الصمت الدولي على الهجمات الصاروخية المدفعية وغارات الطيران التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني وعدم إدانتها والتنديد بمرتكبيها وطلب ملاحقتهم ومحاسبتهم، يعني أمراً واحداً، وهو تشجيع الكيان الإجرامي على ارتكاب المزيد من الجرائم في حق الشعب الفلسطيني المحاصر بالقطاع، وهو ما لا يستقيم مع ''المبادئ الإنسانية'' و''الشرعية الدولية'' التي ترى في الشعب الفلسطيني شعباً محتلة أرضه يسعى لنيل حريته واستقلاله.. التصعيد الصهيوني الأخير يعد أمرا خطيراً يذكر بعدوان ''الرصاص المصبوب'' على قطاع غزة قبل أكثر من عامين، وهو ما يهدد بتكرار سيناريو الحرب المفجعة التي ذهب ضحيتها مئات الفلسطينيين وأسفرت عن تدمير هائل في البنية التحتية للقطاع المحاصر. هذا التصعيد الصهيوني الهمجي الموغل في الإجرام قابلته كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' بتأكيدها على أنه ''لا يمكن الحديث عن تهدئة، في الوقت الذي يرتكب فيه الاحتلال المجازر بحق أهلنا في قطاع غزة المحاصر''. وحمَّل أبو عبيدة، الناطق باسم الكتائب في مؤتمر صحفي عقده بمدينة غزة، أول أمس، الاحتلال الصهيوني المسؤولية عن هذا التصعيد الإجرامي الذي يرتكبه في غزة. وأكّد أبو عبيدة أن ''عنجهية العدو وعدوانه لن تثنينا عن القيام بواجبنا في الرد على العدوان والدفاع عن شعبنا''. وقال أبو عبيدة: ''الكتائب لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاحتلال، الذي يستغل التواطؤ والصمت الدولي لارتكاب مجازر ضد أبناء الشعب الفلسطيني''، لافتًا إلى أنّ القسام قامت بالرد على العدوان، ''فقصفت عدة مستوطنات ومواقع إسرائيلية عسكرية محاذية للقطاع ب 86 صاروخًا وقذيفة''. وأضاف: ''إنّنا ماضون في جهادنا وثورتنا مع كل الثوار وأحرار العالم حتى تحرير فلسطين وطرد الغزاة''، مشددًا على أنّ ''دماء شعبنا غالية لن تذهب هدرًا''. وكانت ''حماس'' قد اتهمت الكيان الصهيوني بالمسؤولية عن التصعيد الحالي في القطاع، وحذرته من الاستمرار في ذلك. وأكدت الحركة على أنها لا تزال ترد بأسلوب محدود على جرائم العدو الصهيوني بغزة، لافتةً إلى أن استمرار العدوان وتصاعده ''سيدفع المقاومة لتدفيع الاحتلال الثمن أغلى''. وحملت ''حماس'' خلال مؤتمر صحفي عقده المتحدثان باسمها سامي أبو زهري وفوزي برهوم بغزة، ظهر أول أمس، العدو الصهيوني مسؤولية التصعيد بغزة، مؤكدة أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي. واتهمت الحركة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة من خلال استخدام المواد الفسفورية واستهداف المدنيين من المسنين والنساء والأطفال والأطقم الطبية وسيارات الإسعاف، مؤكدة أن ''التصعيد لن يفلح في تحقيق أهدافه السياسية أو فرض سياسة الأمر الواقع، أو كسر إرادة شعبنا الفلسطيني الذي سيواجه هذا التصعيد بحالة من الصمود والثبات''.