سماء غائمة مع نزول زخات مطرية في توقعات طقس الأربعاء    شرطة تامسنا تُوقف مبحوثاً عنه ظهر في فيديو وهو يهدد قاصراً بسلاح أبيض    تحديد موعد العودة للساعة الإضافية.. توقيت "مرهق" أم ضرورة اقتصادية    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    احتجاج يجمع أساتذة للتعليم الأولي    "التنس المغربي" يتواضع في مراكش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    بيراميدز يهز شباك الجيش 4 مرات    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    "أوبك+" تبدأ اليوم في زيادة إنتاج النفط مع بدء التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    إسبانيا تخصص أزيد من نصف مليون أورو لدعم خدمات النظافة بمعبر بني أنصار    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    ترامب يهدد بسحب مليارات من جامعة هارفرد بسبب الاحتجاج ضد حرب غزة    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    وفاة أحد رواد فن المديح وإصابة 6 آخرين في حادثة سير بالرباط    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    أكثر من 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    المملكة المغربية تجدد الدعم لاستقرار إفريقيا    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد السلام بلاجي:
لأول مرة نجد أنفسنا أمام منهجية تشاركية في صياغة الدستور منذ الحماية
نشر في التجديد يوم 28 - 07 - 2011

قال عبد السلام بلاجي إن المنهجية التي أعد بها دستور 2011 أكثر تقدما لحد الآن، مؤكدا أنه لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة. وأوضح بلاجي أن دستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، والميثاق الأساسي للمملكة أعده الملك لوحده، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدهما الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر. ويرى بلاجي في حواره مع «التجديد»، نقدمه في حلقات، حول التطور الدستوري الذي شهده المغرب في المائة سنة الماضية، أنه قبل هذا التاريخ وبالضبط في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم يؤكد بلاجي، موضحا بأنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912. وأبرز الأستاذ المتخصص في الفقه الدستوري، أن إصدار ظهير الحريات العامة يعتبر نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، تلاه في سنة 1962 والتي عرف معها المغرب أول نص دستوري عصري.
● هل يمكن إعطاءنا نظرة عامة عن طريقة التدبير التشريع والقانوني في المغرب قبل بناء الدولة بمقوماتها العصرية؟
●● لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة قبل الإسلام اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية، وهم من الشعوب القليلة التي احترمت نسخ الرسالات السماوية: فكلما نسخت رسالة سماوية اتبعوا الرسالة الناسخة وتركوا المنسوخة، وبنفس المنطق اعتنقوا الإسلام مع استمرار أقلية بقيت معتنقة لليهودية، أما نظام الحكم قبل الإسلام فكان نظاما ملكيا وهذا ما تعكسه اللهجة السوسية مثلا: فالمملكة هي تكلديت، والملك هو أكليد وهو نظام وراثي محكوم بعدد من الأعراف القبلية والاجتماعية.
ومع اعتناق المغاربة للإسلام، استمروا على النظام الملكي مع إضفاء الطابع الإسلامي عليه: حيث يتم تنصيب الملك وفقا لعقد بيعة يصوغه العلماء يلتزم فيه الملك بخدمة الأمة أو ما يسمى «النصيحة»، ويلتزم العلماء والأعيان نيابة عن الأمة «بالسمع والطاعة»، ويقوم العلماء مع الأعيان بدور «شورى الدولة» ويعزلون الملك في حال الخيانة أو الضعف أو ارتكاب أخطاء جسيمة، كما أن الملك في الغالب يجب أن يكون من سلالة أسرة تنتمي إلى بيت النبوة، أو على الأقل أسرة مجاهدة أو عالمة: فالأول يسمى شريفا، والثاني مرابطا أو «أكرام» بلغتهم. ونظام الحكم لا مركزي: حيث يكتفي أعيان القبائل والمناطق والجهات بإعلان الولاء للدولة من خلال مبايعة الملك وتزويد الخزينة المركزية للدولة بقسط من الجبايات، بينما يحكمون القبيلة أو المنطقة أو الجهة بمقتضى الشريعة الإسلامية والأعراف التي لا تخالفها.
