مجلس الشيوخ في البراغواي يدعم سيادة المغرب على صحرائه    رسائل عيد الاستقلال    مخاوف حول سلامة علب التونة في السوق المغربية بعد تقارير دولية عن التلوث بالزئبق    حزب الله يؤكد مقتل محمد عفيف    الركراكي يختتم استعدادات المنتخب    "أشبال U17" يتعادلون مع التونسيين    الملعب الكبير للحسيمة .. افتتاح ببعد قاري إفريقي    اختفاء شخصين خلال "رحلة سياحية جبلية" يستنفر السلطات المغربية    مجلس الشيوخ الباراغواياني يؤكد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    4 مؤشرات دولية ومحلية تؤكد أن ملف الصحراء اقترب من الحسم    نفق جبل طارق.. حلم الربط بين إفريقيا وأوروبا يصبح حقيقة    داخل قنصلية المغرب بنيويورك.. ياسين عدنان يتحدث عن الغنى الثقافي للمملكة    أسعار اللحوم البيضاء تعود للارتفاع بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    مسؤول إسباني.. تدخل الفرق المغربية أحدث فارقا كبيرا في جهود الإغاثة بفالنسيا    فيضانات إسبانيا.. الجهاز اللوجستي المغربي "ساهم بشكل كبير" في ترميم البنية التحتية المتضررة (مسؤول إسباني)    قائمة أسماء الشخصيات التي اختارها ترامب لتتولّى مناصب في إدارته    الدرهم يرتفع مقابل الأورو على خلفية ارتفاع ملحوظ للتداول البنكي وفقا لبنك المغرب    العصبة تُحدد موعد "ديربي البيضاء"    التفاوض حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقسم النقابات في المغرب    فى الذكرى 21 لرحيل محمّد شكري.. مُحاوراتٌ استرجاعيّة ومُحادثاتٌ استكناهيّة مع صَاحِبِ "الخُبزالحَافي"    خاتمة العلوي تعود ب"شدة وتزول" بعد سنوات من الاعتزال    دنماركية تفوز بمسابقة "ملكة جمال الكون" 2024    عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة يبلغ 171 مرفقا    مصرع طفل في تطوان جراء ابتلاعه "كيسا بلاستيكيا"    المنتخب المغربي يعزز خياراته الهجومية بعودة سفيان رحيمي    تجار القرب يعلنون تكتلهم لمواجهة توغل الشركات الكبرى بالأحياء السكنية    قلة الأطباء والأَسرّة وطول المواعيد.. وزير الصحة يؤكد أن خدمات الطب النفسي بالمغرب تبقى أقل من المطلوب    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    حقوقيون يستنكرون استمرار تعليق رواتب 18 أستاذا رغم الأحكام القضائية    احباط تهريب 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    موعد مباراة المغرب ضد ليسوتو بالتصفيات الأفريقية والقنوات الناقلة    المغرب يطلق أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية باستثمار 1.3 مليار دولار    بعد الانتصار على الغابون.. المنتخب المغربي يضيف لرصيده 5 نقاط ويقترب من المركز 12 عالميا    جوليا نشيوات.. من ضابطة استخبارات إلى مستشارة للأمن الداخلي في إدارة ترامب    التهراوي: هامش ربح الصيدلي والموزع محدد أساسي لأسعار الأدوية في المغرب    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية        مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد السلام بلاجي:
لأول مرة نجد أنفسنا أمام منهجية تشاركية في صياغة الدستور منذ الحماية
نشر في التجديد يوم 28 - 07 - 2011

قال عبد السلام بلاجي إن المنهجية التي أعد بها دستور 2011 أكثر تقدما لحد الآن، مؤكدا أنه لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة. وأوضح بلاجي أن دستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، والميثاق الأساسي للمملكة أعده الملك لوحده، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدهما الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر. ويرى بلاجي في حواره مع «التجديد»، نقدمه في حلقات، حول التطور الدستوري الذي شهده المغرب في المائة سنة الماضية، أنه قبل هذا التاريخ وبالضبط في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم يؤكد بلاجي، موضحا بأنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912. وأبرز الأستاذ المتخصص في الفقه الدستوري، أن إصدار ظهير الحريات العامة يعتبر نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، تلاه في سنة 1962 والتي عرف معها المغرب أول نص دستوري عصري.
