانتقالي وبين القوى الإسلامية لكي لا يقع صدام بينهم، وأن يسايروا في الظاهر الجهات المتنفذة الآن دوليا، إلى أن يبحثوا لهم عن صيغة توافق، وعن ميثاق شرف داخلي يمنع الاقتتال في مرحلة قادمة، أو يمنع انقلاب بعضهم على بعض، والذي لا نتمنى أن لا يقع، وإن كان البعض يرسم له بحدة. ❍ ظهرت تقارير إعلامية تكشف عن استفادة عدد من القوميين العرب، بينهم مغاربة، من دعم مالي من طرف النظام الليبي أو السوري، ما تأثير ذلك على صورة القوميين العرب، مسارهم النضالي دعما لقضايا الشعوب المستضعفة؟ ● هذه الصورة بدأت في التضرر أول مرة بعد حصار العراق، ثم بعد سقوط صدام حسين، ليس سرا أن القوميين يستفيدون من دعم الأنظمة القومية، كما أن الشيوعيون كان يستعينون بالدول الشيوعية، وكما أن الليبراليون يستعينون بالدول الغربية، كما أن جهات معينة كانت تستعين بدعم سعودي أو إيراني، وكل حسب موقعه، كل حسب قدرته، وحسب الجهة التي يستعين بها، لكن التيار القومي عموما الآن، رغم تضرر صورته، في الموقف من القضية الفلسطينية، وفي الموقف من الممانعة والتطبيع والمقاومة، مازال إلى جانب الإسلاميين، يكاد يكون هو التيار الوحيد من غير التيارات الإسلامية الذي يدعم هذه القضايا بحدة، وهو أيضا تيار منظر، وله أسماء وازنة من مسلمين ومسيحيين، على مستوى الكتابة والإعلام والخطابة ومستوى التأليف والبحث، ومؤسسات البحث والنشر، في التأصيل لقضايا الوحدة والتجزئة والصهيونية والتطبيع والقضية الفلسطينية وحركة التحرر، أظن أنه من هنا يستمد مشروعية استمراره، كما أن له حضورا لأسبابه في الساحة، بالاشتراك مع التيار الإسلامي في تنظيم الاحتجاج والتظاهر والاعتصام وغيره، فتمويل هاته الأنظمة له لم يكن تمويلا داخليا، أي لم يكن هؤلاء القوميون يساندون إرهاب هاته الأنظمة أو يساندون استبدادها ونهبها، وإنما كانوا يستلمون منها دعما ماديا لهاته القضايا المشتركة، بين هذه الأنظمة على سوؤها، وبين هذا التيار القومي، التي هي قضايا الممانعة، وقضايا مواجهة التطبيع، ودعم القضية الفلسطينية إجمالا. ❍ تراجع دعم القوميين العرب لقضايا الشعوب المستضعفة، ساندوا الثورتين المصرية والتونسية، وخفت صوتهم أمام الثورتين الليبية والسورية، كيف تفسرون ذلك؟ ● معروف لأن هذين النظامين التونسي والمصري خصمان للتيار القومي، ولأن هذين النظامين متهالكين أمام التطبيع، ولأن القوميين كانوا ضمن المهمشين والمضطهدين في هذين النظامين، فطبيعي أن يتخذ القوميون هذا الموقف ضد النظامين الهالكين في تونس ومصر، بالمقابل هناك دعم واضح للقوميين في أروقة النظام الليبي والنظام السوري، فمن الطبيعي أن يكون الدعم للثورات ضدهما دعما خجولا، أو متراجعا، أو أن لا يكون الدعم إطلاقا، وهذا مفهوم، فحركة حماس وهي حركة إسلامية وليست محسوبة على التيار القومي، لم تتخذ موقفا يذكر ضد النظام الليبي، لم تتخذ موقفا بالمرة ضد النظام السوري، إيران وهي دولة تقول أنها إسلامية، تدعم النظام القومي المتطرف في سوريا نزرا لحسابات، وكذلك حزب الله، هذه المسألة مسألة مواقع وعلاقات وحسابات ومصالح، وليس بالضرورة أن تكون المصالح بالمعنى القدحي في هذا السياق. ❍ كيف ترون مستقبل العلاقات الليبية المغربية على ضوء الدعم المغربي المعلن للمجلس الانتقالي؟ ● يؤسفنا أن نقول أن الموقف المغربي كان تابعا للموقف الفرنسي، فموقف المغرب من الثورة الليبية لم يكن في سياق تطوير الدبلوماسية المغربية في اتجاه أن تصبح دبلوماسية فاعلة، على الأقل كما نرى قطر، ولكن هو في اتجاه السياق العام لتواضع الأداء الدبلوماسي وخموله وتردده الخجلي ولأنه يتبع الموقف الفرنسي، فهو ممالئة لساركوزي أكثر من ما هو إحساس بآلام الشعب الليبي، ولكنه على كل حال، سينعكس على إيجابا على العلاقات المغربية الليبية وربما يحيي نوع التوافق الذي حصل سنة 1986 في صيغة اتفاقية الوحدة العربية الليبية، ولكن هذه المرة في سياق دعم المغرب العربي، وليس في سياق علاقات ثنائية تحاصر الجزائر. ❍ وعلاقة بملف وحدتنا الترابية، هل تتوقعون حراكا للملف مستقبلا، ونحن نستحضر أن البوليزاريو سيفقد دعم نظام القذافي؟ ● هو لا شك أن سقوط النظام الليبي سوف يزيد من تأزم وضع البوليزاريو ولكن البوليزاريو لا يتضرر تضرر كبير إلا بتغير الموقف الجزائري، لأنه محتضن كليا من النظام الجزائري ماديا وسياسيا وترابيا، ولذلك توقعنا أن تضعف البوليزاريو، إذا ما وقعت حركة احتجاج قوية في الجزائر، خصوصا وأن عدة مؤشرات تدل أن نقمة الشعب الجزائري على نظامه، تأتي من موقفه من قضية الصحراء، من موقفه الداعم للبوليزاريو، من موقفه في موضوع إغلاق الحدود، وأكبر دليل على ما أقول، هو أنه كل ما تحركت القوى الشعبية في الجزائر، وأحس النظام ببوادر تمرد، إلا وبدأ يلعب بورق فتح الحدود مع المغرب، وتحسين العلاقات مع المغرب، وأذكر في الثورة العنيفة التي كانت في 5 أكتوبر 1988، أن أول ما اتجه إليه قصد الجماهير الغاضبة، هو مكاتب البوليزاريو، وتم إحراقها احتجاجا على إنفاق الأموال على هذه الطغمة، وترك الشعب الجزائري يتدور جوعا. ❍ هل أنت متفاءل بخصوص الوضع العربي الإسلامي بعد الثورات العربية الأخيرة؟ ● أنا نصف متفائل، متفائل بقدرة هذه الشعوب على إزاحة هذه الأنظمة، أو إرغامها على الإصلاح، ومتشائم نظرا للخبرة الطويلة التي عند أمريكا وأوروبا في الالتفاف على هذه الثورات، من يقرأ كتابات نوعام تشومسكي، خصوصا كتابه القيم، "ما الذي يريد حقيقة العم سام"، وكتابه الخطير "تواريخ الانشقاق"، يرى تفاصيل كيف استطاعت أمريكا أن تلتف على الثورات الشعبية التي اندلعت في أمريكا اللاتينية، وفي أجزاء من آسيا، وأيضا كيف استطاعت أوروبا أن تجهض ثورات حصلت في أجزاء من آسيا وفي إفريقيا، فخوفي أن تتكرر القصة بأن يتم الالتفاف مرة أخرى على هذه الثورات، وبعض النذر غير المريحة، بل المريبة في ثورتي مصر وتونس، تؤشر على هذا، فالوضع في تونس ومصر، قد يخرج إلى ثورة ثانية، أو إلى عواقب لا تحمد