● ماذا عن التطور الدستوري الذي شهده المغرب منذ الحماية إلى الآن؟
●● استمر الحكم السياسي في الغالب ملتزما بهذه الأعراف «الدستورية» التي ذكرنا سلفا إلى ما قبل الحماية، حيث إنه في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم، ويكفي أنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912، حيث قسم المغرب إلى سبعة أجزاء وهي: الصحراء الشرقية وألحقت بالجزائر، ومنطقة الشمال (أو المنطقة الخليفية)، ومنطقة الجنوب الأدنى، ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وألحقت بإسبانيا، والمنطقة الوسطى ومنطقة شنقيط وألحقت بفرنسا، ثم المنطقة الدولية بطنجة. ولم يعد اسم المغرب في هذه الفترة يطلق إلا على المنطقة الوسطى المحتل من طرف فرنسا، وقد ظل طيلة فترة الحماية محكوما من طرف مقيم عام يتحكم في التقنين العام والحياة المدنية والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والوضع السياسي، بينما يمارس السلطان السلطة الدينية بمقتضى ظهائر ملكية.
وبعد استقلال المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوب الأدنى –باستثناء إيفني- كان هناك فراغ دستوري، لكن تم الاستنجاد بأعراف ما قبل الحماية وتطعيمها بأعراف جديدة: حيث تم تأسيس مجلس استشاري معين، وإصدار ظهير الحريات العامة الذي نعتبره نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، وفي سنة 1962 عرف المغرب أول نص دستوري عصري متمثلا في دستور 1962 الذي أعده أستاذ القانون الدستوري «موريس دو فيرجيه» بعدما أفشلت اللجنة التأسيسية المعينة من طرف الملك الحسن الثاني برئاسة الأستاذ الفقيه علال الفاسي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن عرف المغرب ستة دساتير آخرها الدستور الحالي: دستور يوليوز 2011. بالإضافة إلى مشروع دستور 1908. وقد ظلت الوثائق الدستورية بمجملها قاصرة عن مشروع دستور 1908، بينما ظلت النصوص الدستورية الأخرى –لسنوات 1970، و1972، 1992، و1996 قاصرة عن دستور 1962، وربما حاول معالجة الخلل لكنه رغم كل إيجابياته لم يستطع أن يتجاوز – على العموم- سقف دساتير ملكيات أوروبا في القرن التاسع عشر.
● تقييمكم للتطور على مستوى المنهجية؟
●● على مستوى المنهجية التي تم إعداد الدساتير المغربية بها تعتبر منهجية إعداد دستور 2011 أكثرها تقدما لحد الآن، فدستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدها الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر، ولجنة صياغة الدستور مكونة من أساتذة جامعيين مشهود لهم بالرسوخ رغم غلبة توجهات إيديولوجية معينة –يسارية بالخصوص- عليها، ثم لجنة تتبع مكونة من الأمناء العامين للأحزاب والنقابات المهنية، كما تقدمت الأحزاب والنقابات وبعض الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني بمذكراتها وتصوراتها للجنة الصياغة، وقد تجاوز عدد المذكرات المقدمة 180 مذكرة، كما شاركت أحزاب ومنظمات وفئات شبابية وشخصيات وطنية بآرائها من خارج اللجنة وأسلوب تقديم المذكرات، بآرائها واقتراحاتها، وكانت هناك آراء أخرى تنادي بلجنة تأسيسية منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وترفض اللجنة المعينة وما سمته بالدستور الممنوح أو حتى «دستور العبيد». وبعد صياغة اللجنة المكلفة لنص المسودة الأولى للدستور، سلمت للأحزاب السياسية -رغم أنها لم تسلم للجميع، كما لم يتح لمن سلمت لهم وقت كاف للاطلاع والتمعن- مما مكن بعض هذه الأحزاب من تقديم استدراكاتها وتعديلاتها على المسودة ولا سيما في المقتضيات المتعلقة بهوية ولغات الدولة.