● هل يمكن إعطاءنا نظرة عامة عن طريقة التدبير التشريع والقانوني في المغرب قبل بناء الدولة بمقوماتها العصرية؟
●● لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة قبل الإسلام اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية، وهم من الشعوب القليلة التي احترمت نسخ الرسالات السماوية: فكلما نسخت رسالة سماوية اتبعوا الرسالة الناسخة وتركوا المنسوخة، وبنفس المنطق اعتنقوا الإسلام مع استمرار أقلية بقيت معتنقة لليهودية، أما نظام الحكم قبل الإسلام فكان نظاما ملكيا وهذا ما تعكسه اللهجة السوسية مثلا: فالمملكة هي تكلديت، والملك هو أكليد وهو نظام وراثي محكوم بعدد من الأعراف القبلية والاجتماعية.
ومع اعتناق المغاربة للإسلام، استمروا على النظام الملكي مع إضفاء الطابع الإسلامي عليه: حيث يتم تنصيب الملك وفقا لعقد بيعة يصوغه العلماء يلتزم فيه الملك بخدمة الأمة أو ما يسمى «النصيحة»، ويلتزم العلماء والأعيان نيابة عن الأمة «بالسمع والطاعة»، ويقوم العلماء مع الأعيان بدور «شورى الدولة» ويعزلون الملك في حال الخيانة أو الضعف أو ارتكاب أخطاء جسيمة، كما أن الملك في الغالب يجب أن يكون من سلالة أسرة تنتمي إلى بيت النبوة، أو على الأقل أسرة مجاهدة أو عالمة: فالأول يسمى شريفا، والثاني مرابطا أو «أكرام» بلغتهم. ونظام الحكم لا مركزي: حيث يكتفي أعيان القبائل والمناطق والجهات بإعلان الولاء للدولة من خلال مبايعة الملك وتزويد الخزينة المركزية للدولة بقسط من الجبايات، بينما يحكمون القبيلة أو المنطقة أو الجهة بمقتضى الشريعة الإسلامية والأعراف التي لا تخالفها.
● ماذا عن التطور الدستوري الذي شهده المغرب منذ الحماية إلى الآن؟
●● استمر الحكم السياسي في الغالب ملتزما بهذه الأعراف «الدستورية» التي ذكرنا سلفا إلى ما قبل الحماية، حيث إنه في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم، ويكفي أنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912، حيث قسم المغرب إلى سبعة أجزاء وهي: الصحراء الشرقية وألحقت بالجزائر، ومنطقة الشمال (أو المنطقة الخليفية)، ومنطقة الجنوب الأدنى، ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وألحقت بإسبانيا، والمنطقة الوسطى ومنطقة شنقيط وألحقت بفرنسا، ثم المنطقة الدولية بطنجة. ولم يعد اسم المغرب في هذه الفترة يطلق إلا على المنطقة الوسطى المحتل من طرف فرنسا، وقد ظل طيلة فترة الحماية محكوما من طرف مقيم عام يتحكم في التقنين العام والحياة المدنية والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والوضع السياسي، بينما يمارس السلطان السلطة الدينية بمقتضى ظهائر ملكية.