وأكدت ''حماس'' أن المسؤول عن التصعيد هو الاحتلال الصهيوني ''الذي لم يكترث بسياسة ضبط النفس التي أبدتها فصائل المقاومة الفلسطينية''، محذرة الاحتلال من ''الاستمرار في جرائمه''، ومؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء استمرار التصعيد''. وأضافت الحركة: ''على الاحتلال أن يدرس عواقب جرائمه قبل الاستمرار فيها، وألا يخطئ فهم موقف فصائل المقاومة، التي مارست ردوداً محدودة ومنضبطة حتى الآن''. وقال المتحدث سامي أبو زهري: إن ''الموقف الدولي من التصعيد الصهيوني يتسم بالتواطؤ والانحياز والصمت على قتل المدنيين الفلسطينيين، وتجاهل الدعوات الموجهة لكبح جماح الاحتلال، وإن استمرار هذا الصمت يوفر الغطاء للاحتلال للاستمرار في الجريمة، ويجعل المجتمع الدولي مسؤولا عن كل العواقب والتطورات المترتبة على هذا التصعيد''. ودعا الشعوب العربية إلى التعبير عن تضامنها ورفضها للعدوان الصهيوني، مثمناً في هذا السياق الرسالة القوية التي وجهها الشعب المصري إلى الاحتلال، داعياً للاستمرار في هذه الفعاليات. من جانبه، أشار الناطق باسم ''حماس'' فوزي برهوم إلى أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية وقيادة حماس تواصلت مع أطراف عديدة فلسطينية وعربية ومؤسسات حقوقية، ووضعتهم أمام مسؤولياتهم، وقال: ''طالبنا جامعة الدول العربية بضرورة عقد اجتماع طارئ لبلورة موقف ينسجم مع الموقف''. مجزرة صهيونية والمقاومة ترد وانتزعت قوات الاحتلال النوم من عيون سكان قطاع غزة، خصوصاً النساء والأطفال، الذين قضوا، ليلة الجمعة/السبت، على أصوات دوي الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية والقصف المدفعي. وارتفعت حصيلة العدوان الصهيوني المتواصل على القطاع منذ الخميس إلى 18 شهيداً، وأكثر من 60 جريحاً، بينهم عدد في حالة الخطر الشديد. وجاء التصعيد الجنوني الصهيوني بعد ساعات من إعلان فصائل المقاومة التزامها بالتهدئة طالما التزم به كيان العدو. واستشهد قائد ميداني في كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، وأحد مرافقيه، فيما أصيب آخر بجراح خطيرة إثر استهدافهم من قبل طائرة استطلاع صهيونية في ساعة متأخرة من ليل الجمعة - السبت في حي تل السلطان غرب مدينة رفح. وبهذا ارتفع عدد شهداء يوم الجمعة الدامي إلى سبعة عشر شهيدا. وذكر موقع ''يديعوت'' بأن سلاح الجو الصهيوني بالتعاون مع جهاز الشاباك نجح في اغتيال القيادي في كتائب القسام تيسير أبو سنيمة ومساعده محمد عواجا، فيما أصيب ثالث من ''القسام'' بجراح خطيرة جراء إطلاق صاروخ على سيارة من نوع ''سوبارو'' بيضاء اللون في تل السلطان برفح فجرا أول أمس، وذلك بالتعاون مع العملاء. وردت فصائل المقاومة على التصعيد الصهيوني بإطلاق صواريخ ''غراد'' وقذائف هاون على مستوطنات بعيدة وقريبة من القطاع. وأفادت مصادر إعلامية عبرية، صباح أول أمس، أن 3 صواريخ غراد سقطت شمال مدينة بئر السبع على مشارف بلدة ''رهط'' بالنقب الغربي جنوبفلسطينالمحتلة، بالإضافة إلى عشرات من قذائف الهاون. وذكر موقع كتائب القسام أن الكتائب، ولأول مرة، قصفت مغتصبة ''أوفكيم'' الصهيونية ب3 صواريخ غراد ومغتصبة ''نير إسحاق'' بقذيفتي هاون من العيار الثقيل. وأوضحت المصادر الصهيونية أن خمسة مغتصبين صهاينة على الأقل أصيبوا بجروح مختلفة، في مدينة بئر السبع المحتلة، وأوفوكيم (داخل الأراضي المحتلة عام 1948)، وذلك بعد تعرضهم للقصف بعدة صواريخ من طراز ''غراد'' أطلقت من غزة، في إطار رد المقاومة على العدوان المتواصل على القطاع. وأضافت أن هناك أضرارا وقعت بالمدرسة الرئيسية في شمال بئر السبع جراء سقوط صواريخ غراد من غزة. وحسب الصحف العبرية على مواقعها، فإن المقاومة الفلسطينية تمكنت من إطلاق 3 صواريخ غراد باتجاه مدينة بئر السبع وقد انفجرت بعضها في