وعلى العموم ورغم كل المؤاخذات المعبر عنها، يمكن القول من ناحية منهج إعداد الدستور المغربي بأننا لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة، كما يمكننا القول بأن إقرار هذه المنهجية التشاركية يعود الفضل فيه لضغوط الشارع والأحزاب ولا سيما حركة شباب 20 فبراير وضغط تحركات الشعوب العربية، التي لولاها لما كان هناك تعديل ولا تشارك، بل بالعكس كان المغرب قبل ثمانية أشهر يسير نحو نفق سياسي ودستوري مظلم بعد أن أوهم المفسدون و الاستبداديون الدولة بنجاعة خيار ما سمي «بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مع تبني نموذج الواجهة الديمقراطية إسوة بالنظامين المقبورين في كل من تونس ومصر، وكان من قدر الله أن سقط هذان النموذجان السيئان وتنبهت الدولة وعلى رأسها الملك إلى أنه لا بديل ولا نجاة ولا تنمية إلا مع تبني خيار المشاركة والحرية، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل لا بد من الكرامة والحرية والديمقراطية والمشاركة.
عبد السلام بلاجي:
لأول مرة نجد أنفسنا أمام منهجية تشاركية في صياغة الدستور منذ الحماية
قال عبد السلام بلاجي إن المنهجية التي أعد بها دستور 2011 أكثر تقدما لحد الآن، مؤكدا أنه لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة. وأوضح بلاجي أن دستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، والميثاق الأساسي للمملكة أعده الملك لوحده، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدهما الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر. ويرى بلاجي في حواره مع «التجديد»، نقدمه في حلقات، حول التطور الدستوري الذي شهده المغرب في المائة سنة الماضية، أنه قبل هذا التاريخ وبالضبط في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم يؤكد بلاجي، موضحا بأنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912. وأبرز الأستاذ المتخصص في الفقه الدستوري، أن إصدار ظهير الحريات العامة يعتبر نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، تلاه في سنة 1962 والتي عرف معها المغرب أول نص دستوري عصري.
● هل يمكن إعطاءنا نظرة عامة عن طريقة التدبير التشريع والقانوني في المغرب قبل بناء الدولة بمقوماتها العصرية؟
●● لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة قبل الإسلام اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية، وهم من الشعوب القليلة التي احترمت نسخ الرسالات السماوية: فكلما نسخت رسالة سماوية اتبعوا الرسالة الناسخة وتركوا المنسوخة، وبنفس المنطق اعتنقوا الإسلام مع استمرار أقلية بقيت معتنقة لليهودية، أما نظام الحكم قبل الإسلام فكان نظاما ملكيا وهذا ما تعكسه اللهجة السوسية مثلا: فالمملكة هي تكلديت، والملك هو أكليد وهو نظام وراثي محكوم بعدد من الأعراف القبلية والاجتماعية.
ومع اعتناق المغاربة للإسلام، استمروا على النظام الملكي مع إضفاء الطابع الإسلامي عليه: حيث يتم تنصيب الملك وفقا لعقد بيعة يصوغه العلماء يلتزم فيه الملك بخدمة الأمة أو ما يسمى «النصيحة»، ويلتزم العلماء والأعيان نيابة عن الأمة «بالسمع والطاعة»، ويقوم العلماء مع الأعيان بدور «شورى الدولة» ويعزلون الملك في حال الخيانة أو الضعف أو ارتكاب أخطاء جسيمة، كما أن الملك في الغالب يجب أن يكون من سلالة أسرة تنتمي إلى بيت النبوة، أو على الأقل أسرة مجاهدة أو عالمة: فالأول يسمى شريفا، والثاني مرابطا أو «أكرام» بلغتهم. ونظام الحكم لا مركزي: حيث يكتفي أعيان القبائل والمناطق والجهات بإعلان الولاء للدولة من خلال مبايعة الملك وتزويد الخزينة المركزية للدولة بقسط من الجبايات، بينما يحكمون القبيلة أو المنطقة أو الجهة بمقتضى الشريعة الإسلامية والأعراف التي لا تخالفها.
● ماذا عن التطور الدستوري الذي شهده المغرب منذ الحماية إلى الآن؟
●● استمر الحكم السياسي في الغالب ملتزما بهذه الأعراف «الدستورية» التي ذكرنا سلفا إلى ما قبل الحماية، حيث إنه في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم، ويكفي أنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912، حيث قسم المغرب إلى سبعة أجزاء وهي: الصحراء الشرقية وألحقت بالجزائر، ومنطقة الشمال (أو المنطقة الخليفية)، ومنطقة الجنوب الأدنى، ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وألحقت بإسبانيا، والمنطقة الوسطى ومنطقة شنقيط وألحقت بفرنسا، ثم المنطقة الدولية بطنجة. ولم يعد اسم المغرب في هذه الفترة يطلق إلا على المنطقة الوسطى المحتل من طرف فرنسا، وقد ظل طيلة فترة الحماية محكوما من طرف مقيم عام يتحكم في التقنين العام والحياة المدنية والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والوضع السياسي، بينما يمارس السلطان السلطة الدينية بمقتضى ظهائر ملكية.
