علاقة المغاربة بالصيام بشكل عام وصيام رمضان بشكل خاص علاقة قوية وتعبر عن خصوصية مغربية بامتياز. والأمر هنا لا يتعلق بتصريف خطاب متعصب بقدر ما يتعلق بحقائق معاشة وحقائق إحصائية معتبرة. فمن الناحية الواقعية يعتبر صيام رمضان أكثر قدسية في الثقافة الشعبية من غيره من الشعائر. فتارك الصلاة يمكن أن يتعايش الناس معه، تقريبا، بدون مشاكل وبدون أن يعلنوا أي موقف منه ومن وضعه. ونفس الشيء بالنسبة لباقي الشعائر. في حين أن "التسامح" مع المفطر عمدا في رمضان يمكن لردود الفعل أن تتجاوز حدود النفور والمقاطعة إلى التبليغ به وتعنيفه. وقد أكدت دراسة حول "القيم والممارسات الدينية في المغرب" سنة 2007 مركزية الصوم عند المغاربة، ورغم أن موقف المغاربة من الذين لا يؤدون فريضة الصيام أبانت عن تسامحهم الكبير حيث أن قرابة 60في المائة من المستجوبين لا يعتبرونهم خارجين عن الدين، إلا أنهم يؤكدون أن على هؤلاء أن يستتروا. وفي المقابل يصل تقدير الناس للصيام إلى نوع من المبالغة حيث أن إفطار دوي الرخص الشرعية ينظر إليهم بنوع من عدم الرضا والاستخفاف. وهكذا يتوارى عن الأنظار من عزم من هؤلاء على التمتع برخصة الإفطار. فلا يعلم حتى أفراد الأسرة الواحدة أحيانا حال غير الصائمين منهم وهم جميعا على مائدة واحدة. والأمر لا يتعلق بنوع من "حشوما" في حالات الحيض مثلا، بل يطال الشيوخ والعجائز والحوامل والمرضعات والمرضى والمسافرين... وحتى إذا أفطر هؤلاء خفية، فهم يفعلون ذلك بنوع من التأثم. وهناك حالات في أوساط النساء الحوائض من تستمر في الإمساك عن الأكل والشرب وهي تعلم أنها غير صائمة. والويل لمن شربت وقد اضطرها العطش إلى ذلك! وقد شهدت السنين التي صادف فيها رمضان شهر غشت معانات المسافرين من العطش وهم في حافلات لم تكن بها مكيفات الهواء ورغم ذلك يصرون على الاستمرار على الصيام ولو مع مشارفتهم على الهلاك. ولا يتعلق الأمر بموقف المجتمع وما يفرضه على الأفراد من إكراهات فقط. بل يتعلق بتنشئة دينية واجتماعية يتداخل فيها الجهل بالدين ومقاصده بثقافة المبالغة في سد باب الذرائع لتجنب وقوع تسيب يسمح للتجرؤ على الإفطار العمد والعلني بكسب الشرعية في المجتمع. فهل يمكن مثلا، والحال هذه، تصور أن تفتح مطاعم الطريق أبوابها بشكل عادي أيام رمضان في وجه المسافرين؟ وهل يتقبل المجتمع أن تشتغل بعض المقاهي نهارا في رمضان على اعتبار وجود فئة من دوي الرخص الشرعية والأطفال؟