شمال المدينة على مشارف بلدة ''رهط'' بالنقب الغربي. وفي إطار التهويل الذي يرافق الجرائم الصيونية ويمهد لغيرها، ذكرت مصادر الاحتلال أن حركة ''حماس'' تملك صواريخ يبلغ مداها 70 كيلومتراً قادرة على إصابة أهداف في وسط ''إسرائيل''. في الأثناء، ذكرت القناة العاشرة في التلفزيون الصهيوني بأن قائد هيئة الأركان العسكرية الصهيونية ''بيني غينس'' أعطى تعليماته لقوات الجيش بتصعيد الضربات العسكرية ضد فصائل المقاومة في قطاع غزة. وقال ''غينس'' مخاطبا سكان الكيان: ''أمامكم أيام صعبه جدا استعدوا لها''. وفسر التلفزيون الصهيوني كلمة أيام صعبة بأنها الأيام التي تسبق عيد الفصح اليهودي الذي يحل بتاريخ 18 أبريل الجاري. استهداف سيارات الإسعاف اللافت، أن التصعيد الصهيوني الأخير على قطاع غزة استهدف بشكل واضح المسعفين المدنيين الذين يحاولون بما لديهم من إمكانيات متواضعة انتشال شهداء العدوان الصهيوني ومعالجة مصابيه. ففي تحدٍ صارخ للقانون الدولي الإنساني، استهدف الكيان الصهيوني في مدينة رفح وبشكل مباشر سيارة إسعاف بقذيفة مسمارية أثناء توجهها لإخلاء جريحين أصيبا في غارة صهيونية بالقرب من مطار غزة الدولي، فأصيب اثنين من المسعفين بجراح فيما نجا باقي الطاقم. وفي حادثة أخرى في مدينة غزة، توجه طاقم من المسعفين لإسعاف المصابين وانتشال جثمان شهيدين ارتقيا في قصف صهيوني لمجموعة من الأطفال في حي الشجاعية بمدينة غزة، فباغتتهم قذيفة مدفعية صهيونية فأصيب مسعف بجراح ونجا باقي الطاقم من مجزرة صهيونية محتملة. وبالتمعن قليلاً في استهداف الصهاينة للمسعفين نستنتج أن الصهاينة لا يعيرون كعادتهم اهتماما لأي قيمة إنسانية أو لاتفاقية جنيف وكافة الاتفاقيات الدولية الداعية لحماية حقوق الإنسان أثناء المنازعات، ويعتبر نفسه فوق القانون الدولي ويشجعه على ذلك تجربته السابقة في قتل المدنيين والتبجح بذلك دون أي محاسبة أو ملاحقة قانونية للمجرمين، كما يبطل ادعاءاته الكاذبة بأن جيشه الإجرامي يعد ''الأكثر الأخلاقية في العالم''. وندد إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة بالعدوان الصهيوني المتواصل على القطاع المحاصر، مشددًا على أن ''العدوان على غزة سيفشل في تركيع شعبنا أو كسر إرادته''. واستنكر ''هنية'' الاعتداء الصهيوني على الطواقم الطبية ورجال الإسعاف خلال عدوانه المتواصل على غزة منذ عصر الخميس الماضي. وشكر رئيس الوزراء طواقم الإسعاف والطواقم الطبية على جهودها المبذولة في إنقاذ المواطنين ونقل المصابين وجثامين الشهداء للمشافي، رغم بشاعة العدوان والقصف الصهيوني المتواصل على مختلف محافظات قطاع غزة، وفق المركز الفلسطيني للإعلام. طوارئ في غزة من جانب آخر، أعلنت وزارة الداخلية والأمن الوطني عن حالة الطوارئ في قطاع غزة من أجل التعاطي مع واقع التصعيد الصهيوني المستمر، بما يضمن قيامها بمسؤولياتها رغم تعرض مؤسساتها وكوادرها للاستهداف من الاحتلال. وأكد المهندس إيهاب الغصين المتحدث الرسمي باسم الوزارة في تصريحٍ نشره موقع الوزارة، فجر أول أمس، أن استهداف الاحتلال الصهيوني لمؤسسات وزارة الداخلية وأبنائها لن يثنيها عن أداء واجبها الوطني. وقال الغصين ''على الرغم من استهداف العدو الصهيوني لمواقع الأمن الوطني والشرطة الفلسطينية وعيادة تابعة للخدمات الطبية واستشهاد عدد من أفراد أجهزتها الأمنية