وبعد استقلال المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوب الأدنى –باستثناء إيفني- كان هناك فراغ دستوري، لكن تم الاستنجاد بأعراف ما قبل الحماية وتطعيمها بأعراف جديدة: حيث تم تأسيس مجلس استشاري معين، وإصدار ظهير الحريات العامة الذي نعتبره نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، وفي سنة 1962 عرف المغرب أول نص دستوري عصري متمثلا في دستور 1962 الذي أعده أستاذ القانون الدستوري «موريس دو فيرجيه» بعدما أفشلت اللجنة التأسيسية المعينة من طرف الملك الحسن الثاني برئاسة الأستاذ الفقيه علال الفاسي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن عرف المغرب ستة دساتير آخرها الدستور الحالي: دستور يوليوز 2011. بالإضافة إلى مشروع دستور 1908. وقد ظلت الوثائق الدستورية بمجملها قاصرة عن مشروع دستور 1908، بينما ظلت النصوص الدستورية الأخرى –لسنوات 1970، و1972، 1992، و1996 قاصرة عن دستور 1962، وربما حاول معالجة الخلل لكنه رغم كل إيجابياته لم يستطع أن يتجاوز – على العموم- سقف دساتير ملكيات أوروبا في القرن التاسع عشر.
● تقييمكم للتطور على مستوى المنهجية؟
●● على مستوى المنهجية التي تم إعداد الدساتير المغربية بها تعتبر منهجية إعداد دستور 2011 أكثرها تقدما لحد الآن، فدستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدها الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر، ولجنة صياغة الدستور مكونة من أساتذة جامعيين مشهود لهم بالرسوخ رغم غلبة توجهات إيديولوجية معينة –يسارية بالخصوص- عليها، ثم لجنة تتبع مكونة من الأمناء العامين للأحزاب والنقابات المهنية، كما تقدمت الأحزاب والنقابات وبعض الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني بمذكراتها وتصوراتها للجنة الصياغة، وقد تجاوز عدد المذكرات المقدمة 180 مذكرة، كما شاركت أحزاب ومنظمات وفئات شبابية وشخصيات وطنية بآرائها من خارج اللجنة وأسلوب تقديم المذكرات، بآرائها واقتراحاتها، وكانت هناك آراء أخرى تنادي بلجنة تأسيسية منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وترفض اللجنة المعينة وما سمته بالدستور الممنوح أو حتى «دستور العبيد». وبعد صياغة اللجنة المكلفة لنص المسودة الأولى للدستور، سلمت للأحزاب السياسية -رغم أنها لم تسلم للجميع، كما لم يتح لمن سلمت لهم وقت كاف للاطلاع والتمعن- مما مكن بعض هذه الأحزاب من تقديم استدراكاتها وتعديلاتها على المسودة ولا سيما في المقتضيات المتعلقة بهوية ولغات الدولة.
وعلى العموم ورغم كل المؤاخذات المعبر عنها، يمكن القول من ناحية منهج إعداد الدستور المغربي بأننا لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة، كما يمكننا القول بأن إقرار هذه المنهجية التشاركية يعود الفضل فيه لضغوط الشارع والأحزاب ولا سيما حركة شباب 20 فبراير وضغط تحركات الشعوب العربية، التي لولاها لما كان هناك تعديل ولا تشارك، بل بالعكس كان المغرب قبل ثمانية أشهر يسير نحو نفق سياسي ودستوري مظلم بعد أن أوهم المفسدون و الاستبداديون الدولة بنجاعة خيار ما سمي «بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مع تبني نموذج الواجهة الديمقراطية إسوة بالنظامين المقبورين في كل من تونس ومصر، وكان من قدر الله أن سقط هذان النموذجان السيئان وتنبهت الدولة وعلى رأسها الملك إلى أنه لا بديل ولا نجاة ولا تنمية إلا مع تبني خيار المشاركة والحرية، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل لا بد من الكرامة والحرية والديمقراطية والمشاركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.