وبعد استقلال المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوب الأدنى –باستثناء إيفني- كان هناك فراغ دستوري، لكن تم الاستنجاد بأعراف ما قبل الحماية وتطعيمها بأعراف جديدة: حيث تم تأسيس مجلس استشاري معين، وإصدار ظهير الحريات العامة الذي نعتبره نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، وفي سنة 1962 عرف المغرب أول نص دستوري عصري متمثلا في دستور 1962 الذي أعده أستاذ القانون الدستوري «موريس دو فيرجيه» بعدما أفشلت اللجنة التأسيسية المعينة من طرف الملك الحسن الثاني برئاسة الأستاذ الفقيه علال الفاسي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن عرف المغرب ستة دساتير آخرها الدستور الحالي: دستور يوليوز 2011. بالإضافة إلى مشروع دستور 1908. وقد ظلت الوثائق الدستورية بمجملها قاصرة عن مشروع دستور 1908، بينما ظلت النصوص الدستورية الأخرى –لسنوات 1970، و1972، 1992، و1996 قاصرة عن دستور 1962، وربما حاول معالجة الخلل لكنه رغم كل إيجابياته لم يستطع أن يتجاوز – على العموم- سقف دساتير ملكيات أوروبا في القرن التاسع عشر.
● تقييمكم للتطور على مستوى المنهجية؟
●● على مستوى المنهجية التي تم إعداد الدساتير المغربية بها تعتبر منهجية إعداد دستور 2011 أكثرها تقدما لحد الآن، فدستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدها الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر، ولجنة صياغة الدستور مكونة من أساتذة جامعيين مشهود لهم بالرسوخ رغم غلبة توجهات إيديولوجية معينة –يسارية بالخصوص- عليها، ثم لجنة تتبع مكونة من الأمناء العامين للأحزاب والنقابات المهنية، كما تقدمت الأحزاب والنقابات وبعض الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني بمذكراتها وتصوراتها للجنة الصياغة، وقد تجاوز عدد المذكرات المقدمة 180 مذكرة، كما شاركت أحزاب ومنظمات وفئات شبابية وشخصيات وطنية بآرائها من خارج اللجنة وأسلوب تقديم المذكرات، بآرائها واقتراحاتها، وكانت هناك آراء أخرى تنادي بلجنة تأسيسية منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وترفض اللجنة المعينة وما سمته بالدستور الممنوح أو حتى «دستور العبيد». وبعد صياغة اللجنة المكلفة لنص المسودة الأولى للدستور، سلمت للأحزاب السياسية -رغم أنها لم تسلم للجميع، كما لم يتح لمن سلمت لهم وقت كاف للاطلاع والتمعن- مما مكن بعض هذه الأحزاب من تقديم استدراكاتها وتعديلاتها على المسودة ولا سيما في المقتضيات المتعلقة بهوية ولغات الدولة.
وعلى العموم ورغم كل المؤاخذات المعبر عنها، يمكن القول من ناحية منهج إعداد الدستور المغربي بأننا لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة، كما يمكننا القول بأن إقرار هذه المنهجية التشاركية يعود الفضل فيه لضغوط الشارع والأحزاب ولا سيما حركة شباب 20 فبراير وضغط تحركات الشعوب العربية، التي لولاها لما كان هناك تعديل ولا تشارك، بل بالعكس كان المغرب قبل ثمانية أشهر يسير نحو نفق سياسي ودستوري مظلم بعد أن أوهم المفسدون و الاستبداديون الدولة بنجاعة خيار ما سمي «بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مع تبني نموذج الواجهة الديمقراطية إسوة بالنظامين المقبورين في كل من تونس ومصر، وكان من قدر الله أن سقط هذان النموذجان السيئان وتنبهت الدولة وعلى رأسها الملك إلى أنه لا بديل ولا نجاة ولا تنمية إلا مع تبني خيار المشاركة والحرية، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل لا بد من الكرامة والحرية والديمقراطية والمشاركة.
