في خضم نقاش سياسي محتدم يغذيه الجدل حول مشاريع القوانين الانتخابية من جهة وآفاق الاحتجاج السياسي الديموقراطي ومستقبل حركة 20 فبراير من جهة أخرى، عرف المغرب في الأسبوع الماضي نقاشا من نوع مختلف نتج عن مشركة فعاليات سياسية وازنة من جل بلدان الثورات العربية الديموقراطية ممثلة في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا فضلا عن دول أخرى تعيش حراك الإصلاح كموريتانيا والسعودية وفلسطين وذلك في إطار الملتقى الوطني السابع لشبيبة العدالة والتنمية. وهو نقاش وضع مسار التجربة المغربية في الأشهر الماضية أمام محك الاختبار والتمحيص والتساؤل عن عناصر التقدم كما مخاطر الإخفاق، والبحث في عناصر الاستفادة وفي آفاق العلاقات بعد طي صفحة التغيير الديموقراطي في المنطقة العربية. كان لافتا وجود تقدير للتجربة المغربية في محطتها الدستورية الأولى مع ترقب وتوجس من محطتها الانتخابية الثانية، وهو تقدير مرده إلى نتائج التفاعل الاستباقي للمؤسسة الملكية مع مطالب الإصلاح وما أثمرته على مستوى مستجدات الدستور الجديد، وفي الوقت نفسه توجس من أن يقع التوقف في منتصف الطريق ولا تتم ترجمة الإنجاز الدستوري في استحقاقات انتخابية نزيهة تجسد آمال الشعب في التغيير السياسي المطلوب. ما سبق يعني أن المغرب هو في الوقت نفسه في موقع النموذج الذي تنبغي الاستفادة من خبرته في طى صفحة الماضي وفي إنجاز إصلاح دون تهديد للاستقرار خاصة في ظل الصعوبات والتحديات الجسيمة التي برزت في مختلف الدول الحراك الديموقراطي العربي، وفي المقابل هو مؤشر على استمرار مخاطر الانقلاب على مكتسبات التحول الديموقراطي وآليات التكيف مع التغييرات الحاصلة لضمان بقاء منطق التحكم في السلطة والثروة، ولهذا كان جليا تأكيد الجميع على أن المغرب بدأ طريق التحول وعليه أن يكمله، وإذا ما حقق ذلك فهو مرشح ليس لحل معضلاته في التنمية والوحدة على المستوى الداخلي بل ولقيادة المنطقة وتشكيل نموذج رائد لدولها على المستوى الخارجي. مما يطرح مسؤوليات كبيرة على الفاعلين في صناعة القرار ببلادنا. في المقابل ثمة مسؤوليات أخرى تطرح على الفاعلين في حركة المجتمع، وخاصة منهم الحركات الإسلامية في المغرب سواء تعلق الأمر بما هو سياسي يتعلق بقضايا الوحدة الوطنية والبناء المغاربي والعلاقات العربية حيث ظهرت أهمية العلاقات الحزبية والثنائية في دعم السياسة الخارجية للمغرب، أو تعلق الأمر بما هو فكري حيث برز بوضوح حجم التطور الذي شهده الفكر السياسي الحركي للتيارات الإسلامية في المنطقة وانتصاره لقضية الحرية أولا في بناء الدولة والمجتمع، وإعلائه من مركزية فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية والمستوعبة لمختلف مكونات المجتمع وتوجهاته السياسية والفكرية والاجتماعية، وأن مستقبلا يحقق للمنطقة الريادة والتقدم والنمو لا يمكنه أن يتحقق بدون جمع بين الإسلام والحداثة، والحالة المغربية في هذا الصدد لها رصيد معتبر وخاصة في قضايا التمييز بين الديني والسياسي ومفهوم الدولة المدنية والعلاقة مع الفاعلين مما جرى تثمينه بوضوح في تلك النقاشات، وكشف عن دور المشاركة السياسية في تسريع سيرورة التجديد الفكري والديني على خلاف تجارب أخرى تعرضت فيها التيارات الإسلامية للإقصاء أو الاضطهاد المستمر مما عطل جهود التجديد والتطوير المطلوبة للفكر السياسي الإسلامي. ما يقع اليوم يقدم للمغرب وقواه السياسية والاجتماعية فرصا جديدة لمواجهة تحديات الماضي وكسب استحقاقات المستقبل، ورصيده سواء في المراجعة الدستورية أو في فعالية التيار الإسلامي المشارك يمكنه من الذهاب أبعد لكن بشرط الاستمرار والتقدم، فنحن في زمن لم يعد فيه مسموحا لنا بالخطأ أو التراجع.