عقباها، أو قد تختطف، وتجير لصالح نفس الموقف القديم بصيغة أخرى، لكن مصدر تفاءلي الحذر، كون أن الشعوب الآن تغيرت على مستوى وعيها وإدراكها، وتغيرت درجة جرأتها على الحكام، وأصبح لها نفس أطول، يظهر من صمود الشعب الليبي والسوري، واليمني أيضا، أملنا في الرهان على هذه الجماهير، والنخب الجديدةالشابة الصاعدة مع هذه الجماهير، فالنخب القديمة هي جزء من الوضع المتساقط، الذي لا أمل في أن يصلح ذاته من الداخل، كما يقول المفكر عبد الكريم بكار. ❍ وكيف ترى مستقبل القضية الفلسطينية؟ ● القضية الفلسطينية، سوف تمر من ثلاث مراحل حتمية، الأمر لا يتعلق بتخمين ولكن بقراءة موضوعية، المرحلة الأولى، هو أن هذه الثورات ستنعكس سلبا على القضية الفلسطينية، وهو المدى القصير، بحيث ستنشغل الجماهير بثوراتها الداخلية، وبقضاياها الذاتية، وتحديات ما بعد الثورة وبتثبيت الأنظمة الجديدة، وسيكون القاسم المشترك هو نوع من اللين اتجاه القوى الغربية الداعم لمثل هذه الثورات، خصوصا بليبيا، وتونس ومصر بدرجة ثانية، على الأقل دعم مادي، وأتصور بأن الثورة القادمة في سوريا سوف تحمل الكثير من قيم الحرية، ولكنها ليس بالضرورة أن تتخذ نفس الموقف من المقاومة والممانعة، ربما بمنطق رد الفعل، ربما بدخول عناصر كانت تخاصم النظام السوري ليس لاستبداده ولكن لموقفه من المقاومة، في هذه المرحلة ستعرف القضية الفلسطينية المزيد من العزلة والتهميش، وظهرت البوادر الآن في كون إسرائيل تضرب وتبطش، بلا حسيب، وتستمر في التهويد، بل وتستغل فرصة انشغال الشعوب الآن، لنهب المزيد من الأراضي، وشفط المياه ومصادرة الوجود الفلسطيني في القدس وتهويدها، ولولا رد الفعل المصري الأخير، باقتحام السفارة وهدم الجدار، ومصادرة الوثائق وحرق السفارة، لكان لإسرائيل جرأة أكبر وفجور أكثر. أما في مرحلة متوسطة، سوف تنعكس هذه الثورات بعد استقرارها إيجابا على الشعب الفلسطيني دعما، لكنه سيكون دعم دون مستوى التحرير، أو دون مستوى حسم الصراع، ودون مستوى ردع العدو الصهيوني ردعا كاملا. وفي المرحل الثالثة، إذا أثمرت هذه الثورات أنظمة ديمقراطية، وأثمرت هذه الأنظمة الديمقراطية ازدهارا واستقرارا بموجب الدارة الحضارية كما أسميها، وهي تشيه الدارة الكهربائية: "حرية تعطي ديمقراطية، ديمقراطية تعطي رقابة على المال العام، رقابة على المال العام، تعطي إنفاقه في مجالاته الطبيعية"، و هي البحث العلمي، التصنيع والتسلح، هذا يعطي قوة وعزة، وهذا يمكن هذه الأنظمة الجديدة التي تنصت لنبض شعوبها، وتستمد شرعيتها من الشارع، وسيصبح لها رأي عام كما في أوروبا، سوف يكون ذلك في المدى البعيد، دعما للقضية الفلسطينية، لكن خارج هذا السياق، هناك خط مستقل تقوم عليه تركيا الآن، وهو غير مربوط بحراك الشعوب، لأن تركيا سبقتنا في مجال الديمقراطية، الآن تركيا بالنسبة للقضية الفلسطينية في المرحلة الثانية وليست في المرحلة الأولى، وهي مرحلة بدء استقرار النظام واستقوائه بشعبيته وجماهيره