عبد السلام بلاجي:
لأول مرة نجد أنفسنا أمام منهجية تشاركية في صياغة الدستور منذ الحماية
قال عبد السلام بلاجي إن المنهجية التي أعد بها دستور 2011 أكثر تقدما لحد الآن، مؤكدا أنه لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة. وأوضح بلاجي أن دستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، والميثاق الأساسي للمملكة أعده الملك لوحده، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدهما الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر. ويرى بلاجي في حواره مع «التجديد»، نقدمه في حلقات، حول التطور الدستوري الذي شهده المغرب في المائة سنة الماضية، أنه قبل هذا التاريخ وبالضبط في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم يؤكد بلاجي، موضحا بأنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912. وأبرز الأستاذ المتخصص في الفقه الدستوري، أن إصدار ظهير الحريات العامة يعتبر نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، تلاه في سنة 1962 والتي عرف معها المغرب أول نص دستوري عصري.
● هل يمكن إعطاءنا نظرة عامة عن طريقة التدبير التشريع والقانوني في المغرب قبل بناء الدولة بمقوماتها العصرية؟
●● لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة قبل الإسلام اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية، وهم من الشعوب القليلة التي احترمت نسخ الرسالات السماوية: فكلما نسخت رسالة سماوية اتبعوا الرسالة الناسخة وتركوا المنسوخة، وبنفس المنطق اعتنقوا الإسلام مع استمرار أقلية بقيت معتنقة لليهودية، أما نظام الحكم قبل الإسلام فكان نظاما ملكيا وهذا ما تعكسه اللهجة السوسية مثلا: فالمملكة هي تكلديت، والملك هو أكليد وهو نظام وراثي محكوم بعدد من الأعراف القبلية والاجتماعية.
ومع اعتناق المغاربة للإسلام، استمروا على النظام الملكي مع إضفاء الطابع الإسلامي عليه: حيث يتم تنصيب الملك وفقا لعقد بيعة يصوغه العلماء يلتزم فيه الملك بخدمة الأمة أو ما يسمى «النصيحة»، ويلتزم العلماء والأعيان نيابة عن الأمة «بالسمع والطاعة»، ويقوم العلماء مع الأعيان بدور «شورى الدولة» ويعزلون الملك في حال الخيانة أو الضعف أو ارتكاب أخطاء جسيمة، كما أن الملك في الغالب يجب أن يكون من سلالة أسرة تنتمي إلى بيت النبوة، أو على الأقل أسرة مجاهدة أو عالمة: فالأول يسمى شريفا، والثاني مرابطا أو «أكرام» بلغتهم. ونظام الحكم لا مركزي: حيث يكتفي أعيان القبائل والمناطق والجهات بإعلان الولاء للدولة من خلال مبايعة الملك وتزويد الخزينة المركزية للدولة بقسط من الجبايات، بينما يحكمون القبيلة أو المنطقة أو الجهة بمقتضى الشريعة الإسلامية والأعراف التي لا تخالفها.
● ماذا عن التطور الدستوري الذي شهده المغرب منذ الحماية إلى الآن؟
●● استمر الحكم السياسي في الغالب ملتزما بهذه الأعراف «الدستورية» التي ذكرنا سلفا إلى ما قبل الحماية، حيث إنه في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم، ويكفي أنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912، حيث قسم المغرب إلى سبعة أجزاء وهي: الصحراء الشرقية وألحقت بالجزائر، ومنطقة الشمال (أو المنطقة الخليفية)، ومنطقة الجنوب الأدنى، ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وألحقت بإسبانيا، والمنطقة الوسطى ومنطقة شنقيط وألحقت بفرنسا، ثم المنطقة الدولية بطنجة. ولم يعد اسم المغرب في هذه الفترة يطلق إلا على المنطقة الوسطى المحتل من طرف فرنسا، وقد ظل طيلة فترة الحماية محكوما من طرف مقيم عام يتحكم في التقنين العام والحياة المدنية والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والوضع السياسي، بينما يمارس السلطان السلطة الدينية بمقتضى ظهائر ملكية.