وإصابة أحد المسعفين التابعين لجهاز الخدمات الطبية، فإننا سنستمر في حماية الجبهة الداخلية وخدمة أبناء شعبنا الفلسطيني''. ولفت النظر إلى أن وزارة الداخلية أعلنت حالة الطوارئ وكافة أجهزتها الأمنية تعمل على مدار الساعة، وقال: ''الشرطة الفلسطينية تحفظ الأمن العام وتحمي المواطنين والمقدرات والممتلكات، وجهاز الدفاع المدني والخدمات الطبية يعملان على مدار الساعة في كل أنحاء القطاع لإنقاذ المواطنين من استهداف الاحتلال الصهيوني''. وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية أن العدوان الصهيوني على غزة ''لم يكن مفاجئاً''، معللاً: ''منذ عدة أسابيع وخلال حملته على تقرير غولدستون، يعمل على تهيئة الرأي العام العالمي لتصعيد جديد على غزة، باختلاق الروايات والأكاذيب التي كان آخرها ادعاءه بالأمس أن الحافلة التي استهدفتها المقاومة كانت تقل أطفالا يهودا''. ''غولدستون'' يشجع ''إسرائيل'' المؤسف أن هذه الجرائم تأتي بعد أيام قليلة من تراجع القاضي الدولي ريتشارد غولدستون عن تقريره الذي اتهم فيه ''إسرائيل'' بالأدلة واستنادًا إلى شهادات حية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين خلال عدوانها على قطاع غزة، وهو ما شجعها كما يبدو على هذا التصعيد الأخير بحجة منع إطلاق الصواريخ على مستوطناتها رغم أن كيان العدو هو من خرق الهدوء على جبهة قطاع غزة وبادر بالتصعيد واستهداف الفلسطينيين بشكل مستمر وممنهج. وكانت منظمة العفو الدولية قد وصفت دعوة الحكومة الصهيونية للأمم المتحدة للتراجع عن تقرير بعثة المنظمة الدولية لتقصي الحقائق بشأن الحرب على غزة، بأنها محاولة لتجنب المساءلة عن جرائم حرب وحجب العدالة عن ضحايا الحرب نهاية 2008 وبداية .2009 وقال ''فيليب لوثر'' نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إن إعلان ''إسرائيل'' أن ما قامت به أصبح مبررا بعد مقال للقاضي ريتشارد غولدستون في صحيفة ''واشنطن بوست'' سوء تفسير متعمد لتعليقات غولدستون، الذي قاد بعثة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق بشأن الحرب على قطاع غزة. وأضاف ''يجب على المجتمع الدولي أن يرفض بحزم تلك المحاولات لتفادي المحاسبة، والتصرف بشكل حاسم من أجل العدالة الدولية''. وفي وقت سابق الخميس الماضي قالت سفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة ''سوزان رايس'' إنها تريد أن يختفي تقرير القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون بشأن حرب ''إسرائيل'' على غزة. وأضافت أمام جلسة في الكونغرس أنها ليست متأكدة من إمكانية تعديل التقرير في ضوء تصريحات غولدستون الجديدة، وإنما تريد أن يختفي وأن لا يكون موضوع نقاش وجدال بمجلس حقوق الإنسان أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. يذكر أن ''رايس'' قادت جهوداً مستميتة لإحباط تقدم هذا التقرير بشكل تصعيدي داخل الأممالمتحدة. وكان غولدستون قد نشر مقالا يوم الجمعة ما قبل الماضي بصحيفة ''واشنطن بوست'' الأمريكية قال فيه ''لو كنت أعرف حينها ما أعرفه الآن لكان تقرير غولدستون وثيقة مختلفة''، لكنه نفى لاحقا ما تردد من شائعات إثر ذلك عن سعيه لإلغاء تقريره للأمم المتحدة، الذي ينتقد فيه بشدة العدوان الذي شنته ''إسرائيل'' على قطاع غزة أواخر العام 2008 وأوائل 2009 وأدى إلى استشهاد نحو 1400 فلسطيني.