وثقته بنفسه، وبعطائه وبنتاجه القومي وبصادراته، وباستعداده لأن يملأ مكانه في شرق المتوسط بالبوارج الحربية وباستخراج الغاز، وبعدم ترك إسرائيل واليونان تستفرد بهذه البقعة الإستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، فبالنسبة للنظام الإيراني، هو الآن في المرحلة الثالثة، والنظام التركي في المرحلة الثانية، والنظام العربي في المرحلة الأولى، و لكن في المستقبل المتوسط والبعيد، القضية محسومة لصالح الطرف الفلسطيني ضد الطرف الصهيوني، ولهذا إسرائيل واعية الآن بهذا الأمر، فتريد أن تسابق الزمن لكسب أكثر ما يمكن كسبه من الأرض ومن المقدرات، وبناء المستوطنات، والتهويد، وأخذ الأموال من الغرب، وأخذ الدعم اللامشروط منه. ❍ ما تعليقكم على لجوء السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة، لانتزاع عضويتها بالأممالمتحدة؟ ● هو لاشك أنها خطوة مهمة، وخطوة أحرجت إسرائيل، فهي في غاية من الغيظ، وأمريكا أيضا في غاية من الحرج، ولكن وجه انتقادها من قبل الأطراف الأخرى، أنها خطوة منفردة، وأنها خطوة، كأنها فرار إلى الأمام من إكمال استحقاق المصالحة، وطبعا إسرائيل ترفع صوتها ضد المصالحة أكثر من صوتها ضد هذه الخطوة، لأن المصالحة هي الخطوة الحقيقية التي تعطي لهذه الثانية معناها، فالخوف أنها تصبح قفزة في الهواء، بتعبير محمود درويش، الخوف في أن تكون وسيلة من وسائل تلميع السلطة المتهالكة، التي قصم ظهرها بسقوط حسني مبارك، الخوف في أن يكون وراء هذه الخطوة، ليس المقصد النبيل وهو إحراج إسرائيل وأمريكا، وإنما هو التعالي على الأطراف الأخرى التي تنتظر خط المصالحة، ومع ذلك أنا أرى في الإجمال أنها خطوة لا بأس بها، وهي في الحقيقة تكملة لخطوة عرفات سنة 1989، عندما رفض اعترافه بإسرائيل، ومنع من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية بموجب ذلك، في زمن "ريغن"، فذهب إلى جنيف، وألقى خطابه التاريخي، وحصل على اعتراف 120 دولة، لكنه من ناحية عملية، هو اعتراف لن يقدم ولن يؤخر، كما لم يقدم الاعتراف الذي قبله ولم يؤخر، كما أن حكم محكمة لاهاي لصالح منع الجدار، لم يقدم و لم يؤخر، لكنها خطوات رمزية، وكل ما هو رمزي هو جيد. عندي على ذلك تحفظ آخر، وهو الجانب الأمني، عندما شرع عرفات في أخذ مواقف راديكالية بعد فشل كامب ديفيد الثانية سنة 2000، حاصرته إسرائيل، ومنعته من الخروج، ثم بعد ذلك قتلته، لكننا نرى مع صوت إسرائيل المرتفع ضد خطوة محمود عباس، أنه يتحرك بحرية داخل فلسطين وخارجها، وسمح له بالذهاب إلى أمريكا، وسمحت له أمريكا بالدخول، وهذا ما لم نره لا في خطوة 1989، عندما امتنعت أمريكا عن استقبال عرفات، فتم تحويل الجمعية العمومية إلى جنيف، ولا بعد أن اتخذ موقفا بدعم المقاومة سنة 2000، فحاصرته إسرائيل في مقاطعة رام الله، وحكمت عليه بالموت البطيء، فهذا هو الذي يجعلني أخاف أن يكون هناك شكل من أشكال التفاهم، من أجل خطوة يراد أن تكون سياسية لكنها خطوة مسرحية.