وبعد استقلال المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوب الأدنى –باستثناء إيفني- كان هناك فراغ دستوري، لكن تم الاستنجاد بأعراف ما قبل الحماية وتطعيمها بأعراف جديدة: حيث تم تأسيس مجلس استشاري معين، وإصدار ظهير الحريات العامة الذي نعتبره نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، وفي سنة 1962 عرف المغرب أول نص دستوري عصري متمثلا في دستور 1962 الذي أعده أستاذ القانون الدستوري «موريس دو فيرجيه» بعدما أفشلت اللجنة التأسيسية المعينة من طرف الملك الحسن الثاني برئاسة الأستاذ الفقيه علال الفاسي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن عرف المغرب ستة دساتير آخرها الدستور الحالي: دستور يوليوز 2011. بالإضافة إلى مشروع دستور 1908. وقد ظلت الوثائق الدستورية بمجملها قاصرة عن مشروع دستور 1908، بينما ظلت النصوص الدستورية الأخرى –لسنوات 1970، و1972، 1992، و1996 قاصرة عن دستور 1962، وربما حاول معالجة الخلل لكنه رغم كل إيجابياته لم يستطع أن يتجاوز – على العموم- سقف دساتير ملكيات أوروبا في القرن التاسع عشر.
● تقييمكم للتطور على مستوى المنهجية؟
●● على مستوى المنهجية التي تم إعداد الدساتير المغربية بها تعتبر منهجية إعداد دستور 2011 أكثرها تقدما لحد الآن، فدستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدها الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر، ولجنة صياغة الدستور مكونة من أساتذة جامعيين مشهود لهم بالرسوخ رغم غلبة توجهات إيديولوجية معينة –يسارية بالخصوص- عليها، ثم لجنة تتبع مكونة من الأمناء العامين للأحزاب والنقابات المهنية، كما تقدمت الأحزاب والنقابات وبعض الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني بمذكراتها وتصوراتها للجنة الصياغة، وقد تجاوز عدد المذكرات المقدمة 180 مذكرة، كما شاركت أحزاب ومنظمات وفئات شبابية وشخصيات وطنية بآرائها من خارج اللجنة وأسلوب تقديم المذكرات، بآرائها واقتراحاتها، وكانت هناك آراء أخرى تنادي بلجنة تأسيسية منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وترفض اللجنة المعينة وما سمته بالدستور الممنوح أو حتى «دستور العبيد». وبعد صياغة اللجنة المكلفة لنص المسودة الأولى للدستور، سلمت للأحزاب السياسية -رغم أنها لم تسلم للجميع، كما لم يتح لمن سلمت لهم وقت كاف للاطلاع والتمعن- مما مكن بعض هذه الأحزاب من تقديم استدراكاتها وتعديلاتها على المسودة ولا سيما في المقتضيات المتعلقة بهوية ولغات الدولة.
وعلى العموم ورغم كل المؤاخذات المعبر عنها، يمكن القول من ناحية منهج إعداد الدستور المغربي بأننا لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة، كما يمكننا القول بأن إقرار هذه المنهجية التشاركية يعود الفضل فيه لضغوط الشارع والأحزاب ولا سيما حركة شباب 20 فبراير وضغط تحركات الشعوب العربية، التي لولاها لما كان هناك تعديل ولا تشارك، بل بالعكس كان المغرب قبل ثمانية أشهر يسير نحو نفق سياسي ودستوري مظلم بعد أن أوهم المفسدون و الاستبداديون الدولة بنجاعة خيار ما سمي «بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مع تبني نموذج الواجهة الديمقراطية إسوة بالنظامين المقبورين في كل من تونس ومصر، وكان من قدر الله أن سقط هذان النموذجان السيئان وتنبهت الدولة وعلى رأسها الملك إلى أنه لا بديل ولا نجاة ولا تنمية إلا مع تبني خيار المشاركة والحرية، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل لا بد من الكرامة والحرية والديمقراطية والمشاركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.